الحمد لله والصـلاة والسلام على رسول الله

" القرآن حجة لك أو عليك " هذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم يقسم القرآن إلى قسمين :
1-القارئ الذي يقرأ القرآن ويكون حجة له يوم القيامة هو الذي يعمل بأوامره ، ويبتعد عن نواهيه فيحل حلاله ويحـرم حرامه ، ويحكم به ، ويتحـاكم إليـه ، ويرضى بحكمه ، ويتدبر معانيه عملا بقوله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " (سورة ص29) ويكثر من تلاوته وحفظه وسماعه من غيره ، لا سيما من القراء المتقنين كالحصري والمنشاوي فيستفيد مع عائلته من تلاوته وتفسيره : فإذا قرأ أو سمع قوله تعالى : " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " بادر إلى الوفاء بالعهد والوعد مع ربه وإخوانه .
2-القارئ الذي يقرأ القرآن ويكون حجة عليه هو الذي لا يعمل بأوامره ، ولا يبتعد عن نواهيه ، ولا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ، ولا يحكم به ، ولا يتحاكم إليه ، ولا يرضى بحكمه ، ولا يهمه فهمه وتدبره وتطبيقه فإذا قرأ قوله تعالى : " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " . رأيت هذا القارئ يكذب على الناس في حديثه ، ووعده ، ومعاملاته ، وعقوده ، وفي الحديث : ( من قال لصبي تعال هاك ، ثم لم يعطه فهي كذبة ) ( صحيح رواه أحمد ) . وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا . ( أي صدقا ) فعليك يا أخي المسلم أن تعمل بما تقرأ وتسمع حتى يكون القرآن حجة لك لا عليك .
كيـف ننتفـع بالقــرآن الكـريم ؟ :
قال الله تعالى : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " (سورة ق37). إذا أردت الانتفاع بالقرآن ، فاجمع قلبك عند تلاوته ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطب به ، فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ، ومحل قابل وشرط لحصول الأثر ، وانتفاء المانع الذي يمنع منه : " إن في ذلك لذكرى " إشارة إلى ما تقدم من أول سورة ق إلى ههنا ، وهذا هو المؤثر . وقوله : " لمن كان له قلب " فهذا هو المحل القابل ، والمراد به : القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى : " إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ، لينذر من كان حيا " ( سورة يس 69-70 ) أي حي القلب ، وقوله " أو ألقى السمع " أي وجه سمعه ، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له ، وهذا هو شرط التأثر بالكلام . وقوله " وهو شهيد " أي شاهد القلب ، حاضرا ، غير غائب .
قال ابن قتيبة : استمع لكتاب الله ، وأنت شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه . وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثر : وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له ، والنظر فيه وتأمله ، فإذا حصل المؤثر ، وهو القرآن ، والمحل المقابل ، وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع ، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب ، وانصرافه إلى شيء آخر : حصل الأثر وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر . (انظر الفوائد لابن القيم ص3-5) .