لا يفلح المؤمنون في مشاريع حياتهم إلا إذا كان مبدأ التشاور قائماً بينهم:
أيها الأخوة الكرام, في سورة الشورى قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
[سورة الشورى الآية: 38]
يصف الله المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم, فردية لا يوجد, استبداد لا يوجد, تفرد بالقرار لا يوجد، أمرهم شورى بينهم، في أي مؤسسة، في مدرسة، في مستشفى، في جامع, في أي تجمع لا بد من أن يكون في هذا التجمع نظام الشورى؛ أي المشاورة.
فإذا أبى المؤمن أن يستشير لظنه أن قراره هو الحكيم, فليقرأ قوله تعالى يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم-:
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 159]
يأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم، و يوحى إليه، وبينه وبين أقرب صحابي له ما بين السماء والأرض، ومع ذلك: أُمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشاور أصحابه، فالإنسان لا يفلح في أي قيادة, إلا إذا اتخذ هذه الآية منهجاً له، وشاورهم في الأمر.
من هنا يتفوق الغربيون علينا في نظام فريق العمل، في تعاون فريق العمل، في شورى فريق العمل، في استشارة من كل طرف إلى الطرف الآخر، نحن ينقصنا كمسلمين التعاون، وينقصنا الشورى، وتنقصنا -بالتعبير المعاصر- نظام المؤسسات، نظام المؤسسات مبني على نموذج، ونظام دقيق جداً، حيث كل إنسان له موقع يتناسب مع الموقع الآخر، ليس هناك تنافس، ولا محاور، ولا تكتلات، إنما هي تعاون، وكل إنسان يقدم خير ما عنده، والمجموع لواحد، والواحد للمجموع.
لكن في قوله تعالى:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾
[سورة الشورى الآية: 38]
المؤمنون كمجموع أو كجماعة لا يفلحون إلا إذا كان التشاور ديدنهم، أحياناً تظهر أفكار لم تخطر في بال المجموع، لكن باجتماعهم وحوارهم ومشاوراتهم تنبع أفكاراً جديدة جميعهم مفتقرون إليها، و:
((يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذ بالنار))﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾
[سورة الشورى الآية: 38]
هذه صفة المؤمنين.
ولئلا يكون هذا التشاور فيه غضاضة على أحد المؤمنين, أمر الله نبيه المعصوم الذي يوحى إليه, قال له: وشاورهم في الأمر.
حتى في البيت هناك من لا يستشير امرأته إطلاقاً، مع أن الله عز وجل قال:
﴿وَائتمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾
[سورة الطلاق الآية: 6]
ائتمروا: فعل أمر مشاركة؛ يعني تأمرها، وتأمرك تنصحها وتنصحك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلح الحديبية استشار امرأته أم سلمة، فأشارت عليه، ونفذ مشورتها، فتحقق الهدف بفضل مشورتها.
والنبي مشرع حتى في سلوكه؛ فعلى مستوى الأسرة، على مستوى مدرسة ابتدائية، ثانوية، معمل، مستوصف، مستشفى، أي تجمع له قيادة، هذه القيادة لا تفلح إلا إذا اعتمدت نظام المشاورة، هذه حضارة، وهذا هو ديننا:
أمرهم شورى بينهم.
وشاورهم في الأمر.
كل إنسان إذا استشار إنساناً استعار عقله، واستعار خبرته، واستعار تجاربه، يمكن أن تستعير عقولاً عملاقة بسؤال مؤدب، يمكن أن تستعير إنساناً لا يوجد عليه ضغط.
أحيانا أنت في موقع يوجد عليك ضغط، الضغط الشديد يعمي بصيرتك، قد تسأل طفلاً بعيداً عن هذا الضغط، فيعطيك الصواب.
أنا ما رأيت إنساناً نجح في حياته إلا وهو يشاور من حوله، وما رأيت إنساناً وقع في شر عمله إلا إذا استبد في رأيه، فالمستبد في رأيه لا ينصح أبداً، والإنسان حينما يصغي لمن يعارضه، ويصغي لمن ينتقده يرقى، أما إذا قمع المعارضة والنقد ينتهي هو قبل خصمه.
أيها الأخوة الكرام, هذه خصيصة للمؤمنين، هي خصيصة وتوجيه، والتوجيه للنبي أبلغ:
وشاورهم في الأمر.
فمن أنت حتى لا تشاور؟ إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق قد أمر أن يشاور, من أنت حتى لا تشاور؟ المشاورة أحد أسباب النجاح.
خاتمة القول :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين