الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين ، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهناك صنف من الناس دائم الشكوى والتبرم والتظلم ، ولا يكفّ عن إلقاء اللوم على غيره ، ويتساءل دائماً في حيرة وقلق :

لماذا لا يوفقني الله لطاعته ؟ لماذا يجعلني من أهل معصيته ؟ لماذا يبتليني بالأمراض والضعف في بدني ؟ لماذا يكدر عليّ معيشتي ؟ لماذا لا يجعلني أشعر بالسعادة والفرح والسرور ؟ لماذا يبتليني بالهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر ؟ لماذا يوقعني في المصائب والفشل والبلايا ؟ لماذا يبتليني بالغضب وضعف البصيرة ؟

ولو تأمل هذا المشتكي في ذلك ، لعلم أن الآفة فيه والبلية منه ، فسبب تلك الشرور والمصائب التي تحيط بالإنسان هي نفسه التي بين جنبيه ! قال تعالى
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [165: سورة آل عمران] ، وقال تعالى { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [79: سورة النساء] ، وقال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} [30: سورة الشورى]

فالجزاء من جنس العمل ، والحصاد من جنس البذرة ، واعمل ما شئت فكما تدين تدان !!

ولكن الإنسان لا يرى ذلك ؛ لأنه طُبع على الجهل والظلم وحُسن الظن بالنفس والرضى بأفعالها . قال تعالى
{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا } [72: سورة الأحزاب] .
وقال تعالى :
{إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [6: سورة العاديات] ، قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما : كفور جحود للنعم . وقال الحسن : هو الذي يعدُّ المصائب وينسى النعم . وقال أبو عبيدة : هو قليل الخير.

هكذا أنت أيها الإنسان ! أنت الظالم الجاهل .. الكفور الكنود .. الجحود لنعم الله تعالى .. إلا من رحم الله عز وجل من عباده الصالحين
{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [13: سورة سبأ] .

كيف تشتكي وأنت القاعد في طريق مصالحك تقطعها عن الوصول إليك ؟
وكيف تتبرم وأنت الغيم المانع لإشراق شمس الهدى على قلبك ؟
وكيف تتظلم وأن الحجر الذي قد سد مجرى الماء الذي به حياتك ؟

ومع ذلك تستغيث : العطش العطش !!

فليس منك أضر منك على نفسك كما قيل :
ما تبلغ الأعداءُ من جاهل *** ما يبلغ الجاهل عن نفسه
- فأنت الظالم وتدعي أنك مظلوم .. وأنت المعرض وتزعم أنهم طردوك وأبعدوك !!
- تولي ظهرك الباب .. بل تغلقه على نفسك .. وترمي مفتاحه وتضيعه وتقول :
دعاني وسدَّ الباب دوني فهل إلى *** دخولي سبيل بينوا لي قصتي !!
كن عاقلاً
*
أما العاقل فإنه ينظر إلى نفسه ، ويحاسبها ، ويعرف أنها محلُ جناية ومصدر البلاء ؛ لأنها خلقت ظالمة جاهلة ، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وفعل قبيح . وهذا النظر يدعوه إلى العمل على إخراجها من هذين الوصفين ، فيبذل جهده في تعلم العلم النافع الذي يخرجها عن وصف الجهل ، ويبذل جهده في اكتساب العمل الصالح الذي يخرجها به عن وصف الظلم .

ويرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها ، وأن يؤتيها تقواها ، وأن يزكيها فهو خير من زكاها ، فهو وليّها ومولاها ، وألا يكله إلى نفسه طرفة عين ، فإنه إن أوكله إليها هلك . قال تعالى { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [16: سورة التغابن].

* فيا عبد الله !
- إذا وقعت في معصية ، فاعلم أن ذلك منك لا من غيرك .
- وإذا نزل بك بلاء ، فبسبب جهلك وظلمك .
- وإذا عشت في ضيق وهم وغمّ وكرب وخوف وقلق ، فاعلم أن ذلك بسبب بعدك عن ربك ، وإعراضك عن خالقك وفاطرك .. فانظر في نفسك .. ودققّ النظر ، فسترى سبب ذلك لائحاً أمام عينيك . أما إذا لم تر ذلك ، فالأمر كما قال الشاعر :

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ *** وينكر الفم طعم الماء من سقم
قال تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [سورة الزلزلة] .
كفى مخادعة
فيا من تشكو وتتظلم وتتبرم !
- أين أنت من القيام بواجب العبودية لله عز وجل ؟
- أين عبودية قلبك ؟
- أين عبودية لسانك ؟
- أين عبودية جوارحك ؟
- أين أنت من الصلاة ؟
- أين أنت من الزكاة ؟
- أين أنت من الصيام ؟
- أين أنت من الزكاة ؟
- أين أنت من الحج ؟
- أين أنت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
- أين أنت من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران ؟
- أين أنت من مصاحبة الأخيار والتخلق بأخلاقهم ؟
- أين أنت من ترك صحبة الأشرار وتكثير سوادهم ؟
- أين أنت من مزاحمة العلماء بالركب وحضور مجالسهم ؟
- أين أنت من الاهتمام بشؤون المسلمين والدعاء لهم والتألم لآلامهم ومصائبهم ؟
- أين أنت من صدق الحديث والوفاء بالوعد وأداء الأمانة ، وترك الغيبة والنميمة والحسد والبغضاء ؟
- أين مراقبتك لله وقد جعلته أهون الناظرينَ إليك ؟
- أين شكرك للنعم وأنت تستخدم نعمه في محاربة ليلاً ونهاراً ؟
- أين حفظك للرأس وما وعى ؟
- أين حفظك للبطن وما حوى ؟
- أين ذكرك للموت والبلى ؟
- فالعين منك مسخَّرة في النظر إلى المحرمات ، ومشاهدة القنوات التي تعرض للعهر والفجور ، وتدعو إلى الفساد والرذيلة .
- واليدُ : جعلتها وسيلة لإيذاء من لا يحلُّ لك إيذاؤه ، أو لمس ما لا يحلُّ لك لمسه ، أو تناول مالا يجوز لك تناوله .
- الرجلُّ : وظفتها في السعي إلى الحرام ، وإيذاء عباد الله الصالحين ، بدلاً من السعي إلى الطاعات وإقام الصلوات .
- والقلب يهوى ويتمنى ..
- والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه .
قال تعالى :
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25) }[ سورة النــور].
سبيل النجاة
* أخي المفرّط !
هذا بعض ما جَنَتْه يداك .. وهذه عاقبة أفعالك ومعاصيك ، ولكنك لا تشعر : {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [22: سورة ق] .

* أما في الدنيا : فأنت من أعظم الناس غروراً .. ترجوا النجاة ، وتأمل السعادة والراحة ، وتطمع في الفرح والسرور والسكينة والطمأنينة ، مع أنك دائم السير في الطرق الموصلة إلى أضداد هذه الأمور .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ
احفظ الله يحفظك
هكذا قال صلى الله عليه وسلم : (( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك )) [رواه أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح ] .

قال الحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث ما ملخصه : (( يعني احفظ حدود الله وحقوقه ، وأوامره ونواهيه ، وحفظ ذلك : هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتناب ، وعند حدوده ، فلا يتجاوز ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهي عنه ، فدخل في ذلك فعل الواجبات جميعها وترك المحرمات كلها ... وذلك كله يدخل في حفظ حدود الله كما ذكره الله في قوله : {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ } [112: سورة التوبة]، وقال {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [32: سورة ق] ، وقد فسِّر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله ، وقد فسِّر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله ، وفسِّر بالحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها ، وكلاهما يدخل في الآية .

حفظ الصلوات الخمس
* ومن أعظم ما يجب حفظه من المأمورات : الصلوات الخمس. قال تعالى : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [238: سورة البقرة] ، وقال تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [34: سورة المعارج] .
حفظ الوضوء
*
وكذلك الطهارة فإنها مفتاح الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) [ رواه أحمد بسند حسن ] .

فإن العبد تنتقض طهارته ولا يعلم بذلك إلا الله ، فالمحافظة على الوضوء للصلاة دليل ثبوت الإيمان في القلب .

حفظ الأيمان
* ومما أمر الله تعالى بحفظه : الأيمان ، ولهذا لمَّا ذكر الله كفارة اليمين قال : { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [89: سورة المائدة] فمن حفظ أيمانه دلَّ على دخول الإيمان قلبه .

وكان السلف يحافظون على الأيمان ، فمنهم من كان لا يحلف بالله ألبتة ، ومنهم من كان يتورع حتى يكفّر عما شك في الحلف فيه .

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب ، ولا تصدر كثرة الحلف بالله إلا من الجهل بالله ، وقلة هيبته في الصدور .

حفظ الرأس والبطن
* ومما يلزم المؤمن حفظه : رأسه وبطنه وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه : حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات .

وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرَّم . وقد جمع الله ذلك كله في قوله تعالى :
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [36: سورة الإسراء].

ويدخل في حفظ البطن وما حوى : حفظه من إدخال الحرام عليه من المأكولات والمشروبات

حفظ اللسان والفرج
*
ومما يجب حفظه من المنهيات : حفظ اللسان والفرج . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة )) [ خرجه الحاكم ] .

وخرّجه البخاري من حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه :
(( من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة )) .

وقد أمر الله تعالى بحفظ الفروج خاصة ، ومدح الحافظين لها ، قال تعالى :
{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [30: سورة النــور] .
وقال تعالى :
{ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ } [35: سورة الأحزاب] .

وقد روي عن أبي إدريس الخولاني : أن أول ما وصّى الله آدم عند إهباطه إلى الأرض بحفظ فرجه ، وألا يضعه إلا في حلال .

الجزاء من جنس العمل
قوله : (( يحفظك )) يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله ، فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [40: سورة البقرة] ، وقال {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [152: سورة البقرة]. وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [7: سورة محمد] .
أنواع الحفظ
* وحفظ الله لعبده يتضمن نوعين : أحدهما : حفظه في مصالح دنياه / كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله .
قال تعالى :
{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [11: سورة الرعد] .
قال ابن عباس : هم الملائكة يحفظونه بأمر الله ، فإذا جاء القدر خلوا عنه .
وقال مجاهد : ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوامّ ، فما من شيء يأتيه إلا قال : رواءك ، إلا شيء قد أذن الله فيه فيصيبه .

صور حفظ الله للعبد في دنياه
* ومن حفظ الله للعبد في دنياه : أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله .
* قال بعض السلف : العالم لا يخرف . وقال بعضهم : من جمع القرآن متَّع بعقله .
وتأوّل بعضهم على ذلك قوله تعالى :
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) }[ سورة التين] .

وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته ، فوثب يوماً من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة ، فعوتب على ذلك فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر.

* وعكس هذا : أن الجنيد رأى شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا ضيّع الله في صغره ، فضيّعه الله في كبره !!
حفظه في أولاده
*
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده . كما قيل في قوله تعالى : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [82: سورة الكهف] أنهما حفظا بصلاح أبيهما .
* وقال محمد بن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها ، فما يزالون في حفظ من الله وستر .
* وقال ابن المسيب لإبنه : يا بنيّ لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحُفظ فيك ، وتلا هذه الآية :{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [82: سورة الكهف].
حفظه في أمواله
ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله عز وجل ، فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال .
* كان شيبان الراعي يرعى غنماً في البرية ، فإذا جاءت الجمعة خَطَّ عليها خطّاً ، وذهب إلى الجمعة ، ثم يرجع وهي كما تركها !!
* وكان بعض السلف في الميزان يزن بها دراهم ، فسمه الآذان ، فنهض ونفضها على الأرض ، وذهب إلى الصلاة ، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء .
حفظه من الجن والإنس
*
ومن الأنواع حفظ الله لعباده في دنياه : أن يحفظه من شر كلّ من يريده بأذى من الجن والإنس . كما قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [2: سورة الطلاق] .

قالت عائشة رضي الله عنها : يكفيه غمّ الدنيا وهمها .

وقال الربيع بن خثيم : يجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس .

وكتب بعض السلف إلى أخيه : أما بعد فإن من اتقى الله فقد حفظ نفسه ، ومن ضيّع تقواه ، فقد ضيّع نفسه ، والله الغني عنه .

حفظه من الحيوانات المؤذية
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه ، كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم حين كُسر به المركب ، وخرج إلى جزيرة فرأى السبع فقال له : يا أبا الحارث ! أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يمشي حوله ويدله على الطريق حتى أوقفه عليها ، ثم جعل يهمهم كأنه يودِّعه وانصرف عنه .

* ومن ضيّع الله ضيّعه الله بين خلقه ، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو نفعه ، ويؤذيه أخص أهله به وأرفقهم به .

كما قال بعضهم : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري .

* فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه ، والشرُّ كله مجموع في معصيته والإعراض عنه .
حفظ الدين
* النوع الثاني من الحفظ : وهو أشرفهما وأفضلهما : حفظ الله لعبده في دينه ، فيحفظ عليه دينه وإيمانه ؛ في حياته من الشبهات المردية ، والبدع المضلة ، والشهوات المحرمة ، ويحفظ عليه دينه عند موته ، فيتوفاه على الإسلام .

وهكذا كما حفظ يوسف عليه السلام ، قال : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [24: سورة يوسف].

فمن أخلص لله خلّصه الله من السوء والفحشاء ، وعصمه منهما من حيث لا يشعر ، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة .

* فمن قام بحقوق الله عليه ، فإن الله يتكفل له بالقيام بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة . فمن أراد أن يتولى الله حفه ورعايته في أموره كلها فليراع حقوق الله عليه ، ومن أراد ألا يصيبه بشيء مما يكره ، فلا يأت شيئاً مما يكرهه الله منه .

وكان بعض السلف يدور على المجالس ويقول : من أحبّ أن تدوم له العافية فليتق الله.

وقال العمري الزاهد : كما تحب أن يكون الله لك ، فهكذا كن لله عز وجل .

فما يؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه ، ولا يصيبه مكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل. كما قال بعض السلف : من صَفّى صُفِّي له ، ومن خلَّط خُلِّط عليه ..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
* * *
إعداد القسم العلمي بدار الوطن