هكذا العفة :
هذه تأملات في مظاهرالعفة التي وردت في قصة المرأتين مع موسى عليه السلام نذكرها على ما يلي:
1 ـ أن المرأتين وقفتا بعيداً عن الرجال ولذلك قال الله(وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ(القصص: من الآية23.

2 ـ أنهما حرصتا كل الحرص على قطع أي سبب يؤدي لاختلاطهما بالرجالولذلك كانتا} تَذُودَان{ غنمهما لئلا تختلط بغنم القوم.

3 ـ من مظاهر العفة كذلك: اختصارهما الكلام وعدم تطويله مع الرجلالأجنبي موسى عليه السلام حيث قالتا} لا نَسْقِي حَتَّىيُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{ )القصص: من الآية23) بدونأخذ وعطاء وزيادة ورد.

4 ـ من عفتهما عدمفتحهما الحوار مع موسى عليه السلام لأنه أجنبي عنهما حيث جمعتا في كلامهماالجواب على جميع الأسئلة المحتملة فكان الأصل أن موسى عليه السلام يسأل هذهالأسئلة:
لماذا تذودان غنمكما؟
لماذا لا تسقيان؟
إذن متى تسقيان؟
أليس عندكما ولي رجل؟
إذن لماذا لا يأتي ويسقي لكما؟

5 ـ عفة موسى عليه السلام أكمل من عفتهما فإذا كانت عفة المرأتينتمثلت في جملة واحدة فإن عفة موسى تمثلت في كلمة واحدة "ما خطبكما؟"
ثم لم يذكرالله عنه بعد ذلك مع المرأتين ولا كلمة واحدة إلى أن تم لقاؤهبأبيهما.

-6عفة موسى عليه السلام كذلك ظهرت في قيامه بالسقي بدونسؤال:
هل تريدان ذلك أم لا؟
فالوضع وظاهر الحال لايحتاج إلى سؤال ثم السؤال يحتاج إلى كلام وجواب وهذا ما لا يريده موسى عليهالسلام فقام وسقى لهما.

7 ـ كذلك أنه لما سقىلهما توجه مباشرة إلى الظل ولم ينتظر شكراً منهما وهذه فرصة لمرضى القلوب أنيزداد مرضهم ويتبادلوا أطراف الحديث وكلمات الشكر والعرفان فقد صنع لهما معروفاًوبدون طلب منهما ووقف معهما وسقى لهما.

8 ـ حرص المرأتين علىعدم الاختلاط بالرجال مع وجود المبررات التي نسمعها اليوم مثل:
أ ـ حاجتهما إلى الخروج.
ب ـ عدم وجود رجل ذكرقادر يخرج معهن.
ج ـ الناس عند البئر كثير فلا خلوة.
د ـ ظروف الحياة.
هـ ـ سيؤدي انتظارهماإلى تأخرهما.

والغريب أنه ومع كل هذه الأسباب إلا أنهما لم تختلطابالرجال فكيف ببعض الظروف اليوم التي هي أقل من ذلك بكثير؟
لكنها العفة.

9 ـ من عفة المرأتين: تقديمهما النفي في كلامهما، فقالتا} لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ{ ولم تقدما الإثبات فلمتقولا: "سنسقي بعد قليل" وتقديم النفي أبلغ في الجزم وأن الأمر لا يقبل النقاش.

10 ـ من عفة المرأتين: أنهما جعلتا غاية وقوفهما وعدم اختلاطهمابالرجال صدور الرعاء وليس أن تخف الزحمة فحسب أو يقل الرعاء.

11 ـ من مظاهر العفة في هذه القصة: مشي إحدى المرأتين بحد ذاته فقدخلا تماماً عن:
أ ـ تسكع.
ب ـ تبرج.
ج ـ تبختر.
د ـ تكسر وتثنٍّ.
هـ ـ التفات.
و ـ إغراء.
فجمع الله هذه الأشياءبقوله} استحياء{.
لفظ " استحياء " يختلفعن لفظ "حياء" لأنه يحتوي على معنى الحياء وزيادة كما تقتضيه زيادة الألف والسينوالتاء في لغة العرب.

12 ـ أنه لما طلبأبوهما أن يحضر موسى عليه السلام لم تخرجا جميعاً كما خرجتا في السقي لأنالحاجة لا تستدعي ذلك وهذا هو تقدير الضرورة بقدرها فسبحان الله مع العفة فقه..

13 ـ أن التي أتت موسى عليه السلام لم تنسب لنفسها الكلام، فقالت } إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ{ ولم تأت بلفظ يحتمل معاني أوفيه تعريض بنفسها.

14 ـ أنهما لم يصرحابموسى بل أشارتا إليه كل ذلك حياء، فقالت إحداهما) إِنَّخَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (القصص: من الآية26.
ولم تقل: إنه قوي أمين فعل كذا وكذا بل جاءت بصفات الأجير الناجحولا عجب فمع العفة في عدم المخالطة واختصار الكلام هناك حياء حتى فيالألفاظ، والعناية بها.

15 ـ قيل في سبب قولالمرأتين عن موسى: (الأمين)لأنه قال لهما وهماآتيتان إلى أبيهما: "كونا ورائي فإذا اختلفت علي الطريق فاحذفا لي بحصاة أعلم بهاكيف الطريق".
فأي عفة فوق هذه العفة التي تمنع حتى إرشاده إذا ضلالطريق باللسان؟
فصلى الله عليه وعلىرسولنا الكريم.

16 ـ لما كان موسى معالمرأتين في البداية ثم مع إحداهما بعد ذلك كانت كلما ته مختصرة جداً فلما التقىالرجل بالرجل موسى بأبيهما لم يقتصر على جملة واحدة أو قصة بل(وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ (القصص: من الآية25.