1-الجلوس حيث انتهى المجلس:

من الآداب المهمّة في الزيارات أنّ الضيف إذا دخل مكاناً وجب عليه أن يجلس حيث انتهى به المجلس, ولا يشق الصفوف والمقاعد ليجلس في مكان ربما قد خصّص لغيره, أو أن يحرج أحداً بأن يقوم له, وقد كان الصحابة يجلسون حيث ينتهي بأحدهم المجلس فعَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: \"كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي \" (الترمذي2649). وقد بوب الترمذي باباً أسماه: بَاب اجلِسْ حَيثُ انْتَهَى بِكَ المَجلِسُ.
قال في تحفة الأحوذي:\" والحاصل أنّه لا يتقدم على أحد من حُضّاره تأدّباً, وتركاً للتكلّف، ومخالفةً لحظ النّفس من طلب العلو كما هو شأن أرباب الجاه\". (تحفة الأحوذي شرح الترمذي).
ولا بد أن يراعي خلال ذلك رغبة صاحب البيت؛ إذ أهل مكة أدرى بشعابها فيجلس حيث يُجلسه صاحب البيت.

2- عدم جواز أن يُقام أحدٌ من مجلسه:
من الآداب الرفيعة في ديننا أن لا يتجرّأ أحدٌ على أحد في مجلس, ويقيمه من مكانه مهما علا شأن الثاني ونزل شأن الأول, فعَن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: \" لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِن مَجلِسِهِ ثُمَّ يَجلِسُ فِيهِ\". (متفق عليه).
قال في الفتح: \" قوله:\" لا يقيم الرجل أخاه \" لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه، لأنّه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحاً، وإن فعله من جهة الأثرة كان أقبح\". (فتح الباري شرح البخاري).
قال النوويّ:\" فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحقّ به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث، إلا أنّ أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعا يفتي فيه، أو يقرأ قرآنا أو غيره من العلوم الشرعية، فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه. وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة. (شرح النووي على مسلم).
وقال في تحفة الأحوذيّ:\"والحكمة في هذا النهي:
• منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن.
• والحثّ على التواضع المقتضي للمودة.
• وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقّه، ومن استحقّ شيئاً فأخذ منه بغير حقّ فهو غصب والغصب حرام. فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم (تحفة الأحوذي شرح الترمذي).

3-الحق المحفوظ:
قد يطول المجلس فيضطّر أحدهم أن يخرج إلى الغائط، أو قد يعرض لأحد الجالسين أمرٌ يجبره على الخروج خارج الغرفة ثمّ يعود، ومن المفاجأة غير السارّة أن يخرج الرجل ثُمّ يعود فيرى مكانه الذي كان فيه قد جلس فيه غيره, فيحرج الرجل ولا يعرف ماذا يتصرف، في مثل هذا الحالات الدقيقة يتدخل الإسلام ليضع نصّاً ظاهراً وواضحاً يفصل فيه هذا النزاع ويزيل هذا الحرج فعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:\"إِذَا قَامَ أَحَدُكم مِن مَجلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ\". (مسلم 4047).

4-الضيف المفرّق:
وقد يدخل الإنسان إلى مكان مكتظّ بالضيوف فلا يجد إلا فرجة بين اثنين, فيجلس بينهما دون إذن منهما ويقطع حديثهما ويدخل الحرج عليهما, فقد يكون بين الاثنين حديث خاصّ بينهما لا يحبّان أن يطلع عليه أحد, أو بينهما ودّ لا يحب لأحد أن يفسده لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: \" لا يُجلَسْ بَينَ رَجُلينِ إِلَّا بِإِذنِهِمَا \". (أبو داود 4204).
وعن ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِن مَقعَدِهِ, وَيَجلِسَ فِيهِ, قُلْتُ لِنَافِعٍ: الجُمُعَةَ قَالَ: الجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا.(متفق عليه).
قال في تحفة الأحوذي:\" قوله (إلا بإذنهما) لأنّه قد يكون بينهما محبّةٌ ومودّةٌ وجريانُ سرٍ وأمانةٌ فيشقّ عليهما التفرّق بجلوسه بينهما. (تحفة الأحوذي شرح الترمذي).
وعن الأحنف بن قيس قال:\" ما دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما \". (الكامل في الأدب والتاريخ 70/1).

5-عدم النظر في عورات البيت:
من العادات السيّئة عند بعض الناس أنّه إذا دخل مكاناً أطلق بصره يمنة ويسرة, وسمح لعينيه أن تنظر ما وراء الستائر أو الزجاج وهو بذلك يخون نفسه إذ يخون أخاه المسلم, ومثل هذا الرجل لا يستحق أن يؤمن عليه ليدخل إلى البيت فربما غافل صاحب البيت ونظر إلى عورات بيته لذلك ورد الحديث الشريف أن لا يصاحب الإنسان إلا مؤمناً, فعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:\" لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِناً, وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌ \". (الترمذي كتاب الزهد باب ماجاء في صحبة المؤمن).
\" وعن عمر بن الخطاب أنّه قال: من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فَسَق\". (تفسير القرطبي سورة النور).
لذلك جاء النهي الصريح من أن يطلق الإنسان بصره في بيوت الناس فعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِن جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ومعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرىً يَحُكُّ بهِ رَأسهُ فقالَ: \"لَو أَعلَمُ أنَّكَ تَنظُرُ لَطَعَنتُ بِهِ فِي عَينِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاستِئْذَانُ مِن أَجلِ البَصَرِ \".(متفق عليه).

إضاءات:
• هذا النهي ليس مختصاً بالرجال بل بالنساء أيضا فالمرأة أيضاً ينبغي ألا تنظر إلى عورات أهل البيت إن دخلت بيتاً حتى ولو كان بيت ابنها فلكلّ بيت عوراته التي لا ينبغي للداخل أن ينظر إليها.
• وهذا النهي ليس مختصاً بالعورات بل مختصّ بكلّ خصوصيات البيت ومحتوياته التي لا يرغب صاحب البيت أن يطلع عليها أحد والتي لا يحبّ أن يظهرها لأحد.

6- عدم الجلوس مكان صاحب البيت إلا بإذنه:
من العيوب الظاهرة في الزيارات أن يكسوَ الإنسان بعض تصرفاته بالغلظة والفظاظة وسوء التصرف, فيدخل ليجلس في المكان المخصص لصاحب البيت, فيُحرج الرجل من هذا الضيف, ولا يعرف كيف يتصرّف معه وماذا يقول له؛ فيؤدي ذلك إلى شحناء في صدره, وإن لم يبدها أو يظهرها؛ لذلك نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فعَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : \"وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلطَانِهِ وَلا يَقعُدْ فِي بَيتِه عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بإِذنهِ\". (مسلم1078). التكرمة: هي الموضع الخاص لصاحب البيت أو العمل كالفراش والمكتب.
ويدخل تحت ذلك المكان الذي خصّصه صاحب البيت لرجل آخر فهو أعرف بضيوفه وأمكنتهم.

7- قاطع الأحاديث:
في بعض الأشخاص صفة سيئة تتمثل بفرضه حديثه الذي يدور في رأسه بمجرد دخوله على أصدقائه, فيقطع حديثهم لينتقل إلى حديث آخر دون إذنهم أو مشورتهم, فتحصل بذلك فجوة بين الأطراف منشؤها فجوة بين الأحاديث وكم من إنسان استأذن بالخروج من المجلس وكم من رجل قاطع آخر لأنّه قطع حديثه دون إذنه, لذلك نهى الإسلام أن يُقطع حديث الرجل إذا لم يكن إثماً أو حراماً فعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ:\" حَدِّث النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً, فَإِن أَبَيْتَ فَمرّتَيْنِ, فَإِن أَكثرْتَ فَثلاثَ مِرَارٍ ولَا تُمِلَّ النَّاسَ هذَا القُرآنَ, وَلا أُلْفِيَنَّكَ تَأتِي القَومَ وَهُم فِي حَدِيثٍ مِن حَدِيثِهِمْ, فَتَقُصُّ عَلَيهِم فتَقطَعُ علَيهِم حَدِيثهُمْ فَتُمِلّهُمْ وَلَكِن أَنصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثهُمْ وَهُمْ يَشتَهُونَهُ, وانظُرْ السَّجْعَ مِن الدُّعَاءِ فَاجتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي: لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ. (البخاري5862).
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يباسط الناس ويحادثهم ويسمع منهم الشعر فعَن عَمرِو بنِ الشَّرِيدِ عَن أَبِيهِ. قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللّهِ يَوْماً. فَقَالَ: \"هَلْ مَعَكَ مِن شِعرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟\" قُلتُ: نَعَم. قَالَ: \"هِيهِ\" فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: \"هِيهِ\" ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: \"هِيهِ\" حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيتٍ .(مسلم كتاب الشعر).
وكان صلى الله عليه وسلم لا يقطع حديثهم قطعاً, أو يسكت الناس إذا دخل إنما يسمع إليهم حتى إذا انتهوا أو طلبوا منه الحديث بادرهم, وهذا من ذوقه الرفيع وأدبه الجمّ صلى الله عليه وسلم .

8- الهمس المزعج:
من عيوب بعض المجالس أن يكثر فيها الهمس المزعج و الذي يتمثل بالمحادثة الخفيّة بين طرفين مع وجود الطرف الثالث الذي يحزنه هذا الفعل ويؤلمه, وربما هيّج هذا الفعل ما في نفسه فيتوهّم ربط حديث المتناجين بما يكره أو يبغض, أو يعتبر نفسه غريباً عن المتناجين فيحزنه هذا التناجي, وبذلك جاء النهي فعَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : \"إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ\". (متفق عليه).
قال ابن حجر: \"وإنما قال يحزنه لأنّه قد يتوهّم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له وقد نقل ابن بطّال عن أشهب عن مالك قال: لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة, لأنّه قد نهى أن يترك واحداً, قال: وهذا مستنبط من حديث الباب، لأنّ المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد، قال: وهذا من حسن الأدب لئلاّ يتباغضوا ويتقاطعوا. وقال المازريّ ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد، زاد القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد، فليكن المنع أولى، وإنما خصّ الثلاثة بالذكر لأنّه أوّل عدد يتصوّر فيه ذلك المعنى، فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم. قال ابن بطّال: وكلما كثر الجماعة مع الذي لا يناجى كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة، فيكون أولى. (فتح الباري شرح البخاري).

إضاءة:
ممّا يدخل تحت هذا الأدب الرفيع أن لا يتكلّم أصحاب الاختصاصات الدقيقة باختصاصاتهم إذا وُجد في المجلس واحد لا يفقه هذا الاختصاص, كأن يجتمع أطباء فيتحدثون بأدقّ التفاصيل في اختصاصاتهم وبينهم مدرّس لا يفقه ما يقولون فيحرجه ذلك و ربما غادر المجلس منزعجاً.

9- الثقيل السؤول:
من الأمور المهمّة في ديننا عدم الإلحاح على القادم أو المغادر عن سبب تأخره أو ذهابه المبكّر؛ إذ قد يكون سبب التأخّر أو الذهاب المبكّر محرجاً بعض الشيء أو سراً لا يحبّ أن يعرفه أحد, وإن كان لا بد من السؤال من أجل الاطمئنان وبدافع المحبة فليرض السائل بعمومّيات الإجابة ولا يحمل على أصدقائه بكثرة الأسئلة كلما ذهب واحد منهم أو تأخر حتى يملوه ويكرهوه, إذ يعتبر عدم سؤال المرء فيما لا يعنيه من حسن الإسلام فعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :\" مِن حُسنِ إِسلاَمِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يعْنِيهِ \". (الترمذي كتاب الزهد).
وعن مجاهد قال:\" يكره أن يحدَّ الرجلُ إلى أخيه النظر أو يتبعه بصره إذا ولّى أو يسأله: من أين جئت وأين تذهب \" .(الأدب المفرد 546).

10- عدم التفاخر بتقديم الضيافة:
\"كانوا يقولون لا تكرم صديقك بما يشقّ عليه\" (الأدب المفرد 288). ومعنى ذلك أنّ الإكرام الزائد والتفنّن في أساليب الضيافة والتنوّع في أشكالها يكون سبباً للمشقّة فقد لا يكون للضيف قدرة على المكافأة ورد الدعوة بالشكل الذي قدمت له, فيشقّ عليه أن يردّ الدعوة لأصحابه دون أن يقدّم ما قدموا فيضطرّه ذلك إلى ردّ الضيافة ولو استدان, ثم بعد ذلك ينقطع عن أصدقائه وأقاربه لأنّه لم يعد يستطيع أن يجاريهم, إنّ الإسلام وأمر بإكرام الضيف بقدر ما يستطيع الإنسان لكن بشرط ألاّ يتكلف فوق طاقته, لذلك كانوا يقولون:\"أمرنا ألاّ نبخل بالموجود ولا نتكلّف فوق الحدود\"، ومن شروط تمام الصحبة والزيارات التخفيف من المفاخرة بالضيافة فـ \" تمام التخفيف بطيِّ بساط التكليف\".(إحياء علوم الدين ص280/2).
وقد يكون التكلف الزائد سبباً في القطيعة \" فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه أو أصدقائه تكلّف له أكثر من اللازم وخسر الأموال الطائلة, ومن هنا تجد أنّ أقاربه وأصدقاءه يقصرون في زيارته حتى لا يوقعونه في الحرج \".(صلة الرحم المظاهر والأسباب ص12).

11- كراهية تقديم طعام غريب لا يعرفه الضيف:
فلكل بلد طعامه الخاصّ وعاداته الخاصة وأسلوبه الخاصّ في تحضير الضيافة والطعام, لذلك يكره أن يقدم للضيف طعامٌ لا يعرفه أو لا يستسيغه،وهذا الفعل يحرج الضيف والمضيف, أما المضيف فإنّه يشعر بأنه قصّر تجاه ضيفه وأضرّ به فربما كان جائعاً أو مسافراً, وأما الضيف فقد لا يستسيغ الطعام, فيظن صاحب الدعوة أن هناك خللاً ما في طعامه لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم \" قَلَّما يُقَدِّمُ يَدهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ \". (متفق عليه).

12- بدء الضيافة من الكبير سناً أو قدراً ثم عن يمينه:
من الآداب الإسلاميّة العالية احترام الكبير وأهل الفضل فنبدأ الضيافة من عندهم, ثم نتبع يمين الكبير أو صاحب الفضل, وهذا توقيرٌ للكبير واعتراف بأهل العلم وأهل الفضل أرشدنا إليه الإسلام فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"ليس من أمّتي من لم يجلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقّه\". (أحمد أحاديث عبادة بن الصامت).
قال في الفتح:\" \"و أخرج أبو يعلى بسند قويّ عن ابن عباس قال:\"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال ابدؤوا بالكبير\" ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إمّا بين يدي الكبير أو عن يساره كلّهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم، فتخصّ هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن، أو يخص من عموم هذا الأمر بالبداءة بالكبير ما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره، ففي هذه الصورة يقدّم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل، ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل بخصوص كونها يمين الرئيس فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل، وقال ابن المنير: تفضيل اليمين شرعيّ وتفضيل اليسار طبعيّ وإن كان ورد به الشرع لكن الأول أدخل في التعبد، ويؤخذ من الحديث أنه إذا تعارضت فضيلة الفاعل وفضيلة الوظيفة اعتبرت فضيلة الوظيفة كما لو قدمت جنازتان لرجل وامرأة ووليّ المرأة أفضل من وليّ الرجل قًدم وليُّ الرجل ولو كان مفضولاً لأنّ الجنازة هي الوظيفة فتعتبر أفضليّتها لا أفضلية المصلِّي عليها، قال: ولعل السرّ فيه أنّ الرجوليّة والميمنة أمر يقطع به كل أحد \".(فتح الباري كتاب الأشربة باب هَل يسْتأ ْذِن الرَّجل مَن عن يَمِينِهِ فِي الشُّربِ لِيعطِي الأَكبَر) .

13- خِدمَةِ الصِّغَارِ الكِبَار:
وهذا أيضا من الأدب الجمّ وفي المثل (صغير القوم خادمهم) فهو يسعى بين أيديهم يقدم لهم الطعام والضيافة ولا بدّ أن نربّي أولادنا على ذلك حتى لا ينْزعج الصغار من الكبار ولقد بوّب البخاريّ باباً أسماه باب خِدمَةِ الصِّغَارِ الكِبَارَ قال في الفتح:\" قوله: (باب خدمة الصغار الكبار) ذكر فيه حديث أنس \" كنت قائماً على الحي أسقيهم وأنا أصغرهم\" وهو ظاهر فيما ترجم به \".(فتح الباري كتاب الأشربة باب خِدْمَةِ الصِّغَارِ الْكِبَار).
14- دعاء نهاية المجلس:
وفي كل مجلس قد يكثر اللغط واللهو والمزاح وتبادل الأحاديث التي قد لا تعتبر نافعة, ولذلك وجّه الإسلام أن يحفظ المسلم دعاء ختام المجلس الذي يمحو ما كان في المجلس من خطأ فعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : \" مَن جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِن مَجلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ, إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ\" (الترمذي 2355).

15- التسليم آخر المجلس:
فإذا انفض المجلس فلا بدّ أن يستأذن بالخروج ويلقي السلام على من بقي من الجالسين, فعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:\" إِذَا انتَهَى أَحَدُكُم إِلَى مَجلِسٍ فَلْيُسَلِّم فَإِن بَدَا لَهُ أَن يَجْلِسَ فَليَجلِسْ ثُمَّ إِذَا قَامَ فَليُسَلِّم فَلَيسَت الأُولَى بِأَحقَّ مِن الآخِرَةِ\".(الترمذي2630).

المرجع كتاب ذوقيات إسلامية
م. عبد اللطيف محمد سعد الله البريجاوي.