أثرُ المعلم في التلميذ في مجتمعنا( في النقب- فلسطين)
-------
المجتمع البدوي عبارة عن نظام معقد من العادات والتقاليد والقيم, المستقاة من الشريعة الإسلامية والتراث. هذا النظام نظام واضح ومعروف, ويقوم بتوجيه السلوك وتهذيبه وببناء العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وفقاً لهذا النظام فإننا نستطيع أن نتنبأ بسلوكٍ ما, في حالة ما. إنه يقرر تصرفات الأفراد في الحالات والأوضاع المختلفة.
لقد طرأت تحولات جذرية على المجتمع البدوي في النقب, إذ أن قيام الدولة الإسرائيلية وبناء القرى والمدن أدى إلى تغيّرات جوهرية في مضمون المجتمع, الذي كان متنقلاً في نمطه وليس ثابتاً. هذا الأمر بدوره غيّر في نظرة المجتمع تجاه الكثير من الأمور الحياتية المختلفة بما فيها نظام التربية والتعليم.
اتخذت عملية التعليم دوراً هاماً في حياة الأفراد في المجتمع البدوي, فقط بعد التحول السريع والحاد في نمط الحياة اليومي. تغيير نمط الترحال إلى نمط الحياة الثابت, جعلهم يبحثون عن مصادر رزق غير التي اعتادوا عليها, كالتجارة على سبيل المثال وغيرها. فالتطورات التي حدثت من حولهم, أجبرتهم على الاندماج فيه بصورة ما. قد تكون صحيحةً في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى مشوهة. كما أدى تسارع الحياة إلى وجود مظاهر كثيرة غريبة ودخيلة على حياة الفرد البدوي.
لقد أخذ دور التعليم يرتفع ويزداد مع مرور الزمن, لذا بُنيت المدارس والتي اعتُبرت في حينها نظاماً غريباً على المجتمع. في نهاية الستينات كانت عملية التعليم قد حازت على الانتباه، فبدأت العائلات بإرسال أبنائها إلى التعليم. لقد طرأ تقدم كبير على وضع التعليم العام منذ تلك الفترة حتى يومنا هذا. رغم ذلك فإن مستوى التعليم العام متدنٍّ نسبياً، وبعود ذلك إلى عدة عوامل، منها ما هو متعلق بالنظام الحاكم ومنها ما هو متعلق بالأنظمة المحلية.
دور المعلم في إنجاح العملية التعليمية, هو دورٌ أساس، ولا أبالغ حينما أقول إن المعلم يستطيع أن يرفع من مستوى النظام التعليمي القائم, كما أنه من الناحية الثانية قد يتسبب في تدهور الحالة التعليمة برمّتها.
علاقة التلميذ بالمدرسة, علاقة هامة وديناميكية. لقد أشار الكثير من الدارسين في العلوم التربوية والنفسية إلى دور المعلم الهام في حياة التلميذ. وقد وجدت بعض الدراسات أن التلاميذ بصورة عامة لا يرغبون بالمدرسة وذلك للأسباب التالية: الملل, الغضب, الخوف.
هذه العوامل الثلاث تؤدي إلى انخفاض دافعية التعلّم لديهم وعدم رغبتهم بالذهاب إلى المدرسة. كما وأشارت دراسات أخرى, إلى أنه في حالة عدم إظهار الاحترام للتلاميذ, فإن هذا يؤدي إلى ظهور مشاعر الدونيّة والخذلان, وكراهية المدرسة والمعلم.
قامت بعض الدراسات بشرح ما معنى الاحترام الذي على المعلم أن يوجِّهه للتلميذ, وقد اقترحت على المعلمين أن يتعاملوا مع التلميذ, كإنسان مستقل واحترام رأيه، وكونه موجوداً، والابتعاد عن إيذائه بأيّ شكلٍ من الأشكال.
اقترح باحثون آخرون على المعلمين والتلاميذ أن يعيشوا في دائرة واحدة, مع بعضهم البعض, في عالم ملئ بالاحترام المتبادل، وأنّ عليهم أن ينمّوا في المدرسة فكرة وجود الاختلافات بين الأفراد وإعطاء الشرعية لذلك.
يقول 'جاكسون', 1968, إن كون التلاميذ في المدرسة شاءوا ذلك أم أبوا, فإن هذا الأمر شبيه إما بالسجناء أو بالمرضى المقيمين في المستشفى, وبالتالي فإن العلاقة بين المعلمين والتلاميذ مبنية على هذا الأساس وهي علاقة جبرية. هذا الأمر أوحى لكثيرٍ من الدارسين والباحثين بالبحث عن المعلم الجيد في أعين التلاميذ. وقد لخصت بعض هذه الدراسات من هو المعلم الجيد, ووجدت أنه هو ذلك المعلم الذي يعلم بصورة جيدة, وبأساليب واضحة, وهو المعلم المساعد, الذي يشرح وينوع في الأساليب. ووُجد أيضاً, أن التلاميذ أحبوا المعلم السمح, الذي يداعبهم, الذي يعاملهم كصديق, ذلك المعلم المتفاهم والمتفهم لمشاعرهم وآرائهم. وقد أشار 'بك' 1967, إلى المعلم الجيد الذي يمتلك خمس خصال وقدرات, وهي:
1- شخصية حنونة, صديقة, داعمة.
2- القدرة على التواصل بصورة واضحة وعادلة.
3- القدرة على رفع الدافعية لدى التلاميذ للتعليم.
4- القدرة على الإصغاء للتلاميذ.
5- القدرة على التجديد والتغيير في أساليب التدريس.
يقول 'تسديكهو', 1975, إن المعلم المثالي في أعين التلاميذ, هو ذلك المعلم الذي يحب مهنته, ويعمل برغبة واهتمام, يعرف جيداً المادة, يساعد ويهتم ويملك الثقة بالنفس.
تلخيصاً لهذه الدراسات, فإن علاقة المعلم بالتلاميذ هي علاقة هامة جداً, ولها دور كبير في بناء شخصية الطالب وتمكينه من النجاح.
نتيجةً لاعتقادي الشديد بدور المعلم الهام, فإني أود أن ألقي الضوء على علاقة المعلم مع التلميذ في مجتمعنا, وكيف يدرك التلميذ صورة المعلم. أعتقد أن التلميذ يدرك المعلم بصورة غير إيجابية, ولعل هذا قد يكون غير صحيح في بعض الأحيان, إلا أنه وُجد أن الكثير من التلاميذ في مجتمعنا يرون أن صورة المعلم 'مخيفة', وهذا الأمر أدى إلى خلل في عملية التعلم وهبوطٍ في مستوى التحصيل وذلك دون شك, بالإضافة لعوامل أخرى.
من هنا سوف أعرض مقابلة مع تلميذ أجرتها الزميلة خضرة الصانع المستشارة والمرشدة التربوية, وأرجو أن نستخلص العبر من هذا الحديث وهو كما ورد:
علي (اسم مستعار) يجلس خارج الصف, وراء الصفوف.
سؤال: رأيتك تجلس خارج الصف, ولديك درسٌ الآن. ما الأمر؟
جواب: لقد أخرجني المعلم من الدرس.
سؤال: لماذا؟
جواب: تكلمت مع صديقي الذي بقربي, لذلك أخرجني.
سؤال: هل حاولت التوجه إلى المربي أو المدير؟
جواب: لا أريد... فسوف يعاقبوني... المعلم قال لي اذهب واسترح في الظل.
سؤال: هل أنت سعيد لأنك خارج الصف؟
جواب: نعم.
سؤال: لماذا؟
جواب: لأني لا أتعلم في الصف.
سؤال: لماذا؟ ألا تحب التعلم في الصف؟
جواب: نعم... لا أحب التعلم في الصف.
سؤال: ما هو الأمر السيء في التعليم؟ هل هو الموضوع؟ المعلم؟ الأصدقاء؟ ماذا بالضبط؟
جواب: المادة التي يدرّسونها صعبة... المعلمون يكتبون على اللوح ونحن ننسخ.
سؤال: هل تفهم ما يُكتب على اللوح؟
جواب: لا... نصفه.
سؤال: إن لم تفهم الدرس... ماذا تفعل؟
جواب: أقوم بسؤال أصدقائي، وأسأل المعلم... لكن في أغلب الأحيان يكون المعلم مشغولاً بالكتابة في الأوراق ولا يجيب.. هو يجلس ونحن ننسخ من اللوح وبعد ذلك يُخرجنا واحداً تلو الآخر لحلّ التمارين على اللوح..
سؤال: أي من تصرفات المعلمين يضايقك؟
جواب: أنا لا أحب عندما يسبوني أو يضربوني أمام أصدقائي.. فهم يضحكون وأنا أغضب وأكره المعلم. وبعد ذلك في الاستراحة أضرب من ضحك عليّ.
سؤال: في مثل هذه الحالات لمن يتوجّه التلاميذ؟
جواب: للمدير أو النائب..
سؤال: وماذا يفعل هؤلاء؟
جواب: إما أن يضربهم جميعاً المدير أو يصفّنا في صفٍّ والنائب هو الذي يضربنا..
سؤال: ما هي المواضيع التي تحبها وتلك التي لا تحبها؟
جواب: في اللغة العربية أنا متوسط.. في الإنجليزي أكره المعلمة.. فهي تضرب وتصرخ..
سؤال: إذا قالوا لك إن هنالك 100 معلم جديد, فأي منهم تختار ليعلموك, كيف تختارهم, أي أسئلة تسألهم؟ كي تختارهم؟
جواب: أسألهم كيف يعلِّمون..
سؤال: وماذا أيضاً....
جواب: إذا ضرب تلميذ صديقه, يجب أن لا يسكت المعلم... يجب أن يضربه ...
سؤال: هل توافق أن يعلمك معلم يضرب؟
جواب: نعم.
سؤال: لماذا؟
جواب: لأنه إذا ضربت التلميذ.. فإن هذا يحل المشاكل في المدرسة..
سؤال: لو طُلب منك أن تبني خطة لتحسين المدرسة, ماذا تقترح؟
جواب: أنظم الصفوف... أضع صوراً.. بالونات... نخرج في رحلات وجولات كباقي المدارس.. نصنع ألعاباً جميلة .. وأضع 'ماسورة' ماء جديدة بجانب كل صف..
سؤال: هل تحب المدرسة؟
جواب: نص نص..
سؤال: إذا قالوا لك إنك تستطيع أن تأتي للمدرسة متى شئت.. وأن تذهب متى شئت.. ماذا تفعل؟
جواب: آتي أحياناً وأحياناً لا...
سؤال: كم يوماً تأتي في الأسبوع؟
جواب: ثلاثة أيام..
سؤال: وماذا تفعل في الباقي؟
جواب: أذهب مع أبي وأرافقه إلى أي مكان.. فهو يحبّ أن أكون بجانبه..
سؤال: في ساعات الصباح.. وأنت في طريقك للمدرسة.. بماذا تفكر؟
جواب: أفكر بالمعلم.. أقول لنفسي يا ليتني أغيب... أفضل لي...
نهاية اللقاء....
***
بعدما أوردتُ هذه المقابلة التي تحتوي على كثير مما يحتاج التفكّر فيه وإعادة النظر، أرجو أن ينتبه المعلم إلى الكثير من النقاط في علاقته بالتلميذ, وعليه أن يعلم أن وظيفته هامة جداً في تنمية العملية التعليمية ورفع دافعية التعليم لدى التلاميذ, هذا والله ولي التوفيق.




بقلم د. بديع عبد العزيز القشاعلة
باحث أكاديمي في مركز الأبحاث والتطوير في النقب