حرب عائلية من مجتمع في جسد الأمة
أب و أم يتصارعون لمدة خمسة وعشرون عاما ، فقط لكي يثبت كل منهما للآخر كرامته وعزة نفسه و كبرياء انسانيته ، و طوال هذه السنين من الصراع الوجداني بين الأب و الأم يتربى الأطفال على مشاهد درامية مؤثرة أنشأت فيهم عدة خصال ، توزعت هذه الخصال بين الاخوة ، فمنهم الذي اكتسب الحنكة والذكاء والدهاء ، ومنهم الضعيف الذي يتغابى ليتحاشى الصراع ، ومنهم القوي الذي يحاول أن يسيطر على عائلته بقوة شخصيته وهيبته.

صراع طالما أحدث في قلب هذه العائلة الكثير من المواعظ و الحكم ، والتي ربما تكون هذه الأحداث القاسم المشترك لكينونة مجتمع ظاهره المحبة و الألفة من الغريب الى الغريب ، و باطنه القسوة و العنف بين الأب و الأم و بين الأبناء و الآباء و بين الأبناء بعضهم البعض.

تصارع الزوجة زوجها بأن تكسب أبناءها بحنانها و لطفها وصبرها على ما تواجهه من جحيم زوجها ، و يحاول الزوج أن يكسب أبناؤه بهيبته وقوة شخصيته وصرامة أفعاله بهم ، فأي مستقبل واعد لعائلة أساسها صراع نفسي يشق عصا الوحدة بين العائلة لينقسم الأبناء بين حليف للأب و حليف للأم ؟ ، أي مستقبل لفتاة توشك على الزواج فيقتل الأب مستقبلها بحجة أو بغير حجة ، و أي مستقبل لإبن كاد أن يحقق حلمه ليقف في طريقه رغبة أب صارم يدعوه لما لا يرغب به ابنه ، و حال الزوجة الضعيفة تشتكي ربها فتدعوا عليه لا له ، غصة في حلقها يكاد يخنقها من القهر و الذل و الانهزام أمام زوج له قلب لا يرق و أذن لا تسمع ، وقسوة لا ترحم.

حقيقة مشاعة في مجتمعنا ، بات ظاهرا و جليا في كل أرجاء الوطن ، مجتمع يبني صروحا من المجد على اكتاف جيل لا يعي مسؤولية القيادة ، و رب البيت بالدف ضارب ، و شيمة أهله الرقص؟! ، لنرى و نسمع يوميا في قنوات الأخبار و الاذاعات و الصحف ، عن عائلة مشردة ، عن عائلة مفككة ، عن ابن او ابنة تائهة او هاربة ، عن ابنة مقتولة بيدي والديها أو احدهما ، عن اخوان يتصارعون لميراث ، عن قضية سفاح المحارم ، عن و عن و هلم و كيف أقص و كيف أكتب و كيف تعينني حروفي و كلماتي ؟.
هل أغني لحروفي ، لتشتهر في الأفق انجازاتي و أعمالي ؟
هل أقتل بريئا ، لأعلن جهلي في فهم معتقداتي ؟
أيجب أن أحزن أم أفرح ؟ و يا كثر أحزاني وقلة أفراحي.
العائلة ، أب و أم و أطفال
مجتمع ، عوائل و أسر
الأمة ، دويلات و مجتمعات
أي جرح في فؤادي يا أمتي ، بل أي جرح لم يستطب يوما وما لطبيب أن يداويه دون دواء.
لا تبكي يا صغيري ، اليوم صغار و غدا كبار
لا تبكي طالما الشمس و النهار ، لا تبكي طالما الليل والبدر مستنار
لا تبكي طالما الأرض لحاف و السماء غطاء
لا تبكي طالما البحر لم تطاله الجفاف و النهر يجري بعطاء
ان تركتك تبكي فأرجوك أن ترويني بدموعك لتنبت بين أضلعي عهد جديد ، لعلي أسمع عائلة تعدو نحو مجدها و أنا تحت الأرض ما بين وعد ووعيد.