قبل أيام أقدمت السلطات الأمريكية على اعتقال المنشد الإسلامي المعروف محمد مصطفى مسفقة (أبو راتب) ، وذلك على خلفية قضية مؤسسة الأرض المقدسة المتهمة بدعم وتمويل حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

أبو راتب هو أحد الأصوات العذبة والمميزة في عالم النشيد الإسلامي ، وهو فنان حقيقي ينشد ويلحن ، بل ويكتب في بعض الأحيان ، وهو في واقع الحال من الآباء المؤسسين لهذا الفن ، وإن جاء بعد جيل سوري سبقه إلى هذا المضمار.

على يد (أبو راتب) ازدهر النشيد الإسلامي ، وكانت له مساهمته الحقيقية في صناعة الصحوة الإسلامية التي اختطفها بعد ذلك متطفلون حرّموا النشيد واعتبروه من المنكرات ، غير مفرقين بينه وبين الغناء الهابط.

على هذه الخلفية يمكن القول إن (أبو راتب) يُعد مطلوبا في الولايات المتحدة ، وعندما يمنع أمثال البريطاني يوسف إسلام من دخول الولايات المتحدة ، فمن الطبيعي أن يستهدف أمثال صاحبنا.

مشكلة (أبو راتب) أنه وَثق بالديمقراطية الأمريكية ، أقله في الممارسة ، إذ كان عليه أن يغادر إلى غير رجعة بعدما رأى بعينيه ما وقع لرموز الحالة الإسلامية في الولايات المتحدة ، لا سيما أولئك الذين لهم صلة ما بالقضية الفلسطينية ، ولعل صاحبنا قد ركن إلى أنه سوري وليس فلسطيني ، حتى لو كان يُنشد (في كثير من إبداعه) لفلسطين التي كانت ولا تزال الجرح الإسلامي الأكبر ، والقضية التي تثير مشاعر المسلمين أينما حلوا وارتحلوا.

والحق أن (أبو راتب) قد أنشد لفلسطين أجمل الأناشيد ، لقدسها وأقصاها ، لبطولاتها ومعاناتها ، ولكنه لم يعتقد أن ذلك سيشكل جريمة من النوع الذي يستحق الاعتقال ، وأين؟ في الولايات المتحدة التي تتشدق باحترام الحريات ونشر الديمقراطية.

قصة مؤسسة الأرض المقدسة مثيرة للحزن والأسى ، وعلى خلفية قضيتها يقبع في السجون الأمريكية سرب من أجمل الرجال الذي أحبوا وطنهم وأمتهم ودينهم ، ولم يسيئوا لأمن الولايات المتحدة ، لكن التبعية الأمريكية للهواجس الصهيونية ما لبثت أن ألقت بهم وراء الشمس دون ذنب اقترفوه (شكري أبو بكر ، محمد المزين ، مفيد عبدالقادر ، غسان العشي ، عبدالرحمن عودة).

قبل أوباما كان عدد من الرجال يأخذون حكما بالبراءة ، وكان مأمولا أن ينتصر "الرئيس الأسود" للمظلومين ، فتنتهي القضية إلى الإفراج عن الرجال ، لكن المفاجأة أن الموقف جاء معاكسا ، إذا ثبتت الأحكام ، بل وزاد بعضها أيضا ، وها هي المطاردة تطال رجلا لا صلة له بتلك المؤسسة ، اللهم سوى الإنشاد في بعض الاحتفالات التي تقيمها من أجل جمع التبرعات ، وهي احتفالات مرخصة تقيمها مؤسسة مرخصة لم يكن بوسع (أبو راتب) أن يرفض المشاركة فيها.

ليس لصاحبنا أية علاقة أخرى بالمؤسسة ، وإذا قيل إنه تلقى أموالا منها ، فالأمر طبيعي ، لأنه يعمل في سلك النشيد ويعتبره مهنته التي يعيش منها ، وكان من الطبيعي أن يتقاضى أجرا على الإنشاد في الاحتفالات التي لم يكن ليشارك فيها لو لم تكن مرخصة. وما نرجحه هو أن يكونوا قد ضغطوا عليه من أجل الشهادة بحق أناس آخرين ، ولما رفض قرروا استهدافه كما وقع لكثيرين سواه خلال السنوات الأخيرة.

(أبو راتب) اليوم أسير الديمقراطية الأمريكية ، وفوبيا الإرهاب التي عاد أوباما لكي ينشرها بين الأمريكيين ، لكي يبرر فشله وخيبته ، ولكي يرضي دوائر الصهيونية واليمين في الولايات المتحدة.

ليس أمام (أبو راتب) غير التمسك ببراءته وعدالة قضيته ، وليس أمامنا سوى إعلان التضامن معه كفنان مسلم يستحق أن يقف الجميع معه ، داعين الله أن يفرج كربه ، وكرب سائر المظلومين على وجه هذه الأرض.

قبل أيام وصلتني قصيدة مغناة من كتابة وإنشاد (مدير المؤسسة) شكري أبو بكر المحكوم بالسجن 65 عاما ، ولا نعرف إن كان سيتواصل مع (أبو راتب) الذي يمكنه تلحينها وإنشادها بطريقة أفضل بكثير ، أم ستكون لكل منهم زنزانته الخاصة.