كثير من الأمهات تلك التي تحرص على إيقاظ طفلها قبل موعد ذهابه إلى المدرسة بوقت طويل، حتى يتمكن من تناول فطوره ولبس ملابسه، وفي كل صباح تضع حلقة في أذنه: ذاكر يا بني واجتهد كي تنجح وتأخذ الشهادة لتجد لك مكاناً في الجامعة ثم وظيفة ممتازة ثم تبني بيتاً وتتزوج، تلك هي الوصية وذلك الهدف الذي تربي الأم طفلها كي يصل إليه.


مَن مِن الأمهات التي ترضع طفلها هم الدعوة في مهده؟ ثم بعد فطامه تربي نفسها أولاً على تعويده على الواجبات الشرعية المطلوبة منه، تغرس في نفسه الطرية منذ الصغر حب السنة النبوية وحب صاحبها فيصبح وهي تردد على مسمعيه أذكار الصباح، توضئه وتدفعه للمسجد كي يصلي الفجر، تحثه كي يطوي ركبتيه في حلقة القرآن. تنهره إذا مد يده اليسرى إلى الطعام ولم يسم "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك". وإذا حل المساء أسمعته أذكار المساء وإذا وضع جنبه للنوم أسمعته المعوذتين وورد النوم.


من منكم تلك الأم التي ترسل في يد ابنها طعاماً للجار الفقير؟
من منكم تلك الأم التي تولي أبنائها عناية خاصة؟
وترى أنهم عماد الأمة مستقبلاً وهم أحفاد السلف الصالح، تحتسب الأجر في تربيتهم، تدفعهم إلى المعالي، ترسخ في نفوسهم القيم الفاضلة، تروى لهم سيرة الرسول ودعوته وصبره ومعاناته وسيرة ومعاناة أصحابه والعلماء الأخيار حتى تغرس في نفوسهم الصافية محبة هذا الدين ومحبة حمله.

من منا إذا سمعنا الآذان للصلاة دفعنا باابنائنا للصلاة دفعاً؟

من منا من تحمل هم تنشئة طفل قلبه معلق بالمساجد؟
لا يزال المسجد أهم جامعة عرفتها البشرية، بدءًا من مسجد قباء، الذي بناه الرسول-صلى الله عليه وسلم-، ومرورًا بالمساجد التاريخية- المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي-، وغيرها الكثير والكثير.

وقد أثبت المسجد أنه المكان الطبيعي القادر على صناعة شخصيات إسلامية ساهمت في حمل لواء الدعوة عبر كل هذه القرون، قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ? التوبة الآية18. وحتى نُعيد للمسجد رسالته ودوره ليعود لنا بأمثال أطفال الصحابة لابد أن نمهد الطريق للأبناء

للوصول إليه والتعلق به، وأن نغرس في نفوسهم معنى الشاب ذي القلب المعلق بالمسجد؛ ليكون أبناؤنا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
فهذا "جابر بن سَمُرة"- رضي الله عنه- قال: "صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصلاة الأولى (يعني صلاة الظهر)، ثم خرج إلى أهله فخرجت معه فاستقبله ولَدان، "فجعل صلى الله عليه وسلم يمسح خدَّي أحدهما واحدًا واحدًا"،قال جابر: وأما أنا فمسح خدَّيَّ فوجدت يدَه بردًا وريحًا، كأنما أخرجها من جونة عطار"، فالمسجد هو النواة التي تُخرج لنا شبابًا ناشئين في طاعة الله.
رحلة خيالية

كثيرة هي تلك الوسائل التي يمكننا أن نسلكها من أجل أبناء قلبهم معلق بالمساجد، ومن ضمن هذه الوسائل رحلة لكنها رحلة من نوع خاص، فهي رحلة خيالية، ومن هذه الرحلة سنوضح للأبناء أهم المساجد عبر التاريخ الإسلامي منذ بناء المسجد الأول في الإسلام، وهو قباء، ونحاول أن نسرد لهم أهم الأحداث التي شهدتها هذه المساجد في فترات مختلفة إلى جانب أن نجمع بعض الصور لمساجد قديمة ولنفرض أننا سافرنا إلى بلاد إسلامية أن نقوم بزيارة إلى المساجد التاريخية.


رحلة حقيقية
إلى جانب الرحلة الخيالية التي قمنا بها سابقًا يمكننا القيام برحلة حقيقية مع الأبناء فنأخذهم في جولة بالسيارة إلى المساجد القديمة والحديثة في المدينة للتعرف عليها، وحبذا لو اصطحبناهم إلى المسجد الذي كان يُصلي فيه الأب في صغره مع والده فهذا الشيء سيقدرونه ويحرصون على تقليده.


صلاة الجمعة


إن اصطحاب الأبناء لصلاة الجمعة- خاصةً الفتى الذي لا يعبث أو يركض أو يزاحم الكبار- لهو من الأمور التي يجب الحرص عليها؛ لأنها تعد الدرس الأول لتعلقه بالمسجد، وحتى نجعل صلاة الجمعة كزيارة جدهم أو عمهم أو بعض الأصدقاء أو أخذهم إلى الأسواق القديمة، وهذا من شأنه أن يغرس حبًا وترابطًا بين الابن والمسجد.
وتدريب الابن على حُسن الاستماع والإنصات وفهم الخطبة في صلاة الجمعة أو العيدين وسؤاله عن مفهومها، وماذا استفاد منها؟!! ثم نطلب منه نقل أهم مفاهيم الخطبة لأقرانه وأقربائه.

الصحبة الصالحة


كذلك نشجعه على التعرف على الأصدقاء في المسجد، وذلك من شأنه أن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويُشعر الابن بالودّ والمحبة مع من حوله فتنشأ صداقة بينه وبين المسجد وروّاده، وإذا كان الفتى أكبر سنًا فلابد من مُصاحبته، وتكوين صحبة صالحة تُشجعه على ارتياد المساجد، كما علينا أن نرغبه في كثرة الخُطا إلى المساجد، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تطهَّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة" أخرجه مسلم.


في المسجد


نعلِّم أبنائنا آداب المسجد، بدءًا من الدخول بهدوء ووضع الحذاء في المكان المخصص له، وعدم الركض والابتعاد عن مزاحمة الكبار، والانتباه واليقظة للخُطبة، وعدم العبث بالأشياء داخل المسجد.
سيتعوَّد الفتى على ارتياد المساجد ليتابع الدرس الأسبوعي لحفظ القرآن أو مراجعة الأحاديث أو شرح صفحات من أحد كتب الفقه، فعن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" أخرجه البخاري، وفي هذه الحالة سيتعلَّق قلبه بالمسجد.
كما أن لصلاة التراويح في رمضان أثرًا كبيرًا في النفوس المؤمنة، فإذا اصطحبنا الأبناء لصلاة التراويح واعتادوا على سماع القرآن وأداء الصلاة فذلك تغذية نفسية لهم ينتظرونها من رمضان إلى رمضان.
مقترح لربط قلوب أبنائنا ببيوت الله فمن يتصدق علينا بتجارب أخرى لصقل جوانب من شخصية شباب نأمل أن يشبوا في طاعة الله حتى يكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟