من موقع البلد :
عرض وتحليل/ ‬حسين كريش :

عاد بعد خمسين عاماً ‬من الغربة خارج الوطن إلى مسقط رأسه بمحافظة تعز، ‬ليقتفي ‬أثرها بعد أن قرر الانتقام منها.. ‬ظل ‬يبحث عنها ويترصد لها حتى وجدها في ‬منتصف صباح ذلك اليوم ولمحها وهي ‬واقفة على سلم الدرج في ‬مبنى المحكمة تتكلم مع أحد الأشخاص كان له قضية منظورة بالمحكمة، ‬فسارع إليها بخطواته، ‬وباشرها طعناً ‬بسكين كانت بحوزته وقد استعد بها من قبل لهذا الغرض، ‬والطعنة كانت في ‬بطنها، ‬بحيث هوت على أثرها مرتمية على سلم الدرج نازفة الدماء، ‬وتصرخ متوجعة وقائلة بصوت خافت متقطع: ‬قتلني ‬الــ... ‬قتلني ‬غدر بــ... ‬وأراد هو حينها أن ‬يستأنف هجومه عليها ويكرر طعنها، ‬ولكنه رآها صمتت عن الصراخ والكلام، ‬وبدأت حركتها تتلاشى وتتوقف كأنها أوشكت على الدخول في ‬غيبوبة كبداية لمنازعة سكرات الموت.

مكث واقفاً ‬والسكين بيده ‬يحدق بنظراته إليها أو ‬ينفرج عليها، ‬بينما ذلك الشخص الذي ‬كانت هي ‬واقفة تتكلم معه أبتعد مصعوقاً ‬وهارباً ‬مرتعباً ‬نحو داخل مبنى المحكمة وهو ‬يصيح : ‬أنقذوها .. ‬امسكوا الجاني.. ‬الرجل طعنها.. ‬فتقافز في ‬هذه الأثناء ضابط وأفراد شرطة المحكمة عند سماعهم صوته والتفوا حول الرجل الجاني ‬وهو لم ‬يزل في ‬مكانه، ‬ووضعوا قبضتهم عليه، ‬وليجد نفسه بعد ذلك محتجزاً ‬خلف القضبان وبين جدران أربعة.. ‬وها هي ‬التفاصيل من بدايتها..‬

وفي ‬ذلك اليوم الاثنين والساعة تشير إلى العاشرة صباحاً ‬وصل البلاغ ‬هاتفياً ‬إلى الضابط المناوب بمركز شرطة عصيفرة بتعز، ‬والبلاغ، ‬من ضابط أمن محكمة الشرق في ‬تعز، ‬عن تعرض إحدى الأخوات، ‬وهي ‬امرأة محامية، ‬أثناء تواجدها في ‬مبنى المحكمة لطعنة قاتلة من قبل رجل بشكل مباغت، ‬وهذا الشخص (الجاني) ‬تم ضبطه والتحفظ عليه بمكتب أمن المحكمة، ‬بينما المرأة المجني ‬عليها تم نقلها وإسعافها إلى مستشفى الثورة بالمدينة، ‬وعليهم الحضور سريعاً ‬لعمل إجراءاتهم واستلام الجاني، ‬كون المكان من إختصاص المركز..‬

فانتقلوا من المركز عقب هذا البلاغ ‬إلى مبنى المحكمة، ‬واستلموا من هناك المتهم (‬الجاني) ‬مع السكين ( ‬أداة الجريمة) ‬وأوصلوا المتهم للمركز ووضعوه رهن الحجز في ‬ذمة الواقعة، ‬ثم اتجهوا متحركين إلى المستشفى حيث وجود المجني ‬عليها لمعاينة حالتها ومحاولة أخذ إفادتها إن سمحت الحالة لها بذلك..‬

وقد حالفهم الحظ ووجدوا حالة المجني ‬عليها تسمح بالكلام معها عند وصولهم للمستشفى، ‬وكانت لم تزل على قيد الحياة، ‬ولم تسئ بعد وتصل للغيبوبة التامة وخطورة الوفاة.. ‬حيث تمكنوا من سؤالها، ‬وأجابت هي ‬بما ‬يفيد: ‬إن الجاني ‬عليها والذي ‬قام بطعنها هو شخص ‬يدعى/ ‬هشام ‬، ‬وهو الرجل نفسه الذي ‬سبق ضبطه وإيصاله للمركز والتحفظ عليه.. ‬وأن الشخص المذكور هاجمها وطعنها فجأة بسكين كانت بحوزته ومستعداً ‬بها سلفاً، ‬وذلك أثناء تواجدها على سلم الدرج في ‬مبنى محكمة شرق تعز، ‬وأنه فعل ذلك بشكل مفاجئ وبطريقة مباغتة لم تكن تتوقعها، ‬ولم ‬يخطر على بالها أنه سيفعلها لأنها كان تعرفة من قبل، ‬وهو رجل كبير السن، ‬ويناهز في ‬عمره ما ‬يتعدى العقد السادس، ‬وبدأ إكتمال الشيب فيه، ‬ومن الصعب تصور إقدامه على ارتكاب ما فعله وهو في ‬ذلك العمر..‬

وأضافت المرأة رداً ‬على سؤالها عن سبب إقدام الرجل على الإعتداء عليها وطعنها بأن معرفتها بالمتهم كانت منذ فترة ‬، ‬وذلك أنه وكلها كمحامية له في ‬قضية بينه وشخص أو أشخاص آخرين لتترافع عنه بالمحكمة ثم اختلفت وإياه، ‬وألغت هذه الوكالة قبل عدة أيام على إثر اختلافها معه، ‬وامتنعت أن تستمر في ‬الترافع عنه كمحامية له بالقضية التي ‬بينه والطرف الخصم، ‬ويبدو أن هذا ما أغاظه ودفعه لطعنها بنية قتلها وبغرض الانتقام منها.. ‬أو هذه كانت إفادة المجني ‬عليها التي ‬حصل عليها رجال شرطة المركز منها..‬

وكانت المرأة (‬المغدورة) ‬كما تبينت لهم خلال ذلك ‬يافعة ‬وناضجة ومتطلعة للحياة، ‬وامتهنت سلك المحاماة بعد تخرجها من كلية الشريعة والقانون بالجامعة لتشق طريقها وتقطع شوطاً ‬في ‬هذا المجال كمحامية جديرة بالكفاءة والقدرة على المنافسة وتحقيق استباق النجاح بين نظرائها في ‬عديد من القضايا التي ‬تولتها وترافعت عنها بالمحاكم..‬

وإصابتها أو الطعنة التي ‬بها كانت وسط البطن، ‬وغائرة وعميقة بل وخطيرة جداً، ‬وبحسب إفادة الأطباء في ‬المستشفى لقد اخترقت وقطعت أكثر الأحشاء من الداخل، ‬والنجاة ‬منها- ‬إذا حدثت- ‬تكون بمعجزة الله وقدرته إذا أراد هو ذلك جلت عظمته ومشيئته سبحانه.. ‬ولكن كما جاءت به الأيام الثلاثة التالية وظهر ما سبق أن كتب في ‬علم الله وقدره، ‬فإن حالة المرأة المجني ‬عليها قد ساءت خلال هذه الأيام ودخلت في ‬غيبوبة تامة ونهائية، ‬ثم لفظت أنفاسها وفارقتها الروح في ‬مساء اليوم الثالث متأثرة بإصابة الطعنة لتصير جثة هامدة، ‬وتتحول القضية وقتها إلى جريمة قتل ‬، ‬لها إجراءات متغيرة ونوعية تختلف عن تلك المتبعة في ‬القضايا أو الجرائم التي ‬هي ‬أهون وأقل جسامة منها..‬

إذ اتجه فريق شرطة المركز إلى سرعة طلب مختصي ‬الأدلة الجنائية وإجراء المعاينة الفنية والتصوير للجثة والمكان ‬، ‬والتشديد في ‬التحفظ على المتهم (‬الجاني) ‬بنقلة إلى حجز إنفرادي ‬بعيداً ‬عن الأعين حفاظاً ‬على حياته ومنعاً ‬لتسرب أبة معلومة منه وإليه حتى ‬يتم استنطاقه وفتح محاضر جمع الأستدلالات معه، ‬واستيفاء محاضر الأفادات والقرائن المتعلقة بإرتكاب الواقعة وملابساتها، ‬ثم حصر شهود الواقعة وهم ‬الأشخاص الذين كانوا متواجدين في ‬المكان وبالقرب من ساحة وسلم الدرج بالمحكمة أثناء وقوع الجريمة، ‬ومتابعتهم وأخذ شهاداتهم كإثباتات اساسية من ضمن أدلة وشواهد الواقعة إضافة إلى جمع ما أمكن من المعلومات الاستدلالات التي ‬لها صلة بالجريمة من قريب أومن بعيد وحتى النهاية.‬

وكانت خلاصة ما توصلوا إليه من خلال كل ذلك، ‬ومما لاحظوه وتكشف لديهم، ‬وبالأخص عند فتح المحضر مع المتهم (‬الجاني) ‬ومباشرته بطرح الأسئلة عليه، ‬أن هذا تغشته عليه الإبتسامة وإشراقة الوجه والفرحة الغامرة وحينما أخبروه أن المحامية (‬المجني ‬عليها) ‬توفت ولقت حتفها قتيلة نتيجة الطعنة التي ‬أصابها بها، ‬وأنه صار متهما (‬قاتلاً) ‬عمداً ‬مع سبق الإصرار والترصد .. ‬فلم ‬يظهر عليه ما ‬يشير إلى أنه تأثر وأبتأس أو شعر بشيء من المبالاة والخوف والندم أثناء ذلك على عكس جيع المتهمين بجرائم القتل أو معظمهم الذين ‬يقفون نفس الموقف وتبرز على سماتهم علامات الانهيار والارتباك والخوف والإدراك لبشاعة المصير المنتظر والقريب لكل منهم، ‬وبالذات أولئك مرتكب القتل عمداً ‬مع سبق الإصرار والترصد والذين ‬يعرفون إثبات إدانتهم ويستشعرون النهاية الفظيعة لأي ‬منهم كجزاء محتوم في ‬آخر المطاف، ‬وهي ‬الإعدام، ‬وبعده الاستقرار في ‬جهنم بالآخرة، ‬بل أنه - ‬أي ‬الرجل المتهم - ‬أبدى جرأة وصراحة ‬غير معهودتين ولامألوفتين عندما أجاب على سؤالهم له حول رتكاب لجريمة القتل العمد...‬؟ .

فقد رد بنبرة مباشرة قائلاً: ‬كنت حزيناً ‬في ‬البداية حينما علمت أن المرأة لم تمت وأنها أسعفت للمستشفى وهي ‬ومازالت على قيد الحياة، ‬ولكن بعد أن عرفت وأبلغوني ‬بموتها شعرت بالراحة وبذهاب الغيظ والقهر عني .. ‬وفي ‬الحقيقة وبكل صراحة أنها تستاهل القتل .. ‬وكنت أتمنى لوأ نني ‬أستطيع قتلها أكثر من مرة ‬، ‬بل ومئة مرة، ‬وليس مرة واحدة فقط، ‬كما أنني ‬لست نادماً ‬على ما فعلت، ‬ولن أكون نادماً ‬حتى وأنا أعرف المصير الذي ‬ينتظرني ‬على مارتكبت، ‬وسأكون مرتاحاً ‬ومستعداً ‬لاستقبال ذلك بكل رضى، ‬ويكفيني ‬أنني ‬سوف أواجه الموت (‬الإعدام) ‬والذي ‬هو نهاية كل كائن حي ‬طال العمر أم قصر، ‬وأنا في ‬داخلي ‬وكياني ‬ووجداني ‬أشعر بكامل الفرح والسعادة والسرور لنجاحي ‬في ‬القيام بقتل المرأة ( ‬المجني ‬عليها) ‬والتخلص منها، ‬ولأني ‬حققت بقتلها ما أريد وأزلت ما كان ‬يحز في ‬نفسي ‬وظل ‬يؤرقني ‬ويعذبني ‬لأيام وليالي ‬طويلة...‬و.... ‬بقي ‬الأحداث في ‬الحلقة الثانية والأخيرة الأحد القادم إن شاء الله تعالى وإلى اللقاء.‬

أكثر ما حير ضباط التحقيق واستغربوا له هو ما لاحظوه على الرجل المتهم الجاني ‬عند مباشرتهم لفتح أول محضر معه واستنطاقه.. ‬فقد ظهر هادئاً، ‬منبسط المحيا، ‬وشبه ابتسامة تخرج من فمه، ‬كأنه ليس مبالياً ‬بالموقف الذي ‬يواجهة وخطورة جنايته التي ‬فعلها وما ‬يترتب عليها من مصير مجهول مخيف ‬ينتظره... ‬بل انطلق ‬يعبر عما مر ويشعر به بداخله بنبرة مباشرة وجريئة وبما تعنيه الصراحة بقوله:‬
أصدقكم القول أنني ‬في ‬البداية كنت حزيناً ‬عندما علمت أن المرأة "‬المجني ‬عليها" ‬أسعفت للمستشفى وأنها لم تزل على قيد الحياة، ‬ولم تمت، ‬وكدت انفطر من الغيظ والقهر بسبب ذلك، ‬ولكن بعد أن تبلغت بموتها وتأكدت أنها صارت جثة هامدة مودعة في ‬ثلاجة المستشفى أحسست بالانتشاء وغمرتني ‬الفرحة، ‬وذهب عني ‬كل ‬غيظ لأنها في ‬نظري ‬تستاهل القتل، ‬وكنت أتمنى لو أستطيع قتلها مائة مرة وليس مرة واحدة لأن ذلك ‬يشفي ‬غليلي ‬ويريحني ‬أكثر وأكثر ولن أشعر بالندم على قتلي ‬لها.‬

فكان هذا وغيره ما جعل رجال التحقيق ‬يقفون موقف المستغرب المتسائل والمتحير تجاه الرجل "‬المتهم" ‬ويضعون في ‬تفكيرهم حوله أكثر من افتراض، ‬وذلك أنه ربما وصل في ‬اقتهاره من المجني ‬عليها لدرجة لم ‬يعد ‬يستطع الصبر عليها، ‬وأنها لا شك فعلت به شيئاً ‬جعله ‬يتغير نحوها ويتحول بوجدانه وكيانه إلى كتلة من نيران الحقد والكراهية لها، ‬ثم ‬يحصر كل أمنيته وتفكيره في ‬أن ‬يتخلص وينتقم منها كرد فعل على ما فعلته به.‬

وقد سألوا الرجل المتهم عن فحوى ذلك وسره، ‬والسبب الحقيقي ‬لإقدامه على ارتكاب الجريمة وبصيغة الكيفية ومفردات القصة الخفية لما حدث بينه والمرأة "‬المجني ‬عليها" ‬ومعرفته وعلاقته بها من البداية.‬
فأجاب المتهم كمن ‬يلخص الأحداث ويفتح الأبواب المغلقة لسرد كل ما هو مكبوت ويختزنه بداخله، ‬معترفاً ‬وقائلاً.‬

لفترة خمسين عاماً ‬أو تزيد قضيتها من عمري ‬في ‬الغربة وفي ‬بلاد المهجر.. ‬تركت أرض الوطن إلى إحدى البلدان العربية الشقيقة وأنا في ‬مقتبل الصباح وانفتاح الشباب الصغير.. ‬هاجرت بطموح الرؤية كأي ‬فتى ‬يتطلع لشق طريقه في ‬الصخر من أجل بناء نفسه ومن أجل صنع مستقبله.. ‬ولم ‬يكن الطريق هذا "‬طريق الغربة" ‬معبداً ‬بالورود ولا بحدائق الزهور، ‬ولكنه كأي ‬مسلك للاغتراب المجهول كان مليئاً ‬بالأشواك والأسلاك الشائكة التي ‬لا ترحم، ‬ومعايشتها تعني ‬المكابدة ومواجهة كل أصناف المشقة والتعب والمعاناة، ‬وعذاب الافتراق والاحتراق، ‬وكذا الم الشوق والحنين إلى الأهل وتراب الوطن البعيد.‬

عملت في ‬الأعمال الصغيرة والثقيلة، ‬واشتغلت في ‬عديد من المهن التي ‬أجورها كانت ضئيلة ومجحفة.‬. أيام وليالٍ ‬مرت كأنها قرون.. ‬البعد عن الأهل والأحباب ومكابدة الأمرين في ‬بلاد المهجر ليس بالسهل ولا بالهين.. ‬ومع ذلك على مدى خمسين عاماً ‬هي ‬أحلى سنين الشباب والعمر ضاعت من حياتي ‬في ‬بلاد الغربة، ‬تحملت خلالها الكثير والكثير، ‬وواجهت فيها مختلف أنواع البؤس والشقاء والعناء، ‬وصرير الجوع، ‬والسهر، ‬والصبر على كل عسير.. ‬ولم أتذمر ‬يوماً.. ‬كنت متحمساً ‬ومصراً ‬على صنع المستحيل.. ‬على تحقيق كافة أحلامي.. ‬كل همي ‬كان أن أجمع أكبر قدر من المال، ‬وأعود إلى الوطن في ‬نهاية المطاف وقد حققت وامتلكت ما حلمت به في ‬تلك السنين الطويلة، ‬وهو أن أبني ‬منزلاً ‬وأسرة، ‬وأصنع مستقبلاً ‬عن طريق الاستثمار في ‬أي ‬شيء لكي ‬أستقر في ‬الوطن وأعيش كأمير أنا والعائلة.. ‬وهذا كان طموحي ‬وحلمي.‬
وما تطلعت إليه خلال سنوات الغربة.. ‬ولكن.. ‬وآه من لكن..!‬؟

فلقد حدث في ‬السنوات الأخيرة أن اختلفت أنا وأحد الأشخاص الذي ‬خانني ‬وقام وأخذ عليّ ‬عمارة أو عقاراً ‬يقدر ثمنه بالملايين مقابل شيكات ‬غير مقبولة الدفع.. ‬ووصل هذا الخلاف بيني ‬وبينه إلى النيابة والمحاكم، ‬وقمت من أجل ذلك بعمل تفويض للمرأة المحامية لتكون وكيلتي ‬وتتولى الترافع بإسمى في ‬قضية النزاع بيني ‬وغريمي ‬بالنيابة والقضاء.. ‬وكنت مؤمنا لها وواثقاً ‬فيها بأنها ستكون وفية لي ‬ومخلصة معي ‬وعند حسن الظن كونها ممثلة لي ‬في ‬القضية حتى النهاية.. ‬وقد أعطيتها الكثير والكثير من المبالغ ‬المالية مقابل اتعابها ولم أقصر معها من البداية وبشكل متتابع، ‬بل وأغدقت عليها بما هو أكثر من ذلك.. ‬غير أنه للأسف وبعد فترة ليست بالقليلة والقضية من محكمة إلى محكمة والغرامات "‬التكاليف" ‬من مئات الآلاف إلى مئات الآلاف، ‬أفاجأ مؤخراً ‬وبين ليلة وضحاها بأنها أي ‬المحامية قد خانتني ‬وطعنتني ‬في ‬الظهر، ‬وأنها ضيعت حقوقي ‬وأموالي ‬التي ‬قمت بجمعها وكانت ثمرة ‬غربتي ‬طيلة خمسين عاماً ‬في ‬بلاد المهجر، ‬وتسببت قصداً ‬وعمداً ‬في ‬نسف كل ما هو لي ‬ومن حقي ‬نسفاً.

‬وليس ذلك وحسب، ‬ولكنها قامت في ‬الآونة الأخيرة بإلغاء تفويضي ‬ووكالتي ‬لها كمحامية تمثلني، ‬وتسجيل هذا الإلغاء والتصديق عليه في ‬مكتب وزارة الخارجية بتعز ليكون شرعياً ‬ورسمياً، ‬وذلك ما كان بمثابة الضربة القاضية التي ‬وجهت لي ‬منها، ‬والصدمة التي ‬جعلتني ‬أدور حولي ‬نفسي، ‬وأفقد عقلي، ‬وأحس كأنها الطعنة التي ‬قصمتني ‬من العمق.. ‬فلم أعد أدري ‬ما أفعل بعد ذلك، ‬ولم أستطع التحمل، ‬وكدت أجن.. ‬ثم قررت تحت نيران القهر التي ‬اشتعلت بداخلي ‬ووساوس الشيطان التي ‬استولت عليّ ‬وقذفت بي ‬للشعور باليأس أن أنتقم منها (‬أي ‬من المرأة المحامية) ‬والانتقام منها هو بقتلها وإن كان ذلك لا ‬يكفي ‬لإشفاء ‬غليلي ‬ولا ‬يحقق الجزاء الكامل على ما فعلته بي، ‬وعلى ما ارتكبته بحقي ‬من ‬غدر وخيانة من وجهة نظري.‬

ثم عدت من بلاد المهجر إلى الوطن بتعز ورحت أبحث عنها وأقتفي ‬أثرها وأترصد لها حتى عثرت عليها في ‬صباح ‬يوم الواقعة ورأيتها وهي ‬على سلم الدرج في ‬مبنى المحكمة فسارعت اليها وكنت قد تجهزت باقتناء سكين من الصنف الحاد اشتريتها من السوق سلفا وأخذت أحملها بحوزتي ‬أينما ذهبت لذات الغرض وباشرتها بطعنها بالسكين في ‬بطنها بمجرد اقترابي ‬منها وبلا كلام أو سلام قاصدا قتلها وكنت أريد استئناف الطعنة لها حتى أراها تموت بين ‬يدي ‬وأتأكد من تحقيق انتقامي ‬بانتهائها ولكن فوجئت خلال ذلك بتقافز الناس وشرطة مبنى المحكمة والتفافهم عليّ ‬وإمساكهم بي ‬بحيث وجدت نفسي ‬واقعا في ‬قبضتهم وعاجزا عن فعل أي ‬شيء، ‬وما فكرت فيه وكان همي ‬في ‬تلك الأثناء بعد القبض عليّ ‬واسعاف المرأة المجني ‬عليها هو ان أسمع وأتاكد بأنها لفظت أنفاسها وماتت نتيجة الطعنة ‬غير انهم أبلغوني ‬يومها أنها فاقت في ‬المستشفى وظلت على قيد الحياة وكدت أنشق كمدا وحسرة عند سماعي ‬ذلك وحزنت كثيرا ثم بعد إعلامي ‬بخبر وفاتها شعرت بالارتياح وزال عني ‬الحزن وهكذا كانت الواقعة..‬