قصص الظرفاء}
جحا الاحمق الطريف
{لأبي الفرج الجوزي}

يكنى أبا الغصن وقد روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء إلا أن الغالب عليه التغفيل وقد قيل : إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات والله أعلم قال مكي بن إبراهيم : رأيت جحا رجلاً آيساً ظريفاً وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه وكان له جيران مخنثون يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه .يقول أبو بكر الكلبي : خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة إذا أنا بشيخ جالس في الشمس فقلت : يا شيخ أين منزل الحكم ؟ فقال لي : وراءك فرجعت إلى خلفي . فقال : يا سبحان الله .. أقول لك وراءك وترجع إلى خلفك ؟ لقد أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : " وأن وراءهم ملك يأخذ آل سفينةٍ غصباً " قال : بين أيديهم فقلت : أبو من أنت ؟ قال : أبو الغصن .. فقلت : الإسم .. قال : جحا . وعن أبي الحسن أن رجلاً قال لجحا : سمعت من دارك صراخاً .. قال : سقط قميصي من فوق .. قال : وإذا سقط من فوق ؟ قال : يا أحمق لو آنت فيه أليس أنت قد وقعت معه ؟ وحكى أبو منصور الثعالبي في كتاب غرر النوادر قال : تأذى أبو الغصن جحا بالريح مرة فقال يخاطبها : ليس يعرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك . وخرج يوماً من الحمام في يوم بارد فضربته الريح فمس خصيتيه فإذا إحدى بيضتيه قد تقلصت فرجع إلى الحمام وجعل يفتش الناس .. فقالوا : ما لك ؟ فقال : قد سرقت إحدى بيضتي ثم إنه دفىء وحمى فرجعت البيضة فلما وجدها سجد شكراً لله وقال : كل شيء لا تأخذه اليد لا يفقد . ومات جار له فأرسل إلى الحفار ليحفر له فجرى بينهما لجاج في أجرة الحفر فمضى جحا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها فسئل عنها فقال : إن الحفار لا يحفر بأقل من خمسة دراهم وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير
وحُكي : أن جحا تبخر يوماً فاحترقت ثيابه فغضب وقال : والله لا تبخرت إلا عرياناً . وهبت يوماً ريحٌ شديدةٌ فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون فصاح جحا : يا قوم لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن . وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره فقال أبوه : الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به . فقال له جحا : إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن . فقال أبوه : فعلمنا أنت ما تصنع به . فقال : يحفر له آبار ونكبسه فيها . واشترى يوماً دقيقاً وحمله على حمال فهرب بالدقيق فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه فقيل له : ما لك فعلت كذا ؟ فقال : أخاف أن يطلب مني كراه . ووجهه أبوه ليشتري رأساً مشوياً فاشتراه وجلس في الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه إلى أبيه فقال : ويحك ما هذا ؟ فقال : هو الرأس الذي طلبته . قال : فأين عيناه ؟ قال : كان أعمى . قال : فأين أذناه ؟ قال : كان أصم . قال : فأين لسانه ؟ قال : كان أخرس . قال : فأين دماغه ؟ قال : كان أقرع . قال : ويحك رده وخذ بدله . قال : باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب . وحكي : أن جحا دفن دراهم في صحراء وجعل علامتها سحابة تظلها
ومات أبوه فقيل له : إذهب واشتر الكفن فقال : أخاف أن أشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه . وحكي : أن المهدي أحضره ليمزح معه فدعا بالنطع والسيف فلما أقعد في النطع قال للسياف : أنظر لا تصب محاجمي فإني قد احتجمت . ورأوه يوماً في السوق يعدوا فقالو ا : ما شأنك قال : هلا مرت بكم جارية رجل مخضوب اللحية واجتاز يوماً بباب الجامع فقال : ما هذا ? فقيل مسجد الجامع فقال : رحم الله جامعاً ما أحسن ما بنى مسجده . ومر بقوم وفي كمه خوخ فقال : من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوخةٍ فقالوا : خوخ فقال : ما قال لكم هذا إلا مَنْ أمُّه زانية . وسمع قائلاً يقول ما أحسن القمر فقال : أي والله خاصة في الليل . وقال له رجل : أتحسن الحساب بإصبعك قال : نعم قال : خذ جريبين حنطة فعقد الخنصر والبنصر فقال له : خذ جريبين شعيراً فعقد السبابة والإبهام وأقام الوسطى فقال الرجل لم أقمت الوسطى قال : لئلا يختلط الحنطة بالشعير . ومر يوماً بصبيان يلعبون ببازي ميت فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت فقالت أمه : ويحك ما تصنع به وهو ميت فقال لها : أسكتي فلو كان حياً ما طمعت في شرائه بمائة درهم . وخرج أبوه مرة إلى مكة فقال له عند وداعه : بالله لا تطل غيبتك واجتهد أن تكون عندنا في العيد لأجل الأضحية