سعيد احمد الجناحي
ينتمي عبدالفتاح إسماعيل إلى أسرة انتقل عائلها من الجوف واستقر في قرية "الاشعاب" أغابره مديرية حيفان محافظة تعز، حيث ولد فيها في 28 يوليو 1939م.

ارتبطت حياته بريف الشمال التي كانت لا تختلف عن حياة القرون الوسطى، وتلقى تعليمه الأولي على يد والده إسماعيل الذي كان عالماً ويزاول مهنة القضاء، ومعلماً يدرس في مسجد القرية، ويقوم فيه، وحين أصبح صبياً ترك القرية عندما استدعاه أخوه محمد إسماعيل الذي كان قد استقر عمله في عدن، كي يواصل دراسته هناك، حيث أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية بالتواهي في عدن.

ومن أبرز معالم تلك الحياة هي تداخل الأوضاع التي كانت قائمة في ريف الشمال وحياة المدينة في عدن، ولأنه لم يكن باستطاعته مواصلة دراسته، فهو آخر أبناء إسماعيل يأتي رقمه الواحد والعشرون بين البنين والبنات، لذا اختار الالتحاق بمدرسة تدريب العمال لمصافي الزيت البريطانية (b b) وكان له ذلك بعد أن اجتاز الامتحان ونجح من بين عدد كبير من المتقدمين، وأثناء امتداد الحركة القومية إلى الشمال وعدن بالذات اختار عبدالفتاح الانضمام إلى حركة القوميين العرب مع نهاية عام 1959م، في وقت كان تنظيمها السري قد اتسعت حلقاته بين مجموعة من المثقفين والعمال.

اتسم عبدالفتاح إسماعيل بالنضج الفكري وعمق المعارف النظرية لنهمه في البحث عن المعرفة من خلال القراءة، واكتسب تجربة العمل النقابي، شارك في الإضراب العمالي لعمال المصافي الذي استمر أشهر. وفي أبريل عام 1960م ورغم تدخل الشرطة وتوزع فرق الجيش البريطاني لحماية منشآت المصافي تصدر عبدالفتاح إنزال منشور يحمل مطالب العمال ويحثهم على الصمود، وبعد تدخل الاتحاد الدولي للنقابات حقق عمال المصافي جزءاً كبيراً من مطالبهم، لكن نشطاء العمال تعرضوا إلى الاعتقال والتحقيق وتعرض عبدالفتاح إسماعيل إلى جانب ذلك إلى الفصل.

في أواخر 1960م عمل مدرساً في مدرسة الحسوة لفترة قصيرة، ثم انتقل إلى مدرسة النهضة، وخلال هذه الفترة برز كعنصر قيادي في حركة القوميين العرب، وعاد إلى عدن الصغرى متردداً على مقر عمله، ولكن عودته هذه كانت لقيادة خلايا العمال السِّرية التابعة للحركة.

بعد قيام الثورة السبتمبرية عام 1962م التي أحدثت تحولات جذرية في مسار الأوضاع على الساحة اليمنية ومسار النضال الوطني، فقد صار الشمال قاعدة للقوى الوطنية الجنوبية وساحة داعمة لحركة النضال في الجنوب وفي صنعاء تنادى الوطنيون من أبناء الجنوب، وبعد اجتماعات توصلوا إلى تشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، التي تم الإعلان عنها في أغسطس 1963م، وأصبحت تعز مقرها الرئيس، وبما أن الجبهة القومية تشكلت من عدد من فصائل العمل الوطني، وكانت حركة القوميين الفصيل الرئيس، تحول تنظيم الحركة المنتشر في الجنوب يعمل باسم الجبهة القومية، وهكذا انطلقت الشرارة الأولى للثورة المسلحة من ردفان في الرابع عشر من أكتوبر- بقيادة الجبهة القومية التي أعلنت الكفاح المسلح طريقاً للنضال حتى تحرير الجنوب، وعلى قاعدة الدعم المطلق من قبل قيادة الثورة في الشمال، ومصر عبد الناصر وتصاعدت حركة تحرير الجنوب وامتدت إلى عدن.

ومن ضمن الإعداد لجبهة عدن، تلقى عبدالفتاح إسماعيل دورة تدريبية على السلاح، كما وأنه تولى الإعداد لفتح جبهة عدن من خلال إيفاد عناصر من الخلايا السرية التي كانت في إطار حركة القوميين العرب إلى تعز على شكل فرق لا يزيد عدد أعضائها عن خمسة أفراد، حيث كان يتم تدريبهم على يد ضباط مصريين أوفدتهم القيادة المصرية لدعم نضال الشعب في الجنوب وبعد انتهاء الدورة التدريبية يعود كل منهم إلى مقر عمله، ومن ضمن الإعداد تولى عبدالفتاح الإشراف على تسريب الأسلحة والذخائر إلى عدن، وخزنها.

في تلك الأثناء وفي بداية 1964م عين عبدالفتاح المسؤول الأول عن العمل العسكري الفدائي والسياسي لجبهة عدن وأصبح اسمه التنظيمي (عمر) خلفاً لفيصل عبد اللطيف الذي أصبح عضو المجلس التنفيذي للجبهة القومية والمسؤول التنظيمي.

ترك عبدالفتاح عمله كمدرس وتفرغ لقيادة جبهة عدن وكي لا يلفت النظر إليه، عمل مع أخيه المهندس عبد الجليل إسماعيل والذي كان يعمل مقاولاً.

كان عمله شكلياً للتغطية، وبحكم إمكانية أخيه وفر له سيارة وسكن، لذا خلال ستة أشهر، كما يقول -عبدالفتاح إسماعيل- تمكن مع رفاقه أعضاء قيادة عدن من وضع بنية تحتية للعمل الفدائي، فإلى جانب الإمكانات المادية التي وفرها المجلس التنفيذي للجبهة القومية من المساعدات التي توفرت من مصر عبدالناصر، لدعم نضال جنوب اليمن.

وكانت القوى البشرية المنظمة قد هيأت خلال خمس سنوات متتالية بتنظيم حركة القوميين العرب، فقد كان عدد الحلقات والخلايا القيادية والشعب، والروابط حوالى (85) وعدد الأعضاء ما يقارب الـ(500) عضو، وهيأتهم عبر تنظيم سري جديد لا يتعدى الإطار خمسة أفراد، ولا يجوز للعضو معرفة أي عضو خارج الإطار التنظيمي الذي ينتمي إليه، ويجري لكل إطار اجتماع اسبوعي وفق ضوابط سرية متشددة، ويحتوي برنامج الاجتماعات تصاميم فكرية، وثقافية، وسياسية، وتنظيمية، متدرجة وفق المستوى التنظيمي، ويلتزم الأعضاء بالقيام بمهام عملي، ودفع اشتراك شهري، ورغم انضمام حركة القوميين العرب إلى الجبهة القومية، فقد ظلت الأسس التنظيمية أساسية تفرض على من يلتحق بالجبهة القومية.

وسار الإعداد للعمل الفدائي وفق الخطط التالية:

فرز العناصر الصالحة للعمل الفدائي والتي عرفت بالتزامها، وتطورها الفكري وصلابتها وتشكيلها في جماعات صغيرة، وإرسالها سواء إلى تعز، حيث تم تدريبها على يد ضباط مصريين، في دورات لا تتعدى الأسابيع الثلاثة، وعودة كل فرد إلى موقع عمله وتولي بعض هؤلاء تدريب رفاقهم محلياً وفي نفس الوقت رغم الصعوبات والمشاق فقد تم إدخال السلاح من تعز إلى عدن تارة مغامرة على سيارات، وتارة على الجمال التي كانت تنقل القصب والأعلاف والخضروات من مزارع لحج إلى سوق عدن وفي المدينة تم خزنها بسرية، وبفضل تدرب العناصر الفدائية فقد وصل الأمر إلى صناعة القنابل ومدافع الصوت.

وإلى حين ذلك تم استئجار منازل بأسماء مستعارة للاختفاء، وعقد الاجتماعات، وكثف التثقيف العسكري، وثقافة حرب العصابات والتجارب التي خاضتها الشعوب الأخرى بين أوساط المهيأين للعمل الفدائي، وهكذا كانت شروط فتح جبهة عسكرية في عدن، حيث القواعد البريطانية منتشرة في أنحاء المدينة.

وفي يوليو 1964م بدأت أول عملية فدائية على المطار العسكري ومن ذلك التاريخ استمر العمل الفدائي يتصاعد بحنكة قيادة فتاح وتضحيات رفاقه.

تجلت حنكة عبدالفتاح ويختصر اسمه بفتاح في قدرته على الحركة وساعده على ذلك احترام وحب رفاقه له، فقد كان يشارك في تنفيذ العمليات، وتتبعه كل صغيرة وكبيرة وخلق عوامل مساعدة هيأت أماكن للقائه بالفدائيين، للتشاور، وتوزيع المهام فابتدع ملابس التخفي، إذ كانت بعض العمليات الفدائية يقوم بها الفدائيون بملابس ضباط الهجرة أو الجيش، وملابس أخرى وقد تنكر في ملابسه أكثر من مرة بصفته بائعاً متجولاً.

أصبحت جبهة عدن من أوجع جبهات القتال ضد القوات البريطانية غير أن الاستخبارات البريطانية اخترقت جيب من جيوب الفدائيين في أبريل 1965م من خلال رجال الاستخبارات المحليين الذين يعرفون عدن أكثر من أسيادهم الإنجليز ولسد تلك الثغرة تمكن (فتاح) من عقد اجتماع موسع لقيادة جبهة عدن، وتم تشكيل جهاز استخبارات للجبهة، جهاز أمن الثورة، وجهاز متابعة رجال الاستخبارات المحليين، وكان الرد أن شن الفدائيون حملات اغتيال لأخطر العناصر العاملة مع البريطانيين بعد أن يتم إنذارها، الأمر الذي قطع كل خطوط الوصول إلى مخابئ الفدائيين، خاصة بعد أن طالت الاغتيالات عناصر بريطانية في قيادة الاستخبارات والاستطلاع العسكري،تلاشت حرارة من كانوا يتابعون العمل الفدائي، ومثل هذه المصوغات أدت إلى تأمين استمرار الكفاح الفدائي في عدن، كما عجزت الاستخبارات من الوصول إلى الرأس القيادي عبدالفتاح إسماعيل رغم أنها علمت أنه من طلائع الثوار واغتيالها لأخيه المهندس عبدالجليل الذي لم يعترف رغم ما واجهه من تهديد، وحصولها على صورة لعبدالفتاح إسماعيل من إدارة المرور طبعتها ووزعتها على كل نقاط التفتيش في أنحاء عدن، ورصدت مبلغ نصف مليون دينار لمن يدل عليه، إلا أنها عجزت أن تطاله فقد كان عبدالفتاح يتحرك بسرية وحذر وفق نظام تخفي ابتدع من وحي ظروف المعارك.

ولتوسيع نطاق المجابهة والعمل السياسي أجرى عبدالفتاح حوارات مع القوى الأخرى منها اتحاد الشعب الديمقراطي، والى جانب قيادته للعمل الفدائي فقد كان في طليعة المشاركين في العمل السياسي، فقد شارك في التحضير للمؤتمر العام الأول للجبهة القومية الذي انعقد في تعز في يونيو 1965م، وانتخب عضواً في المجلس التنفيذي، إذ شكل المؤتمر نقلة كبيرة في تصعيد الكفاح المسلح، ففي عدن ذكرت الإحصاءات البريطانية أن الخسائر التي منيت بها بريطانيا وصلت إلى ست وثلاثين إصابة بين قتيل وجريح،عام 1964م وفي عام 1965م وصلت الحوادث أي العمليات العسكرية إلى (286)حادثة تسببت في (227) إصابة بين قتيل وجريح.

ترك عبدالفتاح إسماعيل عدن إلى تعز بعد 13 يناير 1966م. حين أعلن الدمج القسري بعد إعلان جبهة التحرير الدمج بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير،وتشكيل جبهة جديدة باسم جبهة التحرير وتمثل الأخيرة القوى التي رفضت الكفاح المسلح، وتم تشكيل جبهة التحرير بدافع من الجهاز المصري المشرف على مساعدات كفاح الشعب منذ البداية في الجنوب تحت مبرر وحدة القوى الوطنية. وفي الواقع أن الأجهزة المصرية تحسست من الاستقلال القيادي الذي تمارسه قياداتها، وواجهت عملية الدمج رفضاً واسعاً من قيادات وقواعد الجبهة القومية.

شارك عبدالفتاح في اجتماعات كوادر الجبهة القومية التي استدعيت إلى تعز بعد إعلان الدمج والذي تم دون موافقة قيادات الجبهة القومية، وتوصلت تلك الاجتماعات إلى تصور لمواجهة الموقف والتفت قيادات الجبهة حوله ليصبح بمثابة الرجل الأول في ظل احتجاز أمين عام الجبهة القومية المناضل قحطان الشعبي في القاهرة، وتم الاتفاق على الإعداد لمؤتمر عام.

في تلك الأثناء تعرض عبدالفتاح إلى الاختطاف من قبل رجال أمن، ونقل إلى صنعاء مع أحد زملائه، حيث ظل في سجن الداخلية عدة أيام ثم نقلته القيادة المصرية إلى القاهرة وأُبقي تحت الإقامة الجبرية.

في مارس 1966م أعلن في القاهرة تشكيل مجلس لقيادة جبهة التحرير قوامه (12) عضواً نصفهم يمثلون الجبهة القومية والنصف الآخر يمثل منظمة التحرير، وكان عبدالفتاح إسماعيل واحداً من ممثلي الجبهة القومية في قيادة جبهة التحرير.

ورغم ذلك عقدت الجبهة القومية مؤتمراً سرياً في مدينة جبلة في يونيو 1966م وكان عبدالفتاح من العناصر التي انتخبت لقيادة الجبهة القومية.

وفي القاهرة شارك عبدالفتاح إسماعيل في الحوارات التي دارت بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير,وخاصة بعد تفاقم الصراع الضاري الذي تفاقم بسبب تشكيل المجلس الوطني لجبهة التحرير، وكان ضمن وفد الحوار الذي استمر شهرين، في القاهرة وعلى ضوء نتائجه عقد مؤتمر الإسكندرية في أغسطس 1966م، ورغم الاتفاق حول تشكيل تنظيم جبهوي مشترك وليس تنظيماً موحداً، كما هو الدمج القسري، إلا أن إدراك الجبهة القومية أن اتفاقية الإسكندرية أملته اعتبارات تكتيكية من قبل قيادة منظمة التحرير أدى إلى أن إعلان الجبهة القومية انسلاخها عن جبهة التحرير ومواصلة كفاحها بشكل مستقل، وتم الإعلان الرسمي في المؤتمر العام الثالث الذي أنعقد في منطقة (حمر) ديسمبر 1966م.

أعيد انتخاب عبدالفتاح إسماعيل إلى قيادة الجبهة في مؤتمر (حمر) وأصبح عضو اللجنة التنفيذية أعلى إطار قيادي، ومن منطلق اعتماد الجبهة القومية على الذات مضت في تجربة السيطرة على المناطق، ولم يأت سبتمبر 1967م إلا وقد سيطرت على معظم المناطق الريفية.

وفي نوفمبر 1967م اعترفت بريطانيا إن الجبهة القومية لم تعد منظمة إرهابية واعترفت بها كممثلة لشعب الجنوب وقررت التفاوض مع قيادتها.

ترأس عبدالفتاح إسماعيل رئيس وفد الجبهة القومية في اللقاء الذي عقد مع الزعيم جمال عبد الناصر، في نوفمبر 1967م. وأصبح عضواً في وفد الجبهة القومية المفاوض من أجل الاستقلال برئاسة المناضل قحطان الشعبي.

استمرت المفاوضات زهاء عشرة أيام في جنيف وعاد الوفد إلى عدن في 30 نوفمبر، وأمام حشد جماهيري قرأ عبدالفتاح بيان الاستقلال.

تولى في أول حكومة للاستقلال وزيراً للإرشاد القومي وشؤون الوحدة، إلى جانب عضويته في اللجنة التنفيذية وعضوية في القيادة العامة للجبهة القومية.

وشارك في المؤتمر العام الرابع وهو أول مؤتمر علني عقدته الجبهة القومية في السادس من مارس 1967م ساد المؤتمر تياران الأول- مع وثائق المؤتمر الرامية إلى حركة تغيير ثورية لصالح الكادحين- يدعو إلى التغيير الجذري، وإدخال جيش التحرير والفدائيين إلى الجيش، وتطهيره من القيادات التي وقفت مع الاستعمار أثناء مرحلة التحرير، والآخر يرى أن اتجاه السلطة ينبغي أن يسير وفق حركة إصلاحية متدرجة وأطلق على التيار الأول-التيار اليساري، والآخر التيار الإصلاحي- ولم تمضِ سوى (14) يوماً حتى أقدم قادة الجيش على انقلاب ضد التيار اليساري تحت حجة التخلص من الشيوعيين.

تعرض عبدالفتاح إلى الاعتقال مع عدد من رفاقه، كما تعرض إلى الضرب المبرح نقل على إثره إلى المستشفى.

بعد أن تراجع قادة الانقلاب أمام المقاومة الشعبية والعسكرية القوية لقواعد الجبهة القومية، وتم تخليص المعتقلين وأغلبهم من قادة حرب التحرير ومن السجون لينتقل بعضهم إلى المناطق الريفية وسافر عبدالفتاح للعلاج إلى بلغاريا.

سيطر ممثلو التيار اليساري على بعض مناطق الريف، حيث أعلنوا في 14 مايو 1968م القتال باتجاه إسقاط السلطة. ووصف الرئيس قحطان الشعبي تلك الحركة بالتمرد.

وفي هذه الأثناء عاد عبدالفتاح إسماعيل إلى تعز، حيث كرس جهده مستقصياً الأوضاع الداخلية إذ تحول مقره من تعز إلى ملتقى العناصر القيادية فتمكن من قيادة الحوار مع رفاقه وقيادة السلطة وتوصل إلى صلح على قاعدة الاتفاق حول برنامج استكمال مرحلة التحرير الوطني وعاد إلى عدن كما عاد كل الآخرين.

لكن الصراع استمر وتمكن عبدالفتاح مع رفاقه من حسم الصراع في إطار قيادة الجبهة القومية مما أدى إلى تقديم قحطان الشعبي استقالته في 22 يونيو 1969م وحل محله في مجلس الرئاسة سالم ربيع علي (سالمين) رئيساً، وأصبح عبدالفتاح عضو مجلس الرئاسة، والأمين العام للجبهة القومية.

قاد عبدالفتاح الحوار بين التنظيم السياسي للجبهة القومية، وحزب الطليعة الشعبية-فرع الجنوب- والاتحاد الشعبي الديمقراطي، وفي أكتوبر 1976م عقد مؤتمر وحَّد الفصائل الثلاث في تنظيم واحد-التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية. وانتخب أميناً عاماً له، وأنتخب سالم ربيع علي أميناً عاماً مساعداً. وشكلت حكومة مشتركة، واجه عبدالفتاح تياراً متطرفاً إلتف حول الرئيس سالم ربيع علي الذي تزعم حركة تثوير المجتمع، من خلال الانتفاضات الفلاحية والتأميم الشامل وإنهاء سلطة البرجوازية الصغيرة، ونشر الثقافة الثورية، ولم ينته هذا التيار إلا بعد أحداث دموية تفاقمت في يونيو 1978م، إثر اغتيال المقدم أحمد الغشمي رئيس الجمهورية في الشمال، وتوصلت اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحد مع الرئيس سالم ربيع علي إلى تقديم استقالته، والرحيل إلى أديس أبابا، لكن أنصاره اختاروا المواجهة العسكرية، وبعد أن حسمت المعركة لصالح الشرعية التنظيمية تعرض الرئيس (سالمين) إلى الاعتقال والمحاكمة الحزبية وحكم عليه بالإعدام.

بعد هذه الأحداث انتخب عبدالفتاح إسماعيل رئيس مجلس هيئة رئاسة مجلس الشعب، وأميناً عاماً للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية، وقاد الحوار مع الفصائل اليسارية في الشمال، حتى تم تشكيل الحزب الاشتراكي اليمني كحزب لساحة اليمن كلها في أكتوبر 1978م.

وفي هذه الأثناء اندلعت حرب أهلية بين الشمال والجنوب نتج عنها انعقاد مؤتمر قمة في الكويت وفي 30 مارس 1979م ضَّم رئيسي الشطرين عبدالفتاح إسماعيل والمقدم علي عبدالله صالح توصلا خلاله إلى اتفاق إنهاء الصراع بين الشمال والجنوب باتفاق حدد الخطوات العملية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية على أساس الوحدة الاندماجية.

أثار ذلك الاتفاق تحفظ العناصر القيادية ذات الثقل في قيادة الحزب مما خلق أمامه صعوبات وتآمراً اتخذ شكل التكتل ضده من قبل المكتب السياسي بزعامة علي ناصر محمد رئيس الوزراء، وتجنباً لأية مواجهة قدم عبدالفتاح استقالته في 30 ابريل1980م في ظل عدم رضى قواعد الحزب الاشتراكي التي أبدت استعدادها للالتفاف حوله، وخاصة حين رفض المتكتلون ضده تقديم استقالته أمام اللجنة المركزية. لكنه رفض أي نوع من أنواع المواجهة، وفي 25 يونيو1980م غادر عدن إلى موسكو التي اختارها مكاناً لمنفاه.

غادر عبدالفتاح إسماعيل منفاه في 7 مارس 1985م عائداً إلى عدن تحت إلحاح قواعد الحزب الاشتراكي وكوادره وعدد من أعضاء المكتب السياسي بعد أن كشفت للجميع أن استقالته كانت بسبب الضغوط التآمرية التي طوقته.

وجاءت عودته بعد خمس سنوات من النفي وبضغط حزبي أُجبر المكتب السياسي للحزب الاشتراكي على الاستجابة لطلب القواعد الحزبية.

وفور عودته تولى منصب سكرتير الدائرة العامة للحزب، لكن عودته جاءت في ظل صراع محتدم على السلطة تمثل في قطبين هما الرئيس علي ناصر محمد وأنصاره والعميد علي أحمد ناصر عنتر وأنصاره، مما أدى إلى انقسام بين أوساط الحزب، وامتد الصراع ليتخذ طابعاً مناطقياً وقبلياً داخل الحزب وخارجه.

حاول عبدالفتاح بكل جهده الحفاظ على وحدة الحزب والاحتكام إلى المؤتمر العام الثالث الذي انعقد في أكتوبر 1985م، وخرج المؤتمر بانتخاب قيادة جديدة، وقرارات لإنهاء الصراع، وكان عبدالفتاح من العناصر التي قوبلت باحترام وتأييد، وأنتخب عضواً في المكتب السياسي، لكن الخلاف تفاقم بعد المؤتمر عند توزيع الاختصاصات في المكتب السياسي، ولان أغلبية المكتب السياسي، لم تكن مؤيدة للرئيس علي ناصر محمد الأمين العام للحزب، فقد حاول التملص من عقد اجتماع المكتب السياسي، لعدم رضاه بأن يتولى عبدالفتاح الدائرة التنظيمية، وهي أهم الدوائر الحزبية، وأنساق الرئيس علي ناصر محمد إلى محاولة التخلص من خصومه، وهو ما حدث في 13 يناير 1986م يوم انعقاد المكتب السياسي، حين أوعز لأنصاره من أعضاء المكتب بعدم الحضور، بينما حضر الآخرون من خصومه وحال تواجدهم في قاعة الاجتماع باشر رئيس حرس الرئيس علي ناصر إطلاق النار قتل على إثرها، علي أحمد ناصر عنتر، وصالح مصلح، وعلي شايع، ونجا عبدالفتاح وآخرون رغم أن بياناً صادراً من الرئيس علي ناصر أذيع بعد ظهر نفس اليوم أعلن فيه أن مؤامرة واجهها وتم إعدام المتآمرون ومن ضمنهم عبدالفتاح إسماعيل، وهكذا اندلعت حرب أهلية دامت عشرة أيام ذهب ضحيتها مئات من كوادر وأعضاء الحزب والمواطنين كانت بدايتها عملية الاغتيال وضرب منزل عبدالفتاح بالمدافع.

تمكن عبدالفتاح مع الأحياء من رفاقه بمحاولة إسعاف من أصيبوا، وأجرى اتصالات هاتفية بعدد من رفاقه وفي المساء وصلت مصفحات تقودها عناصر من الموالين للتكتل المؤيد لتيار علي أحمد ناصر عنتر، خرج عبدالفتاح من مبنى اللجنة المركزية واعتلى واحدة منها.

وعن مصيره قيل أن الدبابة تعرضت للضرب واحترق من فيها، وتعددت الحكايات عن مصيره، لكن ما يمكن قوله أنه يعتبر مفقوداً حتى يظهر ما يدل على مصيره.

من يتابع حياة عبدالفتاح إسماعيل النضالية ودوره البارز في كل المراحل مرحلة النضال، ومرحلة السلطة، أو مرحلة إبعاده عن السلطة يلمس بصفاء ذلك التجانس الدائم والمستمر بين تفكير المناضل وممارسته، ويدرك عمق ثقافته التي ترنو به إلى مصاف المفكر.

كان عبدالفتاح شاعراً صدر له ديوان بعنوان (نجمة تقود البحر)، وصدر له عدد من الكتب أهمها كتاب بعنوان مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية صدر عن دار الفارابي بيروت وكتاب آخر الثقافة الوطنية صدر عن دار ابن خلدون، كما صدرت عدد من الكتب عنه ونشرت مئات المقالات والدراسات