ذكر قصة ابني آدم : قابيل وهابيل
قال الله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء يإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين }
وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد
ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك :
فذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأثنى الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى فأمرهما أن يقربا قربانا وذهب آدم ليحج إلى مكة واستحفظ السموات على بنيه فأبين والأرضين والجبال فأبين فتقبل قابيل بحفظ ذلك
فلما ذهب قربا قربانهما فقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم وقرب قابيل حزمة من زرع من ردىء زرعه فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال : إنما يتقبل الله من المتقين
وروى عن ابن عباس من وجوه آخر وعن عبد الله بن عمرو وقال عبد الله بن عمرو وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده !
وذكر أبو جعفر الباقر أن آدم كان مباشرا لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل فقال قابيل لآدم إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي وتوعد أخاه فيما بينه وبينه
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما بطأ به فلما ذهب إذا هو به فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني فقال : إنما يتقبل الله من المتقين فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته وقيل : بل خنقه خنقا شديدا وعضه كما تفعل السباع فمات والله أعلم
وقوله لما توعده بالقتل : { لئن بسطت إلي بيدك لتقتلي ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } دل على خلق حسن وخوف من الله تعالى وخشية منه وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار : قالوا : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ]
وقوله : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين } أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى إذ قد عزمت علي ما عزمت عليه أن تبوء بإثمي وإثمك أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك قاله مجاهد والسدي وابن جرير وغير واحد
وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك
وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ترك القاتل على المقتول من ذنب ] فلا أصل له ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضا
ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل كما ثبت بن الحديث الصحيح في سائر المظالم والقتل من أعظمها والله أعلم وقد حررنا هذا كله في التفسير ولله الحمد
وقد روي الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي ]
قال : أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إلي ليقتلني
قال : [ كن كابن آدم ]
ورواه ابن مردويه عن حذيفة بن اليمان مرفوعا وقال : [ كن كخير ابني آدم ] وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا
وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا : قال : حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل ]
ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به وهكذا روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب فالله أعلم بصحة ذلك
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير - وقال : إنه كان من الصالحين - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل وأنه استخلف هابيل أن هذا دمه فحلف له وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء فأجابه إلى ذلك وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس
وهذا منام لوصح عن أحمد بن كثير هذا لم يترتب عليه حكم شرعي والله أعلم
وقوله تعالى : { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخي فأصبح من النادمين } ذكر بعضهم أنه لما قتله حلمه على ظهره سنة وقال آخرون حمله مائة سنة ! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه فلما رآه يصنع ذلك { قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي } ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزنا شديدا وأنه قال في ذلك شعرا وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :
( تغيرت البلاد من عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح )
( تغير كل ذي لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه المليح )
فأجبيب آدم :
( أبا قابيل قد قتلا جميعا ... وصار الحي كالميت الذبيح )
( وجاء بشرة قد كان منها ... على خوف فجاء بها يصيح )
وهذا الشعر فيه نظر وقد يكون آدم عليه السلام قال كلاما يتحزن به بلغته فألفه بعضهم إلى هذا وفيه أقوال والله أعلم
وقد ذكر مجاهد أن هابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه فتعلقت ساقه إلى فخذه وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت تنكيلا به وتعجيلا لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ما من ذنب أجدر أن يجعل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ]
* * *
والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عز وجل أجله وأنظره وأنه سكن في أرض " نود " في شرقي عدن وهم يسمونه " قنين " وأنه ولد له خنوخ ولخنوخ عندر ولعندر محاويل ولمحاويل متوشيل ولمتوشيل لامك وتزوج هذا امرأتين : عدا وصلا فولدت " عدا " ولدا اسمه " أبل " وهو أول من سكن القباب واقتني المال وولد أيضا " نوبل " وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج
وولدت " صلا " ولدا اسمه " توبلقين " وهو أول من صنع النحاس والحديد وبنتا اسمها " نعمى "
وفيها أيضا أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاما ودعت اسمه " شيث " وقالت : من أجل أنه قد وهب لي خلفا من هابيل الذي قتله قابيل وولد لشيث أنوش
قالوا : وكان عمر آدم يولد ولد شيث مائة وثلاثون سنة وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمسا وستين وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين وولد له بنون وبنات غير أنوش
فولد لأنوش " قينان " وله من العمر تسعون سنة وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة وولد له بنون وبنات
فلما كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة وولد له بنون وبنات فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له " يرد " وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات
فما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له " خنوخ " وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنوت وبنات
فمال كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له " لامك " وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات
فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له " نوح " وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمسا وتسعين سنة وولد له بنون وبنات فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون : سام وحام ويافث
وهذا مضمون ما في كتابهم صريحا
وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك والظاهر أنها مقحمة فيها ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير وفيها غلط كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه عن بعضهم : أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا قال ابن إسحاق وسماهم والله أعلم وقيل مائة وعشرين بطنا في كل واحد ذكر وأنثى أولهم قابيل وأخته قليما وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث
ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا وامتدوا في الأرض ونموا كما قال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء } الآية
وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف نسمة والله أعلم
وقال تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } الآيات فهذا تنبيه أولا بذكر آدم ثم استطرد إلى الجنس وليس المراد بهذا ذكر آدم وحوله بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } قال تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها
* * *
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ]
وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم و ابن مرودويه في تفاسيرهم عند هذه الآية وأخرجه الحاكم في مستدركه كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به فقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر ابن إبراهيم وراه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه
فهذه علة قادحة في الحديث أنه روى موقوفا على الصحابي وهذا أشبه والظافر أنه تلقاه من الإسرائيليات وهكذا روى موقوفا عن ابن عباس والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه والله أعلم
وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا فلو كان عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل منه إلى غيره والله أعلم
وأيضا فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء فيكونا أصل البشر وليبث منهما رجالا كثيرا ونساء فكيف كان حواء لا يعيش لها ولد ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظا ؟
والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ والصواب وقفه والله أعلم وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ولله الحمد
ثم قد كان آدم وحواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته
وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يارسول الله كم الأنبياء ؟ قال : [ مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ] قلت : يا رسول الله كم الرسل منهم ؟ قال : [ ثلاثمائة وثلاثة عشر : جم غفير ] قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : " آدم " قلت : يا رسول الله نبي مرسل ؟ قال : [ نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا ]
وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا نافع ابن هرمز عن عطاء بن رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ألا أخبركم بأفضل الملائكة : جبريل وأفضل النبيين آدم وأفضل الأيام يوم الجمعة وأفضل الشهور شهر رمضان وأفضل الليالي ليلة القدر وأفضل النساء مريم بنت عمران ]
وهذا إسناد ضعيف فإن نافعا أبا هرمز كذبه ابن معين وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم و ابن حبان وغيرهم والله أعلم
وقال كعب الأحبار : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم لحيته سوداء إلى سرته وليس أحد يكنى في الجنة إلا آدم كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنة أبو محمد
وقد روى ابن عدي من طريق شيخ ابن أبي خالد عم حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله مرفوعا : أهل الجنة يدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد
ورواه ابن عدي أيضا من حديث علي بن أبي طالب وهو ضعيف من كل وجه والله أعلم
وفي حديث الإسراء الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بآدم وهو في السماء الدنيا قال له : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وقال : وإذا كان يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا آدم وهؤلاء نسم بينه فإذا نظر قبل أهل اليمين - وهم أهل الجنة - ضحك وإذا نظر قبل أهل الشمال - وهم أهل النار - بكى
وهذا معنى الحديث
وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى حدثني يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده
وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : [ فمررت بيوسف وغذا هو قد أعطى شطر الحسن ] قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام وهذا مناسب فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة ونفخ فيه من روحه فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء
وقد روينا عن عبد الله عن عمر وابن عمر أيضا موقوفا ومرفوعا : أن الله تعالى لما خلق الجنة قالت الملائكة : يا ربنا اجعل لنا هذه فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان
وقد ورد الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما من طرق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله خلق آدم على صورته ] وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليست هذا موضع بسطها والله أعلم
ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه السلام
ومعنى " شيث " هبة الله وسماه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل
قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف على شيث خمسين صحيفة ]
قال محمد بن إسحاق : ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعلمه عبادات تلك الساعات وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك
قال : ويقال : إن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا والله أعلم
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط وكفن - من عند الله عز وجل - من الجنة وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثا عليه السلام قال ابن إسحاق : وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن يحيى - هو ابن ضمرة السعدي - قال : رأيت شيخا بالمدينة يتكلم فسألته عنه فقالوا : هذا أبي بن كعب فقال : إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه : أي بني إني أشتهي من ثمار الجنة
قال : فذهبوا يطلبون له فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل فقالوا لهم : يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون ؟ - أو ما تريدون ؟ وأين تطلبون ؟ - قالوا : أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة فقالوا لهم : ارجعوا فقد قضي أبوكم فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم فقال : إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك فخلى بيني وبين ملائكة ربي عز وجل فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضوه في قبره ثم حثوا عليه ثم قالوا : يا بني آدم هذه سنتكم ( إسناد صحيح إليه )
وروى ابن عساكر من طريق شيبان بن فروخ عن محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ كبرت الملائكة على آدم أربعا وكبر أبو بكر على فاطمة أربعا وكبر عمر على أبي بكر أربعا وكبر صهيب على عمرا أربعا ]
قال ابن عساكر : ورواه غيره عن ميمون فقال : عن ابن عمر
واختلفوا في موضع دفنه فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه في الهند وقيل بجبل أبي قبيس بمكة ويقال إن نوحا عليه السلام لما كان زمن الطوفان حمله هو وحواء في تابوت فدفنهما ببيت المقدس حكى ذلك ابن جرير
وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال : رأس عنه مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة
واختلف في مقدار عمره عليه السلام : فقدمنا في الحديث عن ابن عباس وأبي سريرة مرفوعا : أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة
وهذا لا يعارضه ما في التوراة من أن عاش تسعمائة وثلاثين سنة لأن قولهم هذا مطعون فيه مردود إذا خالف الحق الذي بأيدينا مما هو المحفوظ عن المعصوم
وأيضا فإن قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث فإن ما في التوراة - إن كان محفوظا - محمول على مدة مقامه في الأرض بعد الإهباط وذلك تسعمائة سنة وثلاثون سنة شمسية وهي بالقمرية تسمائة وسبع وخمسون سنة ويضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مدة مقامه في الجنة قبل الإهباط على ما ذكره ابن جرير وغيره فيكون الجميع ألف سنة
وقال عطاء الخرساني : لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام رواه ابن عساكر
فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبيا بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر مرفوعا : أنه أنزل عليه خمسون صحيفة
فما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة وأنه أول من قطع أشجار وبني المدائن والحصون الكبار وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقا من مردة الجن والغيلان وكان له تاج عظيم وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة
فما مات قام بالأمر بعده ولده " يرد " فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده " خنوخ " وهو إدريس عليه السلام على المشهور