الحديث الوارد في الكمأة وشرح معناه:

عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"أخرجه البخاري في صحيحه4\1627.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من المن" قيل في المراد بالمن ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلواً ومنه الترنجبين فكأنه شبه به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفواً بغير علاج.

الثاني: أن المعنى أنها من المن الذي أمتن الله به على عباده عفواً بغير علاج قاله أبو عبيد وجماعة، وقال الخطابي ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان الترنجبين الذي يسقط على الشجر وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل فيقع على الشجر فيتناولونه.

ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعاً؛ منها ما يسقط على الشجر ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط بل كان أنواعاً منّ الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفواً ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد ومن الطل الذي يسقط على الشجر.


أما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاء للعين" فهذا من طبه صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بذلك إيمان اليقين ولكن ينبغي الرجوع في ذلك إلى ذوي الاختصاص المؤمنين لأن وصفة الطبيب لا يجوز استعمال أي مريض لها بدون مراجعته، بل الذي يقرره الأطباء ضرورة رجوع المريض نفسه إلى الطبيب الذي أعطاه الوصفة ليقرر له هل يناسب استعمالها الآن مزاجه فيكررها أم لا.






[URL="http://www.te3p.com/"]

[/URL


صورة لبعض قطع من الكمأة الصحراوية


ما هي الكمأة:


والكمأة توجد في الأرض من غير أن تزرع ، والعرب تسمي الكمأة أيضاً نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض وهي كثيرة بأرض العرب وتوجد بالشام ومصر والعراق، وأجودها ما كانت أرضه رملية قليلة الماء ومنها صنف قتّال يضرب لونه إلى الحمرة،


ولعل الأمطار المبكرة في شهري تشرين الأول والثاني والمصحوبة بالرعد ثم أمطار آذار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عنه البرق والرعد وأمطار عاصفية، والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من 3000 درجة مما يحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية.

أما محاولة زراعتها بتدخل الإنسان في ذلك، فقد باءت جميع المحاولات حتى الآن بالفشل، ويقوم مهندس زراعي في دير الزور (سوريا) الآن بمحاولة استزراع الكمأة ولا يزال في بداية التجربة، على الرغم من أنه يعمل فيها منذ سنوات، ويؤكد أن النتائج الأولى مبشرة.


كيفية العلاج بالكمأة:

اختلفت طرق ووسائل العلاج بالكمأة كما اختلفت طرق ووسائل أكله، فكل بلد له فلسفة خاصة في أكله أو العلاج به، غير إن المشتهر عنه أنه غذاء لذيذ وشهي، هذا ما تعارف عليه الناس من القدم إلا أن البعض استطاع أن يكتشف أنه سبب لعلاج بعض الأمراض بإذن الله فابن حجر رحمه الله يقول: «إن إدمان أكل الكمأة يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول والرطب منها أقل ضرراً من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها فلذلك كان ماؤها شفاء للعين» .





وقال ابن القيم نقلاً عن الغافقي: «ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة ويدفع عنها نزول النوازل»، وقال النووي: «الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقاً فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به فنفعه الله به».

كما نقل ابن حجر عن الخطابي قائلاً: «إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والعكس بالعكس».

أما المراد بماء الكمأة فقد قال ابن الجوزي في المراد بكونها شفاء للعين قولان:

أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:

أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها قال ويصدق هذا أن بعض الأطباء قالوا أكل الكمأة يجلو البصر.

ثانيهما: أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع.

الثاني: أن المراد ماؤها الذي تنبت به فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربي به الأكحال، فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء، قال ابن القيم: «وهذا أضعف الوجوه، قلت وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً -أي وحدها من غير إشراكها بغيرها من المواد- نظر فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلاً وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة، وبهذا جزم ابن العربي فقال الصحيح أنه ينفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى، وقد جرب ذلك فوجد صحيحاً، نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي, وقال: ولا تستعمل صرفاً فإن ذلك يؤذي العين».

وذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمداً فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ما سويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: اشهد أن صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.