هل يشترط أذن ولي الأمر في دعاء القنوت ؟!
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
طالب في مرحلة الدكتواره في الفقه
مستشار أسري


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ، وبعد :
فإن من العبادات الجلية، والطاعات العظيمة ،الدعاء إذ الدعاء هو العبادة .
ومن الدعاء [ دعاء القنوت في النوازل ] ، وهذه العبادة وقعت فيه بعض الإشكالات وهو بحاجة إلى مزيد طرح وتطرق.
ونظراً لما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من وضع حرج، بعامة وفي بلاد الشام بخاصة تحتاج معه في بعض الأحيان إلى ما يعرف بقنوت النوازل، خاصة أن بعض من يتولى إمامة المصلين لا يعرف عن هذه الشعيرة إلا القليل، مع أن منهم من يعمل بها شهراً كاملاً كل عام، لذلك حصلت بعض التساؤلات والتجاوزات حول هذه الشعيرة العظيمة .
وقد قمت ببحث هذه المسألة في السنة التمهيدية في مرحلة الماجستير في كلية الشريعة بجامعة الإمام قبل خمس سنوات .
رأيت أنّ أنقل بعض المسائل المهمة في هذا الباب، وعلى سبيل الاختصار .

المسألة الأولى : هل يشرع دعاء القنوت في النوازل ؟
أختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنه يشرع القنوت عند حدوث النازلة وهذا قول الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، وبعض المالكية ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم، وابن حجر ، والصنعاني . واختاره من المعاصرين سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين رحم الله الجميع .
القول الثاني : أنه لا يشرع دعاء القنوت وهو قول المالكية ، ووجه عند الشافعية ، ورواية عند الحنابلة .
والراجح هو قول الجمهور ، ويدل عليه أدلة كثيرة منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه ". وقوله " تركه " استدل به المانعون ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك القنوت للنوازل فلا يشرع .
والجواب عليه أنّ ليس المراد بالترك ترك دعاء القنوت مطلقاً ، وإنما هو ترك الدعاء في تلك النازلة، فهو قنوت لنازلة طارئة فيزول بزوالها لا .
هذا تقريباً عمدة أدلة الفريقين، وإن كان لهم أدلة أخرى إلا أنّ المقام ليس مقام بسط .

المسألة الثانية : اشتراط إذن الإمام في القنوت .
وهذا مسألة دائماً ما تكون حاضرة كلما حل بالمسلمين نازلة وما أكثر النوازل اليوم والله المستعان .
والمقصود هنا أنّه كلما وقعت نازلة وجد الحديث عن قنوت النوازل وأنه لماذا لايقنت إئمة المساجد، ولماذا هم ينتظرون أذن ولي الأمر ؟! حتى وجد من يتهكم بهذا الأمر ويستهزئ به، وهذا قلت فقه وجهل وربما حمل أموراً أخرى !!

والسؤال : هل يشترط لذلك إذن ولي الأمر في القنوت أم لا ؟
خلاف بين أهل العلم على قولين :
القول الأول : ذهب الحنابلة أنه خاص بالإمام وأمير الجيش ، وهذا هو الصحيح من المذهب، وهذا القول هو من مفردات المذهب .
ومن الأدلة على هذا القول :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه عند حدوث النازلة ، ولم يأمرهم بالقنوت ،وأمير الجيش يقوم مقامه في قسمة الغنيمة وتدبير الجيش. [ المقنع 4/135 ، الشرح الكبير 4/136 ، الإنصاف 4/135 ، الإقناع 1/223 ] .
2- لما كان القنوت من المصالح العامة ، والإمام هو القيم على تلك المصالح .
3- لأنه لو ترك الأمر لعموم الناس فستجد من يقوم فيقنت بمجرد أن يرى أن هذه نازلة وهي قد تكون نازلة في نظره دون حقيقة الواقع، فإذا ضبط الأمر وتبين أن هذه نازلة حقيقية تستحق أن يقنت المسلمون لها ، ففي هذه الحال نقول‏:‏ إنه يقنت كل إمام، وكل مصل ولو وحده‏ وهذا لا يمكن تحققه إلا بأن يترك الأمر لولي الأمر ، أن ولي الأمر هو الأدرى بحقيقة النازلة .

القول الثاني : أنه لا يشترط إذن الإمام, وهذا القول هو الأظهر والله أعلم, فبعد البحث والتتبع استعراض كتابات الأئمة لا نجد من يعلق القنوت بإذن الإمام فيه . وهذا هو الموافق للروايات الأخرى عن الإمام أحمد : أنه يقنت إمام كل جماعة. والرواية ثالثه : أنه يقنت كل مصل. اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. [الإنصاف 4/136 ، الفتاوى الكبرى 4/361 ، الاختيارات ص 62 ] ، وهذا القول هو اختيار سماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وهو القول الراجح .
وذلك لما يلي:
1- الأصل أن قنوت النازلة عبادة يتعبد بها كل المسلمين, ومن زاد في هذه العبادة شرطاً لابد له من الدليل الشرعي لهذا الشرط والأصل في العبادات التوقيف والحظر, ولا دليل من الكتاب والسنة على هذا الشرط.
2- أنه من باب الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت عند النازلة ، فيشرع هذا لعموم أمته ، لأنه لم يرد مخصص له .
3- أنه ورد عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم القنوت للنوازل كما روي ذلك عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب ، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري رضوان الله عليهم ولم يكن واحداً منهم يوماً من الأيام خليفة للمسلمين أو كان هو الإمام الأعظم ، ومع ذلك ورد عنهم القنوت في النوازل . [ أخرجه عبد الرزاق 3/109 ، وابن أبي شيبة 2/312 ] .
4- أنه لا يجوز لأحد أن يمنع لا يجوز لأحد أن يَمنع المسلم من الدعاء لإخوانه المسلمين المستضعفين والمضطهدين في كل مكان من الأرض، لما جاء في الحديث: " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: ولك بمثل" رواه مسلم.
وهذا القول هو الراجح وهو المتعين وهو أن القنوت عند النوازل مشروع لكل مصلٍ للأدلة السابقة ، ولا يشترط له إذن الإمام، إلا إنه إذا منع الإمام منه لمصلحة يراها فإنه يترك حينئذ لأن القنوت مستحب وطاعة الإمام واجبة للعمومات الدالة على طاعة الإمام ، ولأن في طاعته إذا نهى عن القنوت درء للفتنة . والدعاء ليس متعين في القنوت بل في السجود وفي الثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وغيرها .

يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - : " والأقرب عندي أنه لا يقنت إلا الإمام أو الأئمة بإذن الإمام ... الإمام أو الأئمة لكن بإذن الإمام؛ لأن ذلك أضبط للأمة الإسلامية ولأن لا تتفرق الأمة ويكون بعضهم يتكلم في بعض ويقال فلان قنت وفلان ما قنت، ثم يقال هذا يحب الجهاد وهذا لا يحب الجهاد، هذا يدعو للمستضعفين وهذا لا يهتم بهم، هذا يدعوا على الكافرين وهذا راضٍ بفعلهم وما أشبه ذلك.
فإذا ضبطت المسألة وقيل أنها موكولة إلى الإمام أو إلى إذنه كان في ذلك خير. ومع هذا من أراد أن يقنت سراً فيما بينه وبين نفسه فهذا لا يمنع ولو كان منفرداً في بيته؛ لأن هذا دعاء ولا يمنع منه... الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ولكن الكلام على الدعاء الظاهر الذي يجهر فيه، فالذي أرى أن الدعاء لا يكون إلا من الإمام أو بإذن الإمام؛ لأن الإمام هو المسؤول عن المسلمين عن ضعفائهم وعن جهاد أعدائهم؛ فإذا فعل أوإذن فعلنا وإلا فلا نجهر بشيء يختلف الناس فيه ويكون فيه مثار للفتنه وهذا كذا .. وهذا كذا... هذا هو أقرب الأقوال في هذه المسألة " اهــ المقصود. [ من شرح صحيح البخاري (كتاب الدعوات/ باب الدعاء على المشركين) ] .

المسألة الثالثة : ضابط النازلة :
ينص الفقهاء على أنه يشرع القنوت يكون عند نزول النازلة ولا يصفونها أو يحددونها وإنما يكون فيها ضرر ظاهر بالمسلمين كخوف من عدو ، أو قحط ، أو وباء ، أو جراد ، أو عطش ، ونحو ذلك إلا أنهم اختلفوا في الوباء هل يقنت إذا وقع لرفعه أم لا؟ ولشيخنا ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - ضابطاً جيداً : " أن النازلة التي يقنت لها هي ما كانت بسبب اعتداء البشر ، أما التي من فعل الله عز وجل فإنه يشرع لها ما جاءت السنة به ، فمثلاً الكسوف ، يشرع له صلاة الكسوف ، والزلازل يشرع لها صلاة الكسوف وهكذا. [ القول المفيد 1/300 ].

المسألة الرابعة : المشروع أن يكون القنوت يسيراً . فيبتعد عن الإطالة لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه لما سئل : هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم . وقد ظهر لنا من الأحاديث السابقة أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم كان جُملاً قليلة . والسعيد من وفق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .

المسألة الخامسة : هل القنوت قبل أم بعد الركوع :
أختلف العلماء في هذه المسالة ثلاثة أقوال :
القول الأول : قبل الركوع .
القول الثالث : بعد الركوع .
القول الثالث : يجوز قبل الركوع وبعده .
لعل الأرجح في هذه المسألة هو القول الثالث ، وهو أن القنوت مشروع قبل الركوع وبعده ، لورود الأمرين جميعاً ، وبهذا يجتمع شمل الأدلة .
لورود كلا الأمرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيعمل بهما معاً .

المسألة السادسة : قنوت النوازل ليس له صيغة معينة، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة .
أما الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن : " اللهم اهدنا فيمن هديت .. الخ " فإنما هو في قنوت الوتر ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب القوم المحاربين " . (مجموع الفتاوى21/155) .
وقال أيضاً : " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة . وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً ".( مجموع الفتاوى 22/271 ) .

تنبيه : مما يلحظ على بعض الناس في الدعاء قوله : ( اللهم اشدد وطأتك على الصرب النصارى المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، أو يا عفو يا غفور ) لأن التوسل بصفة الرحمة والمغفرة قد لا يناسب الدعاء عليهم باللعن وأخذهم بالشدة . ومن الخطأ التزام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام دعاء قنوت النوازل ، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء. و الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يلتزم ذكر أو دعاء عند سبب أو زمن معين إلا بدليل .
والله تعالى أعلم وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .