المقدمة :


لفظ الكهرباء، مشتق من الكهرب، وهو الاسم القديم لمادة الكهرمان، إذ إنه تم الربط بين الكهرباء والكهرمان، نظراً لاكتساب الأخير، بالاحتكاك، خاصية جذب بعض الأجسام الخفيفة، وهي أحد شواهد الكهربية الإستاتيكية؛ لوحظت هذه الظاهرة منذ قرون طويلة مضت، وورد وصف لها في كتابات الفيلسوف الإغريقي طاليس، عام 600 ق.م.؛ في العصور الحديثة، بدأت شواهد الكهرباء، تأخذ اتجاهاً تجريبياً، إذ أثبت جورج فون كلايست George Von Kleist في عام 1745م، أنه يمكن التحكم في الكهرباء، واخترع نوعاً بدائياً من المكثفات، وفي عام 1750م اكتشف بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin أن البرق شحنات كهربية، وصمم أول مانع للصواعق؛ وفي عام 1799 أثبت العالم الكساندرو فولتا Alessandro Volta إمكان توليد الكهرباء باستخدام معدنين مختلفين، ومحلول ملحي، وأنتج أول خلية كهربية؛ و في عام 1831 نجح مايكل فاراداي Michael Faraday في إنتاج التيار الكهربي، من موصل كهربي، يتحرك خلال مجال مغناطيسي؛ يعد هذا الاكتشاف، هو واكتشاف الخلية الكهربية، المولد الحقيقي للكهرباء في العصر الحديث، و نقطة الانطلاق لعلوم الاتصالات والإلكترونيات.
تُعد علوم اللاسلكي والإلكترونيات، من الناحية العملية، تطبيقات أساسية للمبادئ العامة لعلوم الكهرباء، فالكهرباء الناتجة من بطارية من النوع الشائع مثل تلك المستخدمة لتشغيل كشاف يدوي بسيط، يمكن بإدخال تعديلات معينة عليها استخدامها لتحقيق العديد من المهام المختلفة، مثل تشغيل محرك أو تدفئة أو إضاءة أو الاستخدامات المتعددة للاسلكي من اتصالات وإذاعات مسموعة ومرئية.
إن النظريات والمبادئ الأساسية التي أدت إلى تطور العلوم الطبيعية المتعلقة بالكهرباء منذ اكتشافها، هي الأساس الراسخ الذي تولدت منه تطبيقات اللاسلكي، وعلوم انتشار الموجات، واستخدامات المواد الموصلة، وشبه الموصلة، ومكونات الدوائر الإلكترونية كافة.
وتوضح الرؤية المدققة أن طرق توليد الكهرباء وأساليبها، ودراسة الدوائر الكهربية ومكوناتها المختلفة، وعلاقات الكميات الطبيعية، التي تعبر عن التفاعل الكهربي، مثل التيار والجهد والقدرة، هي نفسها الخطوات الأولى والمبادئ الأساسية لنظريات اللاسلكي، وانتشار الموجات، والإلكترونيات.
مع بداية ظهور التليغراف والتليفون، ظهر معهما مصطلح جديد، يعبر عن الطبيعة المتفردة لهذه الأدوات المستحدثة، وهو مصطلح راديو Radio وهو المصطلح، التاريخي الذي تطور فيما بعد، ليحل محله مصطلح اللاسلكي Wireless، وخاصة بعد تطور اختراع التليغراف، الذي كان ينقل المعلومات، ويحقق الاتصال عن طريق بث إشارات كودية متكررة، تتكون من رمزين فقط، النقطة والشرطة، وهو ما يعرف باسم كود المورس Morse Code ، واستخدام الصور الأحدث للاتصالات، بنقل الصوت بجميع تفاصيله، عبر التليفون اللاسلكي، وبناء أول محطة إذاعة إعلامية ترفيهية، وانتشار أجهزة الاستقبال في جميع أنحاء العالم.
مصطلح الإلكترونيات مشتق من لفظ الإلكترون، هذا المكون بالغ الصغر، غير المرئي، الذي يحمل الشحنة الكهربية، والموجود في جميع المواد والعناصر، لذلك فإن لفظ الإلكترونيات، يطلق على جميع التطبيقات الكهربية التي يتفاعل فيها الإلكترون، ويتحرك تحت ظروف حاكمة خاصة، سواء في الفراغ Vacuumأو في وجود غازات، أو أبخرة خاصة، أو خلال موصلات Conductors أو أشباه موصلات Semiconductors وبمعنى أعم فإن الإلكترونيات تشمل كل تأثيرات الكهرباء التي يحدد فيها سلوك الإلكترون طبيعة التطبيق.
تطبيقات اللاسلكي، وتطبيقات الإلكترونيات متداخلة ومتبادلة، فجهاز التدفئة الإلكتروني، يشع موجات لاسلكية، تبذل شغلاً، ينقل التأثير الحراري عبر المسافات، وحتى في حالة تباين الاستخدام، فإن مبادئ اللاسلكي والإلكترونيات الأساسية تُعد واحدة.
يمكن اعتبار أعمال عالم الطبيعة الألماني هنريش هرتز Heinrich Hertz عام، 1887م أول بيان عملي للإشعاع الكهرومغناطيسى، رغم أن مسافة انتشار الموجة لم تزد على بضعة أقدام، ولكنها كانت كافية، لتوضيح إمكانية انتقال الموجة من مكان لآخر، بدون الحاجة إلى موصل يصل بين الطرف المرسل والطرف المستقبل، ولقد أثبت هرتز أن الموجات اللاسلكية، غير المرئية تنتقل من مكان لآخر بسرعة الضوء .
مع التسليم بأن أعمال هرتز هي البداية الفعلية لعصر اللاسلكي، فإن أعمال بعض العلماء السابقين له، قد مهدت لتجاربه العظيمة، ففي عام 1820 برهن العالم الدانمركي أورستد H. C.Oersted على أن التيار الكهربي ينتج مجالاً مغناطيسياً، وفي عام 1831 برهن العالم البريطاني الشهير ما يكل فاراداي Michael Faraday على أن حركة المغناطيس، يمكن أن تولد تياراً كهربياً، وفي عام 1864 تنبأ العالم الفيزيائي ماكسويل James C.Maxwell بوجود الموجات الكهرومغناطيسية، التي بيّنها عملياً فيما بعد العالم هرتز.
في عام 1895 استخدم العالم الإيطالي ماركوني Guglielmo Marconi سلكاً طويلاً، لإنتاج أول نظام لاسلكي كامل، للاتصال عبر مسافة طويلة، ونجح في تحقيق أول اتصال لاسلكي عبر المحيط الأطلسي عام 1901، وتطورت الاتصالات اللاسلكية تطوراً كبيراً باختراع الصمامات الإلكترونية المفرغة Vacuum tubes، و بدأ عام 1920 أول إرسال منتظم لمحطة إذاعة في العالم من بتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وفي عام 1941 بدأ إرسال أول محطة إذاعة تعمل بأسلوب التعديل الترددي FM، كما بدأ أول إرسال تليفزيوني تجاري رسمي، في شهر يوليو 1941، وشاع استخدامه مع بدايات عام 1945.
مع اختراع الترانزيستور عام 1948 في معامل شركة بل للتليفونات Bell، بدأ عصر جديد من المعدات الإلكترونية، والاتصالات اللاسلكية، فالترانزيستور أصغر بكثير من الصمامات المفرغة الأسبق في الاستخدام، وأكثر صلابة وقوة، وأسهل في الاستخدام، مما أسهم في إنتاج أجيال جديدة من المعدات الإلكترونية، الأصغر حجماً، والأحسن أداء والأرخص ثمناً.
ومع بدايات عام 1970، بدأ ظهور نوع جديد من المكونات التي تعتمد على أشباه الموصلات، وهي ما أطلق عليه "الدوائر المتكاملة" Integrated circuits IC's، ثم ظهرت الدوائر المتكاملة ذات الوظائف المتعددة Large Scale IC's، ثم ظهرت الدوائر المتكاملة فائقة السرعة High Speed IC's، وبالفعل فإن ظهور الدوائر المتكاملة، بصورها المختلفة، هو أساس تطور المعدات الإلكترونية في العصر الحالي، وتغلغلها في جميع مجالات وأنشطة الحياة اليومية للبشر كافة.