الحلويات الإيطالية.. عالم ملؤه السكر
تعكس روح الإيطالي المحب للرفاهية

روما: عبد الرحمن البيطار
قال رواد الفضاء الاميركيون أثناء عودتهم الى الارض إنهم رأوا سحبا من الدخان تتصاعد من بركان «اتنا» في جزيرة صقلية قرب مدينة كتانيا تتجه نحو مصر ودلتا نهر النيل. ولا عجب لأن الصلات قديمة بين مصر الفراعنة وايطاليا أيام الرومان، ويقال إن أبولودورو من كتانيا عمل طباخا للامبراطورة كليوباترة حين جاء به مارك أنطونيو ليحضر لهما حلويات صقلية أثناء نزهة للعاشقين في نهر النيل.
الحلويات الايطالية متنوعة وكثيرة حسب الاقاليم والمحافظات، وتاريخ الطعام والحلويات يعكس ما أتى به الغزاة والمحتلون وما اختاره أهل البلد الاصليون ومزجوه مع أطعمتهم المعروفة، وأصدق مثال هو المطبخ الصقلي الغني الذي يخلط ما توارثته عبر الايام والعصور «جزيرة الشمس» (الاسم القديم لصقلية) عن الاغريق والبيزنطيين والعرب والنورمان (من الدول الاسكندنافية) والاسبان والفرنسيين والايطاليين من شمال البلاد الذين تأثروا بدورهم بمآكل النمسا وامبراطوريتها العريقة في غابر الزمان.
ترك العرب بصماتهم على ايطاليا مرتين: الاولى حين غزا الاغالبة من تونس جزيرة صقلية وتصاهروا مع أهلها وبقوا فيها حوالي قرنين ونصف القرن منذ القرن الثامن الميلادي، والثانية حين عاد الصليبيون من حملاتهم في المشرق العربي في القرن الحادي عشر. الفضل كان للعرب في نشر زراعة قصب السكر والارز والبرتقال، اذ لم يعرف الرومان سوى نوع من البرتقال المر (النارنج) وفي شعبية حلوياتهم أينما حلوا. مثلا أصبحت رقائق البسطيلة المغربية الحلوى المفضلة حتى اليوم في نابولي بعد تحويرها الى ما يسمونه «سفولياتيله» والى «ميل فوي» (ألف ورقة) في فرنسا والستردل في وسط أوروبا.
احتفالات وأعياد ايطاليا عديدة ولكل مناسبة حلواها الخاصة التي تختلف بين الشمال والجنوب والوسط. لا تبرز العاصمة الايطالية في رأس القائمة انما تحتل صقلية ونابولي هذا المركز رغم شعبية حلوى «تيرامي سو» المحبوبة في روما، التي لا يصعب اعدادها اذا توفرت الكريما القشدية والشوكولاته والقهوة وبسكويت السافويارد. حلويات ايطاليا اقليمية ففي الجنوب يحبون استخدام اللوز والفستق (بتأثير العرب) وفي الشمال يفضلون المكسرات من نوع الجوز والصنوبر والبندق. اذا بدأنا في الشمال الشرقي في اقليم فينيتو (وعاصمته فينيسيا – البندقية) لاحظنا تأثير الامبراطورية النمساوية – الهنغارية في صنع التورتة والكاتو بالفواكه الطازجة كالتفاح والكرز، واذا وصلنا الى اقليم لومبارديا (وعاصمته ميلانو) وجدنا كعكة البانيتوني المحبوبة في احتفالات عيد الميلاد، واذا عرجنا قليلا الى مودينا نجد حلويات صغيرة تدعى «أماريتو» مصنوعة من بياض البيض والسكر وخليط من اللوز الحلو والمر، ويصدرون أغلب انتاجهم الى الخارج مثل الخل البلسمي أما ان اتجهنا الى الوسط فيمكننا تذوق كعكة «كاستنياتشو» في فلورنسا المعمولة من الكستناء والدقيق والزبيب والصنوبر، أما كعكة مدينة بيروجيا ففيها خليط من التفاح والاجاص والزبيب والشوكولاته.
حلويات نابولي: الاحتكاك مع الثقافة الطعامية العربية واضح في حلوى عيد الميلاد الخاصة المعمولة من عجين المعكرونة المقطع الى كرات صغيرة تقلى بالزيت ثم تغمس بالعسل والقطر السكري مع نكهة ماء الزهر وتزين بحبيبات السكر الملون وتشبه العوامة الشامية أو الزلابيا. أهل مدينة نابولي يحبون الفن والزخرفة والبذخ ولو قلت مواردهم ويتباهون بصنع الحلويات والمعجنات وحتى الخبز يزينونه أحيانا بمسحة من بياض البيض لكي يبدو مصقولا ولافتا للانظار. التنوع في نابولي لامثيل له، فالحلوى الشعبية المسماة «باستريا نابوليتانا» لها عشرة أنواع على الاقل ويحشونها بجبن الريكوتا الحلو الشبيه بالقشطة العربية الى أصناف الفواكه المجففة بمختلف أنواعها. سألت جيوسيبي سيرا أحد كبار طهاة الحلويات في نابولي ليعدد أشهر الحلويات التي ابتكرتها المدينة، فأجاب بكل بساطة «لا حصر لها.. المعروف أننا أول من اخترع حلوى «بابا» (نوع من الكاتو الاسفنجي المغمس بقطر السكر)، لكن الفرنسيين أخذوا الوصفة وأضافوا لها «الروم» فأصبح اسمها «بابا روم»، وله وقع جميل بالفرنسية على أساس أن نابولي كان يحكمها ملك من عائلة البوربون الفرنسية قبل الوحدة الايطالية». الحلوى المفضلة لدي من نابولي هي «سفولياتيلي» المنفوخة بشكل صدفة بحرية بعد نضج مزيج من دقيق القمح والحليب الدسم والسكر والفواكه المجففة ثم يحشونها بالكريمة أو الشوكولاته أو المربى مع اضافة القليل من نكهة الليمون أو البرتقال.
حلويات صقلية: هي ذروة فن حسن الاكل والتلذذ بالذوق الحلو المرهف فمن المعجنات الى الفطائر الى البوظة (الجيلاتي) وأشربة الفواكه المثلجة. يقال ان امراء العرب في صقلية كانوا يأمرون بجلب الثلج من الجبال في قوافل حيث يخلطه المختصون ببياض البيض المخفوق وحليب اللوز أو عصير الليمون بالسكر ويضيفون القليل من الملح حتى لا يذوب الثلج وما زالوا حتى الآن يمزجون ماء الياسمين ببعض أنواع الاشربة والبوظة ويسمونها بالايطالية «سوربيتو» (أي أشربة) في مدينة تراباني بغرب صقلية المشهورة بالكسكسي الذي ينافس مثيله في بلاد المغرب العربي ويتميز باستعمال السمك بدل اللحم.أما في كاتانيا بشرق صقلية فيبرعون في صنع النوغة (توروني بالإيطالية) على الطريقة العربية القديمة، أي بإضافة الفستق اليها خاصة النوع الممتاز المسمى برونته أو اضافة نكهة البرتقال. عاصمة الحلويات المميزة هي باليرمو عاصمة الدولة العربية سابقا وجزيرة صقلية حاليا وأشهر ما يعرف فيها هي الكاساتا المعجونة بالفستق واللوز والكانولي حلو الافراح والاعراس في الماضي وابرز حلويات صقلية في كافة أرجاء المعمورة حاليا. (انظر الوصفة ادناه). أهل صقلية يتفننون في اختراع المآكل والحلويات وينسبون كل صنف الى اسم أحد القديسين أو يبتكرون أسماء خيالية فريدة، فهناك بسكويت القديس ماركو وشوربة الملاك وهي حلوى يضيفون اليها حب اليانسون والفستق بل انهم اخترعوا ما يسمى بشوربة الانكليز وهي لا تمت الى انكلترا بصلة وتحتوي على الكاتو والكريمة بالشوكولاته. خلطة اللوز بالسكر كانت من ابتكار العرب قبل ألف عام وما زالت تستعمل في الكثير من حلويات صقلية وجزيرة سردينيا وتسمى بالايطالية واللغات الاوروبية «مارزيبان» وهي كلمة من أصل عربي هي المرصبان تحول لفظها بالايطالية الى مارزيبان. أما اضافة الفواكه المجففة فهي اختصاص عربي قديم ما زال الصقليون يستعملونه منذ أيام جعفر الصقلي قائد جيوش الفاطميين وباني القاهرة. يجففون الآن كل أنواع الفاكهة من البرتقال الى التين والليمون والاجاص والمشمش وما زالوا يتناولون فاكهة الصبار الطازجة حتي اليوم بل يجففونها أحيانا ويجففون حتى القرع الابيض.
يقول كتاب نشرته دار روبير لافون الفرنسية عام 1992 بعنوان «خمسة آلاف سنة من الاكل المثير للشهوات» ان بعض المآكل والوصفات العربية القديمة بما فيها الحلويات بالفستق تحتوي على مواد تنشط الدم وتثير الحواس وتؤمن السعادة. الكثير من أهل صقلية ما زالوا يعتقدون حتى الآن أن العرب تميزوا بالذكاء والفطنة والذوق الحسن قبل عشرة قرون لذا احتفظوا بتراثهم الطعامي.
* وصفة حلو «كانولي» من صقلية
* المواد:
- 150 غرام دقيق (طحين) - 15 غرام كاكاو مر - 30 غرام زبدة - بيضة واحدة (اختياري) - 25 غرام سكر - 12 قالب بشكل انبوب (مثل قصب السكر) - قليل من الزيت والملح والبيكربونات
* مواد الحشوة:
- نصف كيلوغرام من جبن الريكوتا الحلو الطازج - 250 غرام سكر ناعم - 100 غرام شيكولاته غير محلاة مقسمة الى قطع صغيرة - قطع من الفواكه المجففة كالكرز أو قشر البرتقال أو القرع الابيض - 50 غرام فستق مهروس - قليل من القرفة الناعمة - مدة التحضير: 4 ساعات
* طريقة التحضير:
اخلط مواد العجين ورققها بالشوبك ثم قصها بشكل مربعات بحجم 10 سنتمترات ثم لفها بشكل اسطواني واقليها بالزيت بعد ادخالها في القالب وحين تتلون بلون ذهبي يبدي أنها قد نضجت اخرجها واتركها تبرد. ينبغي لتحضير الحشوة خلط جبن الريكوتا بالسكر الناعم ثم أضف الشيكولاته والفواكه المجففة وأدخلها الى الاسطوانات الناضجة وأضف قطعة من البرتقال المجفف ورشة من القرفة والسكر الناعم والفستق وبعدها قل: مأكول الهنا.




منقووووووووووول