اللغات الطبيعية واللغات الصورية

اللغات الطبيعية (Natural languages) هي اللغات التي يتكلم بها الناس، مثل الإنكليزية، العربية و الفرنسية. لم يُصمِّم البشر هذه اللغات (على الرغم من أنهم يحاولون فرض بعض القواعد عليها)؛ بل تطورت هذه اللغات طبيعياً.
اللغات الصورية (Formal languages) هي لغات صممها الناس لتطبيقات مخصصة. مثلاً، الرموز التي يستخدمها الرياضيون لغة صورية وهي ملائمة بصورة خاصة لتدوين العلاقات بين الأرقام والحروف. الكيميائيون يستعملون لغة صورية للتعبير عن البنية الكيميائية للجزيئات. وأهم شيء:
لغات البرمجة هي لغات صورية صممت للتعبير عن الحسابات (computations).
كما ذكرت سابقاً، اللغات الصورية لها قواعد نحوية صارمة. مثلاً، 3 + 3 = 6 عبارة رياضية صحيحة نحوياً، لكن 3 = +6$ ليست كذلك. أيضاً، H2O اسم مركب كيميائي صحيح نحوياً، لكن 2Zz ليس كذلك.
القواعد النحوية تأتي في صفتين غالبتين، قواعد الرموز وقواعد البنية. الرموز هي العناصر الرئيسية للغة، مثل الكلمات والأرقام والعناصر الكيميائية. أحد الأخطاء الموجودة في العبارة 3=+6$ هو أن $ ليس رمزاً رياضياً (بحسب معرفتي). بشكل مشابه، 2Zz ليس صحيحاً لعدم وجود عنصر يرمز له بالاختصار Zz.
النمط الآخر من الأخطاء النحوية مرتبط ببنية العلاقة؛ وهي الطريقة التي ترتب وفقها الرموز. بنية العبارة 3=+6$ غير صحيحة، لأنك لا تستطيع كتابة علامة الجمع بعد علامة المساواة مباشرة. أيضاً، الأرقام في الصيغ الجزيئية الكيميائية تأتي بعد اسم العنصر، وليس قبله.
عندما تقرأ جملة بالإنكليزية أو عبارة بلغة صورية، عليك معرفة بنية الجملة (برغم أن ذلك يحدث بدون وعي مع اللغات الطبيعية). هذه العملية تدعى إعراب (parsing).
ومع أن اللغات الطبيعية والصورية تملك العديد من المقومات المشتركة ─رموز، بنية، نحو، ومعاني─ إلا أن الاختلافات عديدة.
الغموض: اللغات الطبيعية ملئا بالالتباسات، ويتعامل الناس معها اعتماداً على السياق ومعلومات أخرى. اللغات الصورية مصممة لتكون خالية من الالتباس تماماً أو تقريباً، ما يعني أن العبارة الواحدة لها معنى واحد، بغض النظر عن مكان وجودها في النص.
الحشو: في سبيل تفسير الغموض في اللغات الطبيعية والتقليل من سوء التفاهم، تحوي اللغات الطبيعية على الكثير من الإسهاب. كنتيجة لذلك فهي غالباً ما تكون محشوة. اللغات الصورية تكون أقل حشواً وأكثر إيجازاً.
الحرفية: اللغات الطبيعية غنية بالمصطلحات والمجازات. اللغات الصورية تعني تماماً ما تقول.
إن الأشخاص الذين كبروا وهم يتحدثون لغة طبيعية (كل الناس) غالباً ما يواجهون صعوبة عن التحول إلى لغة صورية. بشكل أو بآخر فإن الاختلافات بين اللغات الطبيعية والصورية تشبه الاختلافات بين الشعر والنثر، ومع ذلك:
الشعر: يستعمل الكلمات لصوتها ورنتها كما لمعناها، والقصيدة بالكامل تعطي أثراً أو رد فعل عاطفي. الغموض ليس شائعاً فحسب بل هو متعمد.
النثر: المعنى الحرفي للكلمات أهم والبنية تشارك في إضافة المعاني. النثر أكثر قابلية للتحليل من الشعر، لكنه يظل غامضاً أحياناً.
البرامج: معنى برنامج الكمبيوتر واضح ولا يقبل الالتباس، ويتم فهمه التام بتحليل رموزه وبنيته.
إليك بعض الاقتراحات لقراءة البرامج (وأية لغات الصورية أخرى). أولاً، تذكر أن اللغات الصورية كثيفة أكثر من اللغات الطبيعية، لذا فهي تأخذ وقتاً أطول لفهمها عادةً. أيضاً، البنية شديدة الأهمية، لذلك فإن القراءة من اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى الأسفل ليست فكرة جيدة دائماً. بدلاً من ذلك، تعلم تتبع البرنامج و"إعرابه" في رأسك، متعرفاً الرموز ومفسراً البنية. أخيراً، تذكر أن التفاصيل تحدث فرقاً. الأشياء الصغيرة مثل الأخطاء الإملائية والترقيم السيئ، والتي تستطيع الإفلات بها في اللغات الطبيعية، يمكنها أن تحدث فروقاً هائلة في اللغات الصورية.