رسالة إلى من أدرك العشر من رمضان



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رسالة إلى من أدرك العشر من رمضان



أخواني وأخواتي : دعوني أبارك لكم هذا اللقاء، أهنئكم أيها المسلمون وأنتم تصافحون أعظم ليالي العام، إنني أشعر أيها الأحبة وأنا أحدثكم على أعتاب هذه العشر أن ثمة فرصة تعاود الكرة علينا من جديد ، ثمة فرصة هذه المرة تفتح لنا أبواب النعيم ، ثمة فرصة تغسل أدراننا ، وتذيب أخطاءنا ، وتحيلنا إلى أعظم مخلوقين بين يدي ربنا. أيها المسلمون إن الفرص تلوح لكنها قد لا تعود ، والمؤمن الصادق هو من يستغل الفرص حين ما يرى بريقها، ليفوز في الدنيا والآخرة.
أحبتي: ما أحوجني وإياكم اليوم في ظل هذه العشر وقبل الوداع أن نحسن الإقبال على الله تعالى ، وأن نستدرك أيام التفريط ، وأن نعوّض ما فات، إنني أريد من نفسي ومنكم أن نتشبه بحال السابقين ، وأولى هؤلاء السابقين نبينا صلى الله عليه وسلم حين تخبر زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ( متفق عله ) زاد (مسلم) : وجد وشد المئزر . وكانت تقول رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ( رواه مسلم ).
إن الفرصة تبدو كبيرة في ملازمة محراب المسجد اليوم بالذات في مثل هذه العشر ، حرصنا على صلاة الجماعة مع الإمام ، وكثرة النافلة المقيدة والمطلقة ، سر من أسرار الموفقين في هذه الأيام ، أما الليل فحدث عنه حديث المحبين ، وصدق من قال : دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة ! يكفي أن الله تعالى جل جلاله وتقدست أسماؤه ينزل في ثلثه الأخير إلى السماء الدنيا فيقول : هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ متفق عليه .
أحبتي الغالين : بين يدينا في ليالي هذه العشر ليلة عظيمة القدر والشأن ، قال الله تعالى فيها : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} وقال صلى الله عليه وسلم : من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه ( متفق عليه )
أحبتي : الاعتكاف* طريقنا إلى سمو الروح ، وعالمَ ٌإلى تحقيق مقاصد القلب من الخشية والإقبال على الله تعالى ، فهو طريق للم شعث القلب ، ولم فرقته، وهو سنّة ماضية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول ، ثم اعتكف العشر الأوسط ، ثم اعتكف العشر الأخيرة واستقر اعتكافه في هذه العشر. ولئن كنا نشهد هذه العشر ونحن نلبس ثوب العافية فغيرنا يشهدها لكنه أسير على الأسرّة البيضاء. ولئن كنا نشهدها حقيقة فغيرنا تجرّع غصصه ورحل وكم كان يتمنّى أن يشهد شهودنا هذا فلنجتهد ونستغل الفرصة والله المتقبل منا جميعاً ...


* الإعتكاف حتى من بعد التراويح إلى قيام الليل وكفى والله المتقبل ...