التَّكْبيرُ في العِيدَيْنِ
يقولُ اللهُ تعالى: (وَلِتُكْملوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّروا اللهَ على ما هداكم ولعلّكم تَشْكُرون) .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم :
"كان يخرج يوم الفطر،. فَيُكَبِّر حتى يأتي المُصلى، وحتى يقضيَ الصلاة، فإذا قضى الصلاةَ قطع التكبير" (1) .
قال المحدِّث الألبانيُّ:
"وفي الحديث دليلٌ على مشروعيّةِ ما جرى عليه عملُ المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى المصلى، وإنْ كان كثير منهم بدؤوا يتساهلون بهذه السنَّة حتى كادت تصبح في خبر كان..
وممّا يَحْسُنُ التذكيرُ به بهذه المناسبة، أن الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذِكْرٍ يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع، فلا يُشرع فيه الاجتماع المذكور، فلنكن على حَذَرٍ من ذلك (2) ، وَلْنَضَعْ نُصْبَ أعْيُينَا داثماً أنَ خيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ".
وسُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّة عن وقت التكبير في العيدين، فقال رحمه اللّه:
الحمدُ للهِ، أصحُّ الأقوال في التًكْبيرِ، الذي عليه جمهورُ السّلَف والفُقَهاء من الصحابة والأئمة: أن يُكَبِّر من فجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، عَقِبَ كل صلاة، وُيشْرَعُ لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ (3) .
قلتُ:
قولُه رحمه اللّه: "عَقِبَ كُل صلاةٍ" خُصوصاً لا دليلَ عليه، والصوابُ أنَّه في كُل وقتٍ ، ودون تخصيص.
ويَدُلُّ على ذلك ما قاله الإمامُ البخاريُّ في كتاب العيدين من "صحيحه " (2/461) :
بابُ التكبير أيام منى، وإذا غدا الى عرفة.
وكان عمر رضي اللّه عنه يُكَبّر في قُبَّتِه بمنى، فيسمعُه أهلُ المسجد فَيُكَبِّرون، ويُكَبِّر أهل الأسواق حتى ترتجّ منىً تكبيراً.
وكان ابنُ عمر يُكَبِّر بمنى تلك الأيامَ وخَلْفَ الصلوات، وعلى فراشِه، وفي فِسْطاطِه، ومجلسِه، وممشاه تلك الأيام جميعاً.
وكانت ميمونةُ تُكَبِّر يوم النحر، وكُن النساءُ يُكَبّرن خلف أبانَ بن عثمان وعمر بن عبد العزيز لياليَ التشريقِ مع الرجالِ في المسجدِ.
وكان ابنُ عمر إذا غدا يوم الفطر، ويوم الأضحى، يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإِمامُ (4) .
ولم يَصِحّ حديثٌ نبوي في كيفيّةِ التكبيرِ فيما أعلمُ، إنما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم:
فكان ابن مسعود يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد (5) .
وكان ابن عباس يقول:
اللّه أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر على ما هَدَانا (6) .
وأخرج عبدُ الرزّاق (7) ومِن طريقهِ البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (3/316) بسند صحيح عن سَلْمان الخير رضي اللهُ عنه قال:
"كبِّروا اللهَ: اللهُ أكبر، اللّهُ أكبر، اللهُ أكبر كبيراً".
ولقد خالَفَ كثير من العامّةِ هذا الذكْرَ الواردَ عن السَّلَف بأذكارٍ ، وزياداتٍ ، ومُخترعاتٍ لا أصل لها، مِمّا جعل الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول في "فتح الباري" (2/536) :
"وقد أُحدث في هذا الزمان زيادةٌ (8) في ذلك لا أصلَ لها".

__________
(1) رواه ابنُ أبي شيبة في "المصنف" والمَحَامِلي في "كتاب صلاة العيدين" بإسناد صحيح لكنه مرسل، لكنّ له شواهدَ يتقوى بها، انظرها في "سلسلة الأحاديت الصحيحة" (170)
وبدايةُ التكبير يومَ الفِطْر وقتُ الخروج إلى الصلاة.
(2) "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 121) . وللشيخ العلامة حمود التويجري رحمه اللّه رسالة مفردة في إنكار هذا التكبير الجماعيّ، وهي مطبوعة.
(3) "مجموع الفتاوي" (24/ 220) وانظر "سبل السلام" (2/ 71 72) .
(4) رواه الدارقطني وابن أبي شيبة وغيرهم، بإسناد صحيح، وانظر "إرواء الغليل " (650) .
(5) رواه ابن أبي شيبة (2/168) بإسناد صحيح.
(6) رواه البيهقي (3/ 315) وسنده صحيح.
(7) ولم أره في "مصنّفه ".
(8) بل زياداتٌ وزياداتٌ!!