المخرج والزمن
إن تقنية تسجيل الأحداث على شريط الفيلم أو شريط الفيديو تعطى المخرج القدرة الفريدة على التحكم فى الزمن السينمائى والتليفزيونى. والواقع أن الفيلم يكشف لنا عن عدد من المستويات الزمانية: الزمن المادى physical time , الزمن الدرامى dramatic time , الزمن النفسى psychological time , الزمن المؤثر affective time , الزمن الثقافى cultural time , الزمن التاريخى historical time , الزمن الفيلمى filmic time ـ وكلا من هذه المستويات الزمانية تعمل معا لتؤثر فى استجابة المتفرج للعمل االسينمائى أو التليفزيونى.
الزمن المادى Physical time:
هو المدة الحقيقية التى يستغرقها عرض الفيلم، حوالى الساعتين تقريبا نشاهد فيهما الفيلم واللتان نعيهما جيدا دائما , ويسمى الزمن المادى أيضا زمن المتفرج audience time، حيث أنه المدة التى يستغرقها المتفرج للفرجة على الفيلم. وغالبا ما يعرف المخرج متى يمكن أن يكون المشهد قصيرا جدا, أو طويلا جدا عن طريق معرفته للمخطط العام النهائى لزمن عرض صورة الفيلم.
الزمن الدرامى Dramatic time:
الزمن الدرامى هو المدة الزمنية المتخيلة التى تقع خلالها أحداث القصة. ويسمى أيضا زمن عُقدة الفيلم plot time، وعلى سبيل المثال فى فيلم "بين السماء والأرض" تجرى أحداث القصة على مدى ساعات قليلة ، وفى فيلم جورج لوكاس "جرافيتى الأمريكى" George Lucas's American Fraffiti تجرى أحداث القصة على مدى 24 ساعة. بينما يقدم فيلم جيمس بروك "شروط المحبة" Games Brooks's Terms of Endearment، تفاصيل العلاقة بين أم وأبنتها على مدى 20 عاما. وعلى العكس تماما يدور فيلم "ساحر أوز" The Wizard of Oz داخل عقل دوروثى. ولا نعرف الزمن "الحقيقى" الذى يستغرقه حلمها (زيارتها لأوز)، إلا بعد أن تستيقظ فى سريرها فى تكساس.
وفى أحوال نادرة للغاية، يتطابق الزمن المادى والزمن الدرامى، ـ كما نجد مثلا فى فيلم ألفريد هيتشكوك: الحبل (1948) Alfred Hitchcock's Rope، كما نجد ذلك أيضا فى فيلم فريد زينمان: فى عز الظهيرة (1952): Fred Zinnemann's High Noon، ولكن الأفلام العادية، مثل معظم فنون السرد، تخلق بعدا زمانيا دراميا يتجاوز بكثير زمن مشاهدتنا للفيلم، مستغلة استعدادنا لأن يتم نقلنا عبر الزمن وتجاوز ما هو غير هام من الأحداث. ويتيح لنا الزمن الدرامى أن نرى فى خلال جلستنا القصيرة فى السينما، أحداثا تجرى على مدى زمنى يتراوح من ساعات قليلة إلى حياة كاملة، بل إنه يمكن أحيانا توظيف إمكانية الرجوع إلى الماضى flash back ليأخذنا فى الماضى إلى أحداث معينة وقعت قبل زمن الرواية، أوتوظيف إمكانية التقدم إلى الأمام flash forward حيث تحملنا إلى ما يمكن أن ندرك بوضوح أنه المستقبل. وكان المعتاد فى الغالب أن يُستخدم المزج dissolve كتقنية تبين للمتفرج أن فترات زمنية قليلة الأهمية تم حذفها من مشهد لآخر، ولكن فى السنوات الأخيرة كان القطع ببساطة يعتبر كافيا طالما تم توضيح النقلة الزمنية بما يكفى.
زمن القصة Story time:
وهو الفترة الزمنية المتخيلة التى تقع فيها أحداث القصة. فعلى سبيل المثال، تجرى أحداث فيلم "الناصر صلاح الدين" فى العصور الوسطى، كما تجرى أحداث قصة فيلم "ذهب مع الريح" Gone with the Wind فى القرن التاسع عشر، بينما تقع أحداث قصة فيلم "أمريكا شيكا بيكا"، وفيلم "ناس عاديون" Ordinary People فى العصر الحديث.
الزمن النفسى Psychological time:
أى الطريقة التى يشعر بها البطل أو البطلة داخل الفيلم بمرور الزمن، وقد يكون شيئا مختلفا تماما عن مدة الزمن الدرامى. فمن الممكن أن تنقل إلينا مجموعة من القطعات القصيرة، مع اقتطاع لحظات من الحركة، شعور البطل بالاستعجال والانفعال ساعة وقوع الحدث، بينما سلسلة من اللقطات الطويلة بأقل تقطيع مع حركة كاميرا تدريجية يمكن أن يخلق لنا شعورا ببطء الزمن الذى يشعر به البطل أثناء المشهد. وفى القصص الروائية، يمكن بوضوح تمييز الزمن الذى نتعرف من خلاله على حياة الراوى عن زمن الحدث الذى يصفه هذا الراوى ـ وفى مثل هذه الحالات، يمكن أن تولد القصة من العلاقة بين مستويين زمنيين، خاصة عندما تستخدم الأحداث السابقة على زمن القصة لتفسير الأوضاع الحالية أو الحالة النفسية للراوى. وفى مثل هذه القصص، يمكن أيضا للزمن الدرامى والزمن النفسى أن يتحدا حين يتذكر الراوى تجارب الماضى وهو يعيش فى الحاضر. مثل هذا التأثير يمكن الحصول عليه فى الفيلم من خلال استخدام إطار القصة الذى تظهر فيه الشخصية ومن حيث تعيده تقنية الرجوع إلى الماضى Flash back نفسيا إلى زمن مضى ـ وثمة مثال ممتاز على هذه الطريقة وهو فيلم إنجمار برجمان: التوت البرى (1957)، Engmar Bergman's Wild Strawberries، حيث رجل متقدم السن تنفجر فى عقله أفكار الحاضر والماضى، الحلم والحقيقة، فى الوقت الذى يتعرض فيه لعملية ميلاد روحانى جديد.
الزمن المؤثر affective time:
هو الإحساس بمرور الزمن الذى يشعر به المتفرج وهو يشاهد الفيلم، وهو شعور مؤقت يختلف تماما فى الغالب عن الزمن المادى physical time الحقيقى الذى يستغرقه عرض الفيلم. وعادة قد يشارك المتفرج إحساس البطل النفسى بالزمن من خلال الطريقة التى تم بها مونتاج الفيلم، ولكن كثيرا ما يتأثر شعوره بالوقت ، ويتم السيطرة على انشغاله بالفيلم بطريقة منفصلة ـ وعلى سبيل المثال ، فإن الخاتمة الرائعة لفيلم مايكل انجلو أنطونيونىالخسوف (1962)، Michelangelo Antonioni's: The Eclipse، بلقطاتها الثمانية والخمسين لروما وقد خلت من الحبيبين، تخلق فينا شعورا ببطء وخواء مرور الزمن، وهو شعور يختلف عما تعانيه أى من الشخصيات أثناء تلك اللحظة نفسها؛ واللقطات التسع التى تعيد حركة البحّار عندما يلقى طبق الضابط على المائدة فيكسره فى فيلم سيرجى أيزنشتاين Sergei Eisenstein المدمرة بوتمكن (1925) The Battleship Potemkin، هذه اللقطات تخلق فينا تجربة درامية ممتدة تختلف عما تشعر به الشخصية.
الزمن التاريخى historical time:
هو بعد زمانى تخلقه الأفلام التى تقصد تقديم زمانا دراميا من خلال مخطط زمانى أوسع يتجاوز حياة وأقدار الشخصيات الفردية. فخلف الأحداث الدرامية التى توحد بين شخصيات فيلم جريفيث Griffith : ميلاد أمة (1915) The Birth of a Nation، تصلنا رؤية المخرج للحرب الأهلية بكاملها.
الزمن الفيلمى filmic time:
حدد المخرج الروسى بودوفكين V. I. Pudovkin، فى كتابه: تكنيك الفيلم Film Technique، زمن الفيلم بأنه البعد الزمنى الذى تخلقه تقنية التعبير الفنى للفيلم ويختلف عن البعد الزمانى الحقيقى فى الحياة الواقعية وأمام الكاميرا. وبهذا المعنى، فإن كل الأبعاد الزمانية التى ذكرناها، فيما عدا البعد المادى للزمان، تعود إلى هذا البعد الذى تحدث عنه بودوفكين. ولكن يمكننا أن نجعل هذا البعد أكثر تحديدا ونستخدمه لوصف هذا النوع من الزمن الذى تخلقه تقنية السينما كتقنية متفردة ولا تتبع أى معنى آخر للزمن يمكن أن نجده فى عالم الواقع. ومثلا، يمكن أن يخلق الفيلم حركة بطيئة أو متسارعة لأسباب مختلفة، ولكن لا يرجع أى من هذه الظواهر الزمانية إلى العالم الطبيعى للزمن. وعلى سبيل المثال، وبتفصيل أكبر كثيرا، فى فيلم الخائن لديفيد جونز (1983) David Jones's Betrayal، يمكن أن يرتد زمانيا، مبتدئا بإنهاء علاقة حب ثم يأخذنا للماضى من خلال المراحل المختلفة للعلاقة إلى أولى لحظاتها المفعمة بالأمل، ومن ثم ينقل إلينا شعورا بالأسى والخسارة. ورغم ذلك فإن مخرجى الأفلام، خاصة فى السينما الطليعية، مثل ستان براخاج Stan Brakhage وبروس بالى Bruce Baillie خلقوا من خلال تقنيات مختلفة عالما خاليا من الزمن الخارجى والواقعى، ويمكن أن تحقق سينما مغلقة ذاتيا توقيتها الخاص بتجاهل المتطلبات الزمانية للقصة والشخصية وطلبات الجمهور التجارى. ومثل تلك السينما فى الواقع تساعد على تطوير مقدرة العقل على الهرب من محدودية عالم محدود بالزمان.