طبيعة فن السينما والتليفزيون

طبيعة فن السينما :نشأت فنون الرقص , والغناء , والدراما , والأدب , والموسيقى , والفن التشكيلي نشأة خاصة , فقد كانت نشأتها بين النخبة الممتازة من الناس . فلم يمارسها ولم يتمتع بها إلا الأرستقراطيون . أما السينما فقد نبعت من صالات التسلية البدائية فكانت نوعاَ من أنواع التسلية واللهو . ولعل نشأتها المتواضعة جعلت الخاصة تتجاهلها في أول أمرها , ولكن سرعان ما استحال استمرار هذا التجاهل , إذ أن إقبال المتفرجين وضحكاتهم أخذت ترتفع , فأخذت السينما تكتسح ما يقف أمامها في قوة الطوفان الجارف حتى صارت من أهم وسائل الاتصال السمعية والبصرية في القرن العشرين . وللموضوع جذوره . . فقد وصف ليوناردو دافنشي في مذكراته التي لم تنشر , والتي جاء ذكرها بالتفصيل في كتاب " السحر الطبيعي " لمؤلفه جيوفاني باستاد بللا يورتا , والذي نُشر عام 1558 أصل الصورة السينمائية بقوله " إذا أنت جلست في حجرة دامسة الظلام في يوم مشمس , ولم يكن بالحجرة سوى ثقب بمقدار رأس الدبوس في أحد جوانبها , استطعت أن ترى على الحائط المقابل للثقب , أو على سطح أخر في الغرفة , ظلالاَ أو خيالات للعالم الخارجي : شجرة , أو رجلاَ , أو عربة عابرة .


وما أشبه جماعة من الناس في غرفة مظلمة , يتطلعون في دهشة وعجب إلى الخيالات المتحركة , بجماعة من المتفرجين في قاعة مظلمة يشاهدون شاشة السينما , وهكذا كما نرى بدأت السينما بالصور فقط .وبقوة الصور لم تجد السينما الصامتة صعوبة في إرضاء جماهير ضخمة .

وفى أول الأمر حاول السينمائيون أن يصوروا للمتفرجين المسرحيات برمتها , وكما هي , بل والكاميرا ثابتة على بُعد محدد . وكان الممثلون يواجهون المتفرجين مواجهة تامة تماماَ كما يفعلون على خشبة المسرح . بل إن المُشاهد كانت تبدأ بدخول الممثلين وتنتهي بخروجهم . كانوا يريدون الظفر بما في المسرح من قوة ناتجة عن وجود الممثلين بلحمهم وشحمهم , فقد كان عرض العلاقات الإنسانية في المسرحيات المصورة يثير في نفس المتفرج الشعور بالتوتر ويغريه بالتعرف على نفسه , وهو المفتاح الذي يفتح مغاليق الانفعال . فقد كانت مشكلة السينما الرئيسية هي عدم وجود متفرجين كما في المسرحية . وبعد عدة سنوات تبينت السينما أنها تستطيع أن تفعل أكثر من تصوير المسرحية , بل أنها تستطيع أن تحول ضعفها إلى قوة . فعندما أدخل جريفث " اللقطة القريبة " , كانت دهشة المتفرجين كبيرة إلى حد دعاهم إلى الصياح " أين أرجل هذا الوجه ؟. ولكن السينما , مضت تخلق وتثبت تقاليدها الخاصة , والتي هي أشد ترابطاَ وثباتاَ من تقاليد المسرح , ثم كان تغير مكان الرؤية , فبعد أن يصور جزء من مشهد من زاوية معينة , يصور جزء أخر من زاوية أخرى وكان الخوف من ذلك أن يشعر المتفرج بالدوار - ولكن المتفرج لم يُبد أي تبرم على إعفائه من القيود البدنية المفروضة على الجسد , وقبل على الفور دور المتفرج المتحرك . . ينظر من جانب ثم ينتقل لينظر من الجانب الآخر , وينظر من بعيد ثم من قريب , مرة من داخل الغرفة إلى الخارج , ومرة أخرى من الخارج إلى داخل الغرفة , مرة من فوق كتف البطلة , ومرة أخرى من فوق كتف البطل . وهكذا تحولت نقطة الضعف ( أي عدم وجود متفرجين ) , إلى نقطة قوة ( أي عنصر الحركة ) . كانت الحركة الذاخرة بالمعنى تأسر الاهتمام , بل أنها تخلق لدى المتفرج الشعور بالتوتر والانفعال .ومع أن السينما كانت تتصف بالقوة منذ بدايتها , ولكنها عندما أصبحت ناطقة كبُرَ أتساع أهميتها كوسيلة تعبير . فالكلمات تستطيع أن تقوم بتوضيح الحركة ومعانيها , وبالجمع بين الصور الغنية بالتفاصيل والمعاني , وبين الكلمات التي تقول بطبيعتها شيئاَ واحداً في وقت واحد , أكسب السينما قوة فريدة تعمل على إدماج المتفرج في سيل دائم من التفكير والانفعال وتجعله شريكاَ مشاركاَ إلى حد عظيم . وهكذا نراها وصلت باستغلال عدم وجود المتفرجين , إلى أن تتعلم كيف تنمي طاقتها المؤثرة في العواطف . فكثيراً من المشاهد التي كان يراها المتفرج بارعة, إنما كانت كذلك لأن المتفرج نفسه هو الذي يقوم بتمثيلها , وذلك لأن مجموعة اللقطات الغنية بالمعاني , استدرجته إلى نوع من الانفعال تصبح فيها الأدوار متبادلة بينه وبين الممثل . هكذا أصبح للسينما لغة لها أجروميتها ومفرداتها وحسناتها وبلاغتها ... حيث اللقطة هي الوحدة الأولية , ومن تراكيب هذه اللقطات تتكون المشاهد , وجمال اللقطة وانسيابها أو تصادمها مع اللقطة التالية ينتج معنى ما , يصر السينمائي أن يُشرك المتفرج معه في استنتاج هذا المعنى فيصبح دوره إيجابياَ في عملية التلقي , كما يملك السينمائي عناصر الموسيقى . . والمؤثرات الصوتية . . والإضاءة . . واللون . . والتمثيل . . والتكوين , وكلها عناصر تشكل مفردات اللغة التي يُكتب بها على الشاشة , وتشكل في الوقت نفسه قنوات الاتصال بينه وبين المتفرج عبر السمع والبصر معا . وهكذا أصبحت السينما وسيلة سمعية بصرية أساسية من وسائل الاتصال الجماهيري , تناولت كل شريحة من شرائح المجتمع وعالجت كل موضوع ووصلت إلى كل جمهور. بل أنها أصبحت تستحق أن يُطلق عليها اسم " الفن السابع " . طبيعة فن التليفزيون : وصلت السينما إلى جمهورها الواسع في بدايات القرن العشرين ولم تأخذ شكلها كفن ذو ملامح خاصة إلا في العشرينات أما شاشة التليفزيون فقد ولدت في العشرينات وانتشرت في الأربعينات كسينما على الهواء مباشرة , ولم تصل إلى البيوت إلا في الخمسينات. ومنذ البداية وكما اعتمدت السينما على تصوير العروض المسرحية , اعتمد التليفزيون على السينما , وورث كثيراً من تقاليدها , وعلاقتها بالجمهور , ثم علاقتها بالأفكار .ولو بحثنا في أساس كل من السينما والتليفزيون , لوجدنا أنها " الصورة " فشاشة السينما كالتلسكوب تفتش عن الأشياء البعيدة لتقربها , أما شاشة التليفزيون فهي كالميكروسكوب تفتش عن الأشياء الدقيقة وتحاول تكبيرها , ولذلك فهي تتيح للتلفزيوني ميزات لا يحصل عليها السينمائي , فالمتفرج يتعامل معها على أنها صديق حميم تقربه من الأحداث الواقعية , وتفيض بالانفعالات الصادقة والمشاعر النبيلة . ويقول رينيه كلير في كتابه سينما الأمس وسينما اليوم ," في الواقع أن التليفزيون يتمتع بميزتين : "الفورية" أي إمكانية بث حدث ما بثاً مباشراً , "والمودة" - أي إمكانية تقديم عرض , على ما يبدو , لمشاهد واحد ومن أجله وحده بينما يراه في الحقيقة ملايين المشاهدين المتفرقين في اللحظة ذاتها " . بل إنه يمثل ثورة أعظم في ميدان الاتصال البشرى من السينما نفسها . ومنذ ظهور التليفزيون أُعيد تصميم غُرف الجلوس , وظهرت في الأسواق كراسي خاصة له , وموائد صغيرة للأكل أثناء مشاهدته , وأطعمة مجمدة سريعة التجهيز. واستطاع التليفزيون أن يَشُد إليه اهتمام الناسُ بدرجةٍ هائلة عندما نقل إليهم سلسلة من العروض الحية الفورية التي حولت هذا الجهاز من لعبة غالية الثمن إلى ضرورة حقيقية . فقام بنقل المباريات الرياضية المهمة , والمسرحيات والأوبرات , وحفلات الموسيقى , والباليه , وهكذا أتاح للملايين فرصة الاستمتاع بما كان يقتصر على القلة المتميزة التي تستطيع أن تدفع ثمن تذكرة الدخول إلى الملعب , أو دار الأوبرا . ولم تقتصر مهمته على ذلك فقد قام بنقل مباشر للأحداث , التي لم يكن يحلم المتفرج بأن يراها إلا بعد حدوثها بوقت يسمح بتحميض الفيلم السينمائي وطبعه وعمل المونتاج له . ولكن وبشكل فوري نقل للمشاهد في بيته حادث اغتيال قائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج , ثم غطى أهم حدث في الستينات وهو نزول أول إنسان حي على سطح القمر, لقد نقل كل هذه الأحداث فور وقوعها إلى المشاهد في غرفة الجلوس وغرفة النوم وفى المطبخ أو حيث يوجد جهاز التليفزيون الخاص به .

كان التليفزيون يعرف أن من يريد أن يتحدث بلغة من اللغات عليه أن يتعلم قواعد النحو الخاصة بها , وكان يعرف أن مفتاح الطريق إلى الجماهير الكبيرة , وإلى اكتساب جماهير جديدة , هو التعرف الانفعالي, وهذا معناه الاعتماد على الدراما أي التحدث إليهم بلغة مفهومة . ومع أن التليفزيون استفاد من السينما لغتها لتكون لغته هو أيضاً , فاللقطة بأحجامها المختلفة , ووسائل الربط بين هذه اللقطات المختلفة واحدة أيضاً والصورة تنتقل عن طريق عدد من الكاميرات . والتي لكل منها إمكانيات واسعة جداً في الحركة والقرب والبعد والارتفاع والانخفاض . وهناك الإضاءةُ التي لا تلعب فقط دوراً في إبراز الصورة ولكنها تستطيع أيضاً تجسيد الحالة النفسية للشخصيات والمُعَاونة في رسم الجو العام للقطة أو المشهد , بالإضافة إلى إمكانيات المونتاج والمؤثرات الصوتية . إلا أنه عرف أنها تشكل فقط أساساً جديداً للغة معالجة درامية خاصة به ,. تختلف تماماً عن لغة المعالجة الدرامية في السينما , عنها في المسرح حتى أن الناقد آلان بريان يقول : إن الدراما التليفزيونية يتيمة جاءت ثمرة طلاق أبويها المسرح والسينما , ويجب على التمثلية التليفزيونية ولها عينا أبويها وأُذنا أُمها وفمُها الخاص - أن تكون قادرة على تحقيق قوة فردية مثيرة . ويلخص إريك بارنو هذا الاختلاف في كتابه الاتصال بالجماهير بقوله : عندما بدأ السينمائيون يعرضون الأفلام على شاشة التليفزيون تبينوا أن عليهم , أن يزيدوا من اللقطات القريبة المكبرة وأن يقللوا من اللقطات البعيدة . . فالفيلم السينمائي يُعرض على شاشة كبيرة عريضة . . أما في التليفزيون فالمتفرج يجلس قريباً من الجهاز . . كأنه يجلس إلى صديق . ولذلك كان على الفنان التليفزيوني التركيز والاقتراب بهدف الوصول إلى العمق لتحديد طريقة تلقي المتفرج وتذوقه وتوجيه انتباهه . وحتم ذلك على الدراما التليفزيونية أن تستمد مادتها بطريقة مباشرة من الحياة فهي فن إنساني يرتبط بمشاكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية,والسياسية,والدينية,والأخلاقية. كان عليها أن تحذف التفاصيل التي لا أهمية لها في تطور الأحداث وبلورة الشخصيات , وكان على حركة الكاميرات ,والممثل , والتكوينات أن تكون نابعة من داخل الموضوع وموظفة لتحقيق غرض درامي محدد وإيقاع جيد , حتى تستطيع أن تتوغل بلا استئذان إلى عقل وقلب المشاهد . حتى أن روبرت فريزر المدير العام لهيئة التليفزيون البريطانية يقول : يتم التوصيل بمستويين - هما المستوى العقلي حيث تدور المعرفة والآراء في المجتمع , والمستوى العاطفي حيث يتولد الشعور بالعطف على الآخرين . . والتليفزيون قوة رهيبة في كلا المستويين .وفى رأى أُسامة أنور عكاشة كاتب السيناريو المصري أن النص الدرامي في التليفزيون لا يختلف عن النص الدرامي في المسرح ,أو في السينما من أنهما يعتمدان قواعد درامية واحدة وهى القواعد الأرُسطية من قواعد الدراما الكلاسيكية . ولكن الاختلاف يأتي من طول العمل ,أي أنه إذا قَصُر يُصبح سهرة في التليفزيون تأخذ تقريباً حيز المسرحية , وإذا طال يأخذ شكل مسلسل من سبع حلقات, أو عشرة ,أو عشرين حلقة ,أو أكثر حسب ما يقتضي الموضوع وهو تكرار لشكل ألف ليلة وليلة ,أي أن شهرزاد تحكى لشهريار كل ليلة وعند جزء معين تعمل قفلة الحلقة وتعلقه لليوم التالي , وهذا شيء الارتباط به متغلغل قي المثيولوجي الخاص بنا وفى فولكلورُنا , أي الحدوتة التي ترويها ستى وستك للأطفال قبل النوم .ومن هنا نرى أن الدراما التليفزيونية تأخذ عدة أشكال منها : المسلسل , والسلسلة , والتمثيلية التليفزيونية . والموضوع هو الذي يفرض الشكل الذي يُقدم به , حتى أن أُسامة أنور عكاشة يتساءل : كيف أَكتُب مسلسل " ليالي الحلمية " في فيلم سينمائي وكيف أَكتُب فيلم " كتيبة إعدام " في مسلسل تلفزيوني..هنا يتوقف كلام الكاتب.ولكن الفارق الأساسي بين دراما السينما ودراما التليفزيون ،هو أن الأولي تعتمد الصورة أساساً لها أما دراما التليفزيون فتعتمد على الحوار أولاً وأخيراً ، فإذا كانت السينما قد ورثت المسرح ، وتخلصت من سلبياته التي لا تلائمها ، فقد ورث التليفزيون الإذاعة ، ليتلاءم وجو البيوت ، وربّات البيوت . فالكاتب السينمائي من السهل أن ينجح إذا تحوّل للكتابة التليفزيونية ، بخلاف كاتب التليفزيون الذي يكتب للسينما ، فإنه سيحمل معه ما يمكن أن نطلق عليه .. الفيلم الإذاعي . والمسلسل ,كل حلقاته مُتَصٍلة وكل شخصياته واحدة ويتم تطوير الصراع والشخصيات منذ الحلقة الأولى حتى نهاية الحلقة الأخيرة ,ومع ذلك فكل حلقة تُمثِل دراما صغيرة كاملة وتتوقف في أكثر الأماكن إثارة للاهتمام , وينتظر المتفرج بفارغ الصبر الحلقة التالية ليعرف كيف تطورت الأحداث . وفى رأى أُسامة أنور عكاشة أن كل حلقة يجب أن يكون متحقق فيها القواعد الدرامية, صحيح أنك مش مطلوب أن تصل إلى الحل في نهاية كل حلقة , إنما يبقي هناك تنمية للحدث من بداية الحلقة إلى أخرها , ويبقى هناك تصاعد في المشهد باستمرار , وهو ما يحقق السيطرة على المتفرج , لأنه سيخاف أن يتحرك أو يبعُد عن التليفزيون حتى لا يفوته شيء مهم " . أما السلسلة ,فتكون حلقاتها منفصلة أي أنها بمثابة تمثيلية مستقلة لها بداية ووسط ونهاية , حيثُ تعتبر الحلقة الواحدة منهاعملاً درامياً كاملاً , لأن كل حلقة تبدأ ببداية جديدة ليست لها علاقة بنهاية الحلقة التي سبقتها , والعلاقة الوحيدة التي تكون بين الحلقات هي وجود شخصية رئيسية تقوم بالبطولة في كل الحلقات , أو أن الموضوع الأساسي في كل الحلقات واحد , وهى هنا قريبة الشبه بالفيلم السينمائي أي أن الحدث يتصاعد حتى يصل إلى الذروة الرئيسية مع نهايتها . وأخيراً ما يهم هو الاستحواذ على الانتباه والاهتمام, وإثارة الانفعالات العميقة ل عملية التعرف لدى المتفرج .ويلخص ذلك مارتن أيلسن فلي كتابه عصر التليفزيون حيث يقول : إن التليفزيون في جوهره وسيلة درامية . ولكن يجب أن يكون عائلياً إلى حد كبير، مفهوم للجاهل ,والمتعلم ,والمثقف لأنه أصبح شريكاً بالقوة في حياتنا العائلية , بل وفى كل جوانب حياتنا الفردية ,والاجتماعية , يتدخل في كل شيء , ويترك بصماته الواضحة على قيمنا وسلوكنا وعادتنا واتجاهاتنا وأفكارنا . وفى النهاية أستطيع أن أقول إن التليفزيون يلعب دوراً هاماً في حياة المجتمع الحديث . ويوزع أدواره المختلفة الهامة في حياتِنا بوجهتها الاجتماعية , ومعناها الثقافي . ومن وجهة النظر الجمالية , يحتل التليفزيون مكاناً خاصاً في منظومة وسائل الاتصال الجماهيري , فلقد ظهر الراديو ولم يطرح أحداً سؤلاً جديداً حول ولادة فن جديد أما اليوم فإن الكثير من المنظرين يميلون إلى اعتبار التليفزيون فناً مستقلاً جديداً بل أن بعضهم أطلق عليه " الفن الثامن" .
طبيعة المتفرج والفرجة

طبيعة المتفرج السينمائي والتلفزيوني : خلق الله الإنسان وجعل له خمس حواس , وميزه بالعقل والذاكرة وأضفي عليه العاطفة والإرادة والقدرة على التخيل والحلم . . وهى القاعدة التي يقف عليها كل من الفنان والمتفرج في عِلاقتهما الجدلية عبر تأثر الفنان بالعالم حوله وتأثيره في هذا العالم . وحين يتعامل الفنان مع العمل الفني فإنه يُخاطِب في مُتفرجيه بعض الحواس مُركزاً على العقل والذاكرة وعاطفة المتفرج , وقدرته على التخيل والحلم مؤثراً على الشعور واللاشعور. فالفنان يعرِف أنه لا يستطيع أن يستولي على مشاعر المتفرج إلا إذا تأكد الأخير أن عمل الفنان يخدُم غرضاً مماثلاً بالنسبة إليه , عند ذلك يترُك العنان للانفعالات الحبيسة لديه التي ليس من اليسير انسيابها وقد يتعرف على شخصه في شخصية من الشخصيات بل أنه يتعاطف معها , حتى أنه يحدث مُشاركة وجدانية بينهم . والاتصال بين الفنان والمتفرج في السينما والتليفزيون لا يتم وجهاً لوجه , ولذلك فالفنان في حاجة إلى الارتباط بهذا الانفعال أكثر مما تحتاج إليه أي وسيله أخرى , لأنه يتوجه إلى جمهور بعيد غير مرئي . . ومع ذلك فالانفصال بين المتفرج والفنان يحافظ على خصوصية المتفرج مما يجعله يستطيع أن يفتح الباب لانفعالاته على مصراعيه , وهو يقوم بهذا العمل , عندما يكون جالساً على مقعد في منزله ,أو مُتلفعاً بظلام السينما عندها يصبح أمامه مجال كامل للتعرف في الدراما السينمائية أو التلفزيونية , ولكن الفنان يجب أن يعرف أنه يتعامل مع جمهور مختلف الأجناس والخلفيات الثقافية , فهم أُناس يعيشون تحت ظروف مختلفة إلى حد بعيد , ومن شتي الثقافات والأوضاع في المجتمع, ويزاولون مهناً متباينة , ومن ثم لهم اهتمامات ومستويات معيشية مختلفة , أي أنهم في النهاية "جمهور مجهول الهوية" . والفنان يستمد قوة نجاحه من عواطف هؤلاء الناس الكامنة , ومن خلال الدراما السينمائية أو التلفزيونية يبذل الفنان مجهود كبير مرة تلو المرة لاجتذاب انتباه هذا الجمهور ولمس عواطفه العميقة , وحثه على التطلع إلى معرفة جديدة أو تبنيه فكرة جديدة , ومهما يكن من أمر فإن البحث عن جمهور ضخم , هي الفكرة المسيطرة على فناني السينما, والتلفزيون على السواء . فهي معركة دائمة يخوضها الفنان , معركة سلاحها الصور والأصوات, ليس من أجل الحصول على الانتباه والعواطف , بل معركة تنافس حول توجيه العواطف نحو المعلومات والأفكار والأفعال . وهو يعرف أن الفن الجيد , إذا لم يحتو على فكر جيد , أو أن الفكر الجيد إذا لم يقدم من خلال فن جيد , فإنه لن يكون هناك متفرجين . حتى أن موريس ويجين يعلق بقوله " للفن والفكر قناة نافعة . . بل ربما هي الأمور الأقوى تأثيراً أو على الأقل إمكانية للتأثير وذلك بسبب ما هو ميسور لها" . طبيعة الفرجة السينمائية والتلفزيونية : بالرغم من أن هدف الفنان السينمائي أو التلفزيوني هو اجتذاب الجماهير , إلا أن اختلاف طبيعة الجمهور الخاص بالفرجة السينمائية تختلف اختلافا بينا عن الجمهور الخاص بالفرجة التلفزيونية . فالمتفرج في السينما هو الذي يختار الفيلم الذي يشاهده وقد يكون على علم بموضوع الفيلم ويعرف من هم الممثلون . وهو الذي يختار الوقت المناسب للفرجة على الفيلم , أي اللحظة المزاجية الخاصة التي يُشاهد بها الفيلم , فمن حقه اختيار وقت فرجة الفيلم , إما حفلة 10 , أو حفلة 3 , أو حفله 6 , أو حفلة 9 , وكل حفلة لها جمهورها ذو المزاجية الخاصة. وهو يشترك في هذه اللحظة المزاجية مع عدد من المشاهدين يماثل عدد مقاعد قاعة العرض، ويقول اٍريك بارنو : إن الجمهور الذي تتشابه عقلية أفراده، والذي تركزت دوافعه الداخلية في اتجاه مشترك ، يمكن أن يحقق دورة اٍتصال سريعة . وهو عندما يختار حفلة معينة ، يخلع ملابس البيت ويرتدي ملابس الخروج ويعتني بمظهره ، لشعوره بأنه ضيف على دار العرض ، وينزل من البيت ، وهو يعرف أنه يخلق فرصة اجتماعية للخروج من المنزل والالتقاء بالناس والأصدقاء ،ويركب الأتوبيس أو السيارة ثم يشتري التذكرة ، ويدخل قاعة العرض ليتفرج على الفيلم الذي اختاره وهو غير مستعد للتخلي عن رؤيته ، بعد أن تحمل كل هذه المشقة ، ثم يدخل في طقوس الفرجة نفسها التي فيها نوع من السيطرة ، فشاشة السينما بحجمها الكبير ، وبالتالي حجم الأجسام والأشياء تشعر المتفرج بالضآلة ، وهناك الظلام الذي يسود القاعة وبالتالي فهو لا يستطيع التكلم مع مَن يُجاوره ، ومن هنا يأخذ إدراك الفيلم عنده طابع الفردية . فهو يرغب في إدراك الفيلم ولكنه لا يريد أن يشعر بنفسه كعضو في المجموع أو مشارك فعال في التقبل الجماعي ، بل على العكس من ذلك يريد أن يشعر بعزلته التامة وهذا ما تتطلبه فترة العرض منه . إن حالته أقرب إلى التأمل ، والصور التي تظهر على الشاشة تستثير لغته الداخلية ، وتحدد مسار انفعالاته وتسيطر على كل انتباهه . إنه كالأصم لا يشعر بالمُشاهد الآخر .ومع ذلك فإن طريقة صف المقاعد والأجساد المتقاربة تزيد من عامل التجانس وسيادة روح القطيع فتسري عدوى الضحك أو الانفعال بسهولة يقويها استعداد مسبق لحسن التلقي . في النهاية فإن كل ذلك يساعد على انتقاله من واقع الحياة اليومية إلى واقع المبدع الفني. أما الفرجة التليفزيونية فهي تختلف تماماً ،فالجمهور لا يجتمع في مكان واحد كجمهور السينما ، بل هو موزع على أبنية عديدة قد تبلغ المليون أو أكثر وهو جمهور مختلف الأعمار والأجناس والأذواق والثقافة . والمتفرج التليفزيوني ، هو متفرج مدلل ، لأنه ليس مضطراً للفرجة ، وهو لم يتكلف مشقة الذهاب لمشاهدة العرض ، كما أنه لم يدفع ثمناً لهذه الفرجة. وهو يتفرج على التليفزيون بملابسه المنزلية على الأغلب لإحساسه بأن الشاشة الصغيرة هي ضيف على بيته . وهو في مكان مضاء ، قد يشتت الانتباه .وهو غالباً على هيئة نصف دائرة يتوسطها التليفزيون وليس في شكل صفوف . وطريقة الفرجة نفسها مفروضة عليه . ويرجع جون بنتر ذلك إلى الاتصال الذاتي الذي يحدث داخل المتفرج فيقول : عندما تشاهد التليفزيون فإن عينيك وأذنيك تستقبل المعلومات وترسلها إلى المخ . فإذا الذي رأيته أو سمعته كان مشوقاً وباعثاً على المتعة ، فاٍن نظام الاتصال الذاتي الذي عندك يعبّر عن ذلك . وبالتالي تتابعه وتوليه اهتمامك وإذا لم يعجبك ، يرسل المخ رسالة إلى عضلاتك ينتج عنها قرار بتغيير المحطة أو بالضغط على زر إقفال الجهاز . وظروف الفرجة كلها غير طبيعية ، فقد يكون المتفرج عائداً لتوه من العمل ورأسه مشحون طوال النهار ، ويجلس ليشاهد المسلسل التليفزيوني مثلاً . ويجلس حوله بعض الأصدقاء وزوجته وأولاده الذين يصرخون ويهللون . وقد يُمسك بين يديه بأطباق الطعام أو بجريدة أو بمجلة .وقد يرن جرس التليفون كل ذلك في الوقت نفسه والمتفرج في النهاية يحاول التركيز على مشاهدة المسلسل التليفزيوني. ويفسر بتنر ذلك بقوله : كما تعمل المكونات الإلكترونية في جهاز تليفزيونك على منع اٍستقبال أكثر من محطة في نفس الوقت ، فاٍن جهازك العصبي المركزي يغربل أيضاً المنبهات المختلفة كي تستطيع التركيز على تفكير لحظي واحد ـ أية محطة تشاهد ، وربما رن جرس التليفون في نفس اللحظة التي تبدأ فيها بالتفكير في تغيير المحطة . فبدلاً من الرد على التليفون قد يعطي جهاز أعصابك المركزي الأولوية إلى الرسالة التليفزيونية وقد تواصل الانتباه إليها,وببساطة شديدة قد يغلق المتفرج جهاز التليفزيون وينصرف عنه لينام . ويعلق أسامة أنور عكاشة على ذلك بقوله : لابد أن تكون الدراما قادرة على الإمساك بمتفرج التليفزيون تماماً ، لأنه سهل الفرار بعكس متفرج السينما الذي يُكمل فرجته أياً كان الفيلم الذي يعرض ، فقد يسب الفيلم بعد خروجه ، ولكنه نادراً ما يترك الفيلم ويخرج ، فهو يعتقد أنه طالما دفع ثمن التذكرة فعليه أن يتفرج على الفيلم حتى نهايته . ومن هنا كان على الدراما التليفزيونية أن تكون من القوة بحيث تمسك بهذا المتفرج ولا تجعله يفر منها . وعلى كاتب الدراما التليفزيونية أن يتمتع بالقدرة على السيطرة على موضوعه وشخصياته طوال عمل قد يستمر لمدة 10 ساعات أي ما يوازي خمس أو ست أفلام . في النهاية يجد الفنان التليفزيوني نفسه يتعامل مع متفرج متمرد بطبيعته وبطبيعة ظروف الفرجة نفسها ،متفرج عنده إحساس دائم بالتفوق على الشاشة نظراً لصغر حجمها ومع ذلك فهي شديدة الصلة به . ومن هنا حاول الفنان التليفزيوني أن تتفاعل خصائص العمل التليفزيوني مع الخطوط العريضة لشخصية المتفرج وخصائصه النفسية ورغبته في الحصول على الإشباع .. فقد حاول التركيز على قرب الصورة ـ الصورة هنا كأداة اتصال ، وليست لغة أساسية في بناء العمل الفني ـ من المتفرج ليقضي على الاٍنفصال الذي أوجدته الشاشة السينمائية ويزيد من عنصر الألفة بينه وبينها . وأصبحت الصورة عنده هي اللغة التي يخاطب بها المتفرج الذي يجيد القراءة إلى جانب المتفرج الأمي ، حتى يصل إلى أكبر عدد منهم . أصبح يحرص على تصوير برامج تليفزيونية تناسب متفرجين يجلسون في غرف استقبالهم في محيط عائلي يجمع أفراد الأسرة الصغيرة ، أو الكبيرة ، أو الأصدقاء ، أو الاثنين معاً ، وهو يعرف أن كل فرد في العائلة تحكمه مجموعة من القيم والأخلاقيات مرتبة وفق أولويات خاصة ، قد لا يكون نفس الترتيب الذي يسيطر على الفرد في محيط عائلي آخر . وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يقدم موقفاً أو تجربة خاضتها كل أسرة ,ولكنه يقدم الموقف الذي يمكن أن تتصور أي منها أنه يمكن أن يقع لها في إطار الظروف المكانية والزمانية المعاشة . حتى أن أسامة أنور عكاشة يقول : إن الدراما التليفزيونية موجهة لجماهير عريضة جداً تبلغ الملايين . وهذا لا يتوفر لأي وسيلة فنية أخرى . وهو ما يجعل لها اشتراطات معينة في مخاطبة عقلية هذه الملايين من الجماهير المختلفة الأذواق,والميول ,والثقافات. ولذلك يجب أن تكون هناك لغة تليفزيونية تصل للجميع بنفس القدر. فلا هي مُسفه لتخاطب الطبقات الدنيا ، إذا صحت التسمية ، ولا متعالية ، ولا تستطيع من خلالها أن تلجأ إلى التجريب ، الذي هو متاح في المسرح والسينما ، ولكنه خطر جداً في التليفزيون ، الذي يعتمد على التواصل المباشر بين الملقي والمتلقي . وقد يكون العمل فيه عدة مستويات للتلقي . ولكن يجب الاٍقتراب بحذر من موضوعات قد تثير حساسيات داخل الأسر التي تتفرج , ومراعاة التقاليد الرقابية المتعارف عليها". وقام الفنان التليفزيوني بنقل المناسبات والأحداث على الهواء وفوراً إلىٍ المتفرج في غرفته الخاصة ،لأن ظروفه تجعله لا يستطيع أن يتوجه إلى مكان الحدث ، وذلك ليجعله مشاركاً في الأحداث ، يشاهد لحظات الذروة فيها بنفسه ، وليست منقولة إليه عن طريق طرف ثالث . بل أنه حمل كم هائل من المعلومات والمعرفة والأخبار ، والقصص والإعلانات في بيت المتفرج حتى لا يضطر إلى الخروج . وهكذا فرض الفنان نوع جديد من وسائل التسلية والترفيه ، وتمثيليات خاصة به ، وكان يعرف أن الجمهور يجب أن يشترك أفراده ، مع جيرانهم أو حتى في الهاتف ، ولأنه يخاطبهم في منازلهم المتفرقة ، أحس أنهم في حاجة إلى عدوى الضحك الذي قد يسري بين جماهير السينما، فأنشأ فكرة جمع المتفرجين في الاستديو ، أثناء التصوير ، أو عرض نسخة كاملة للتمثيلية الفكاهية بعد انتهائها على جمهور في الاستديو ثم الجمع بين أصوات ضحكهم وأصوات النسخة الأصلية قبل إذاعتها . أو يضيف شريط جاهز مُسجل عليه صوت ضحكات إلى شريط التمثيلية قبل عرضها . عرف الفنان التليفزيوني أن متفرج السينما يولي كل اهتمامه للشاشة وما يحدث عليها بل ومن الصعب عليه أن ينظر أو ينصت أو يفعل أي شيء آخر . بل إنه يجلس على الكرسي نفسه بدون حركة حتى انتهاء الفيلم ، ولذلك فالفنان السينمائي يكتفي باللمحة أو الإيحاء أو الإشارة غير المباشرة دون الحاجة إلى زيادة التصريح والتوكيد في الدراما السينمائية . بعكس جمهور التليفزيون الذي يستطيع أثناء المشاهدة التليفزيونية أن يأكل ويقرأ الجريدة ويرد على جرس التليفون ، ولذلك ابتكر الفنان أسلوبه الخاص ،في السيناريو.ويعبر المخرج التليفزيوني محمد فاضل عن ذلك بقوله : طبيعة الفرجة ، الصالة المظلمة في السينما ، كل المتفرجين جالسين ينظرون ناحية الشاشة , لا يستطيع أحد أن يعلق لأن الشخص الذي بجواره سينهره ، ويمنعه من الكلام ، أي ساعة ونصف تركيز تام بدون أي تشتيت ، هذا بالتأكيد سيفرض تأثير على الفكرة والسيناريو والإخراج والتمثيل ، وكل العناصر الفنية المشتركة ، في المقابل ، أنا أتفرج على التليفزيون وأقوم لأرد على التليفون أو أقوم لأحضر كباية شاي ،أو حد جنبي بيكلمني ، وأجلس وأنا أسند بظهرى على كرسي مريح ، مش قاعد في كرسي السينما مركز ، أو قاعد في السرير باتفرج ، وألبس ملابسي المنزلية وكل شوية ممكن اعدل نفسي ، يعني أنام على جنبي ده شوية ، وأقعد على الجنب ده شوية وأغير طريقة جلوسي ، لكن مش حاقعد قاعدتي اللي في السينما, والتي لا أغيرها لمدة ساعة ونصف,في تركيز كامل .طبعا تغير طريقة الفرجة يؤثر على طبيعة التمثيل وطبيعة الحوار التليفزيوني . في النهاية كان على الفنان التليفزيوني اختيار الفكرة الجيدة ، والقضية التي تهم المجتمع والاعتماد على منطقية الأحداث ، والشكل الفني الجذاب والإيقاع السريع والأحداث المتلاحقة ، التي تجعل المتفرج لا يستطيع أن يتكلم مع أي شخص بجانبه ، أو أن يقوم بفتح الباب أي أن يكون هناك نوع من التواصل الدائم بينه وبين المتفرج . كما أدرك أن البرنامج الناجح هو الذي يعزف على وتر القبول لدى المتفرجين وهو الذي يخاطب متطلبات داخلية في نفوسهم ، وشوقاً لبلورة أفكار وانفعالات ، أو الإطلاع على معلومات . ومن هنا كانت قوة نفاذ هذا الجهاز السحري ، حتى أن "ماكلوهان " الذي قسم وسائل الاتصال في العصر الإلكتروني إلى نوعين : ساخنة وباردة , قال : إن التليفزيون جعل الغريب مألوفاً وجعل الساخن بارداً . بمعنى أن المتفرج مُطالب دائماً بالمشاركة والتفكير والتمعن والإكمال التلقائي للصورة التي يستقبلها لأنها صورة ناقصة باٍعتبارها محدودة في 12، أو 14، أو 19، أو 21، أو 26 بوصة . ويؤكد "ماكلوهان"في كتابه "كيف نفهم وسائل الاتصال " أن وسيلة الاتصال هي الرسالة ، وأن مجرد الجلوس أمام التليفزيون رسالة في حد ذاتها ، بصرف النظر عن المادة . كما لا يمكن إغفال عامل السيطرة التي يفرضها التليفزيون على أوقات الناس مما أوجد جيلاً تليفزيونياً تأقلم بوقته وعاداته مع مواعيد الإرسال التليفزيونية . حتى أن محسن زايد يطلق على هذا الجيل التليفزيوني اسم "الكائن التليفزيوني" أما محمد فاضل فيطلق عليه اسم "حيوان تليفزيوني " . والنتيجة أن التليفزيون عندما دخل ساحة الصراع على جمهور السينما ـالتي كانت تعتبر وسيلة الترفيه الأولى ، والتي زاد الإقبال عليها مع دخول الصوت ، ونجحت في معالجة الروايات والقصص بإمكانيتها الجبارة وكان يطلق عليها أم الفنون لاحتوائها على كل شيء ـ سحب جمهوراً كبيراً من عشاق الجلوس في البيت . وباعتماده على الصورة والتقريب والفورية وإثارة الاهتمام باللون والحركة ،استقطب الملايين من الأميين والكسالى والمكدودين ، في عالم أصبحت متطلباته المادية وعوامل التضخم تشغل الكثيرين عن التعمق وتدفعهم إلى الاكتفاء بما يجود به التليفزيون .كما أنه نجح في أن يحتل عرش الاتصال بعدما أضافت له الأقمار الصناعية إمكانيات هندسية واسعة ، فضلاً عن دخول الكمبيوتر في برمجته وتغطيته لكل شاردة وواردة تهم المتفرج .


المصدر :
http://www.arabfilmtvschool.edu.eg/