أحكام الأضحية
هناك أحكامٌ متعلّقة بالأضاحي، يَجْدُرُ بالمسلم أن يعرفها ليكون على علم في عبادته، وعلى بيّنةٍ من أمره، ألَخصها بما يأتي ذِكْرُهُ إن شاء الله:
أولاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين (1) ، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن: "مَن ذبح قبل الصلاة فليس مِن النسك في شيء، وإنما هو لحم قَدَّمه لأهله" (2) .
ثانياً: وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يذبحوا الجَذَع من الضَأن، والثَنِيّ مما سواه (3) .
عن مُجاشِع بن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الجذع من الضأن يوفي مما يوفي منه الثنيّ من المعز" (4) .
ثالثاً: ويجوز تأخير الذبح لليوم الثاني والثالث بعد العيد، لِمَا ثبت عن النبي فًيِ أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح " (5) .
قال ابن القيم:
هذا مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم اللّه، قال أحمد: هو قول غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكره الأثرم عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم (6) .
رابعاً: ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية، ودخل أولُ يومٍ من أيامِ العَشْرِ من ذي الحجةِ، فلا يأخُذْ من شعره وبَشَرهِ شيئاً، ثبت النهي عن ذلك (7) .
قال النووي في "شرح مسلم" (13/13 139) :
والمرادُ بالنهيِ عن أخْذِ الظُّفُرِ والشعرِ النهيُ عن إزالةِ الظُفُرِ بقَلْم، أو كسرٍ ، أو غيرهِ، والمنعُ من إزالةِ الشعر، بحَلْقٍ ، أو تقصيرٍ ، أو نَتْفٍ ، أو إحراقٍ ، أو أخذه بِنُوْرةٍ (8) ، أو غير ذلك، وسواءٌ شعرُ الإبطِ، والشاربِ، والعانةِ، والرأسِ، وغيرِ ذلك من شعور بَدَنهِ.
وقال ابن قُدامة في "المُغني" (11/96) :
فإنْ فَعَل استغفر الله تعالى ولا فديةَ فيه إجماعاً، سواءٌ فعله عَمْداً أو نسياناً.
قلتُ:
وهذا منه رحمه الله إشارة إلى تحريم ذلك، ومَنْعهِ بتاتاً، وهو الظاهرُ في أصلِ النهْيِ النبويّ.
خامساً: وكان صلى الله عليه وسلم يختار الأضحيةَ سليمةً من العيوب، وكان يستحسنها، ونهى أن يُضحى بمقطوعة الأذن ومكسورة القَرن (9) . وأمر بالنظر إلى سلامة الأضحية، وأن لا يُضحى بعوراء، ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء، ثبت النهي عن هذا كُلِّه (10) .
وأمّا الكبشُ الموجودُ (11) فيجوزُ التضحية بهِ، لِمَا وَرَدَ مثلُه عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو يعلى (1792) والبيهقي (2689/268) بسند حسّنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/22) .
سادساً: وكان صلى الله عليه وسلم يُضحي بالمُصلى (12) .
سابعاً: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزىء عن الرجل، وعن أهل بيته، ولو كَثُر عددهم، كما قال عطاء بن يسار (13) : سالت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: إنْ كان الرجل يضحي بالشاةِ عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون (14) .
ثامنأ: ويُستحب التكبير والتسمية عند الذبح، لما ثبت عن أنس أنه قال: "ضَحَّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسَمًى وكَبَّر، ووضع رجله على صِفَاحِهما" (15) .
تاسعاً: وأفضل الأضحية ما كانت كبشاً أقرن فحلاً أبيض يخالطه سواد حول عينيه وفي قوائمه، إذ هذا هو الوصف الذي استحبه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وضَحَّى به.(16)
عاشراً: ويُستحب أن يباشر المسلم أضحيته بنفسه، وإن أناب غيره في ذبحها جاز ذلك بلا حرج (17) .
حادي عشر: ويُستحب لأهل البيت الذين ضَحَّوا أن يأكلوا منها، وأن يهدوا منها، وأن يتصدقوا منها، ويجوز لهم أن يَدّخروا، لقوله صلى الله عليه وسلم : "كلوا وادّخروا وتصدّقوا" (18) .
ثاني عشر: تُجزىءُ البَدَنةُ عن سبعةٍ ، ومثلُها البَقَرةُ، فقد روى مسلمٌ في "صحيحهِ " (355) عن جابر رضي الله عنه قال: (نَحَرْنا بالحُديبية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم البَدَنَةَ عن سبعةٍ ، والبقرةَ عن سبعةٍ ".
ثالث عشر: ولا يُعطى الجازرُ أجرة عمله من الأضحية، لما ثبت عن على رضي الله عنه أنه قال: "أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنِهِ، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وحلالها (19) ، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً، قال: ونحن نعطيه من عندنا" (20) .
رابع عشر: مَن عجز عن الأضحية من المسلمين، ناله أجر المُضَحِّين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذبحه لأحد الكبشين: "اللهم هذا عني، وعمّن لم يُضحِّ من أمتي " (21) .
خامس عشر: قال ابن قدامة في "المغني " (11/95) : وقد ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم والخُلَفاء الرّاشِدون بعَده، ولو عَلِمُوا أنَّ الصدقةَ أفضلُ لَعَدلُوا إليها.. ولأنّ إيثارَ الصَدَقةِ على الأضحيةِ يُفْضي إلى تَرْكِ سنّةٍ سنَّها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم .

__________
(1) سيأتي الدليل عند المقطع الثامن لاشتراك المسألتين به.
(2) رواه البخاري (5560) ومسلم (1961) عن البراء ابن عازب.
(3) قال الحافظ في "الفتح " (10/5) : الجَذَعة بفتح == الجيم والذال المعجمة: هو وصف لسنٍّ معين من بهيمة الانعام، فَمِنَ الضأن: ما أكمل سنة، وهو قول الجمهور، وقيل: دونها، ئم اختلف في تقديره فقيل: ثمانية، وقيل: عشرة. والثني من الإبل: ما استكمل خمس سنين، ومن البقر والمعز: ما استكمل سنتين، وطعن في الثالثة.
وانظر "زاد المعاد" (2/317) والتعليق عليه.
(4) "صحيح الجامع" (1592) وانظر لزاماً "سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1/87 95) .
(5) أخرجه أحمد (4/8) والبيهقي (5/295) وابن حبان (3854) وابن عدي في "الكامل" (3/1118) وفيه انقطاع.=ورواه الطبراني في "مجمعه" بسند فيه لين.
وله شاهد عند ابن عدي في "الكامل" عن أبي سعيد الخدري بسند فيه ضعيف.
فالحديث حسن إن شاء اللّه، وانظر "نصب الراية" (3/61) .
(6) "زاد المعاد" (2/ 319) .
(7) تقدم تخريجه صفحة (66) ، وانظر لزاماً "نيل الأوطار" (5/200 203) .
(8) أخلاطٌ تستعمل لإزالة الشعر.
(9) كما رواه أحمد (1/83 و127 و129 و150) وأبو داود (2805) والترمذي (1504) والنسائي (7/217) وا بن ماجه (3145) والحاكم (4/224) عن علي رضي اله عنه بإسناد حسن.
(10) المقابلة: هي التي قُطع مقدم أذنها، والمدابرة: هي التي قُطع مؤخر أذنها، والشرقاء: هي التي شُقت أذنها، والخرقاء: هي التي خُرقت أذنها، والحديث في ذلك إسناده حسن رواه أحمد (1/80 و108) وأبو داود (2804) والترمذي (4198) والنسائي (7/216) وابن ماجه (3143) والدارمي (2/77) والحاكم (4/222) من حديث علي رضي الله عنه أيضأ.
(11) أي: الخصي.
(12) رواه البخاري (5552) والنسائي (7/213) وابن ماجه (3161) عن ابن عمر.
(13) توفي سنة (103 هـ) ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/21)
(14) رواه الترمذي (1505) ومالك (2/37) وابن ماجه (3147) والبيهقي (9/268) وإسناده حسن.
(15) رواه البخاري (5558) و (5564) و (5565) ومسلم (1966) وأبو داود (2794) .
والصِّفاحُ: الجوانبُ.
(16) كما في حديث عائشة عند مسلم (1967) وأبي داود (2792) .
(17) ولا أعلم خلافاً في ذلك بين أهل العلم، وانظر المقطع الثاني عشر الآتي ذِكْرُهُ.
(18) رواه البخاري (5569) ومسلم (1971) وأبو داود (2812) وغيرهم عن عائشة، وما ورد في النهي عن الادخار فهو منسوخ، وانظر "فتح الباري " (10/ 25 26) و"الاعتبار" (120 122) .
وانظر "المُغني " (11/108) لابن قدامة.
(19) في "القاموس" : هو ما تلبسه الدابة لتصان به.
(20) رواه بهذا اللفظ مسلم (317) وأبو داود (1769) والدارمي (2/74) وابن ماجه (3099) والبيهقي (9/294) وأحمد (79/1 و123 و132 و154) ، ورواه البخاري (1716) دون قوله: "نحن نعطيه من عندنا".
(3) سبق تخريجه صفحة 70.