أمن الناس أولاً

[سائر في ربى الزمن]

أمن الناس أولاً

أحمد المنسي
Almansi9@hotmail.com


في المقال السابق دعوت لحل جهاز مباحث أمن الشيطان ( مباحث أمن الدولة ) فأثار ذلك حفيظة بعض الناس واتهمني بأنني أريد نشر الفوضى في البلاد , وأنا لا أعترض على هؤلاء ولكن كان واجبا علينا توضيح بعض الأمور لهم , وقد أوضحت رأيي في هذا الجهاز وقلت أنه جهاز لعين سلطه النظام على رقاب الناس , وقلنا أن هناك مؤسسات أخرى مثل المباحث الجنائية والمخابرات العامة تستطيع أن تقوم بدور عظيم في تأمين الدولة من الداخل والخارج , مع تفعيل نظام الربط الآلي بشكبات معلوماتية فعالة , ونظرا لاعتراض بعض الناس على ما كتبته كان من الأهمية بمكان أن نقول شيئا في هذا المقام ما هو الفرق بين جهاز المخابرات و جهاز امن الدوله ؟ المخابرات مهمتها الاولى هي حماية وتأمين الدولة بالتصدى لأى اختراقات وتربصات قادمه من الخارج , سواء كان عن طريق الجواسيس والشبكات المنظمه الداعمه لهم , او عن طريق اجهزه مكشوفه ومعلومة كمؤسسات حقوق الانسان واجهزة الإعلام او مؤسسات اقتصاديه او حقوقيه , مما يتم التخفى بستارهم للتخطيط بشن هجمات داخل البلد او تحقيق اهداف تضر بامن الوطن بطريقة او بأخرى . اي باختصار دور المخابرات يقتصر على التصدي لاى اختراقات وتربصات تصل من الخارج وإمكانية التصدي لها حتى قبل مرورها داخل حدود الوطن والعمل على إخمادها فى بلادها ومصدرها او مصدر فرعى قد تصل له المعركة سواء كانت بين تنظيمات إرهابيه او أجهزة مخابراتيه نظاميه مثل الموساد . ويصل دور المخابرات داخل البلد اذا ما وجد تتبع لجاسوس مثلا جاء من الخارج ليتم اعتقاله بالداخل او حتى مراقبته لتحقيق هدف ما . وايضا جهاز المخابرات مسئول عن جلب المعلومات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية فى الدول المعروفة بعدائها للبلد , وبذالك يحمى مسبقا نطاق الأمن القومي من الاختراق . ومن اهم مهامه ايضا تقدير الموقف السياسى والعسكرى الاستراتيجى للبلد .
أما أمن الدوله فيقتصر على التصدى لاي اختراقات امنيه " تنشأ من داخل البلد " سواء من تنظيمات ارهابيه , او محاولات الانقلاب . والجدير بالذكر : ان كلا من المخابرات و جهاز امن الدوله يحكمون الامن بتكميل النقص فى كلا الجهازين . قيل أن : جهاز أمن الدولة ظهر في عام 1913 في ظل الاحتلال الانجليزي لمصر حين تم إنشاء جهاز للأمن السياسي، لتتبع الوطنيين والقضاء على مقاومتهم للاحتلال، سمي "قسم المخصوص"، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط. وقد استعان الانجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى ادارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقرباً من المحتل. وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للاسكندرية، بالاضافة إلى "قسم مخصوص" يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم، حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك . وعلى الرغم من التغيرات الجذرية العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في شتى مناحي الحياة المصرية، إلا أنه، وهو الأمر المذهل، ظل كثيراً من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في أغسطس 1952 تحت اسم "المباحث العامة"، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته "بمباحث أمن الدولة"، ثم تغيرت لافتته إلى "قطاع مباحث أمن الدولة"، وأخيراً سمى "جهاز أمن الدولة". وتمت إضافة المزيد من الصلاحيات والسلطات لهذا الجهاز والتغول على كل مؤسسات الدولة، انتقاصاً من حقوق المواطنين وانتهاكاً لحرياتهم الأساسية.
وفي كل مرة كان يجرى تغيير اسم جهاز القمع السياسي لمحاولة غسل سمعته السيئة، غير أنه في كل مرة ظل وارثاً أميناً لفظائع وجرائم سلفه، حيث تنتقل إليه ملفات سلفه المتعلقة بالمعارضين وتصنيفاتهم، ليعتنق الكثير مما حوته هذه الملفات من آراء وتقارير وتقييمات ويسير على هديها وبالأحرى ضلالها. والمقطوع به في الممارسة العملية أن كافة أجهزة وقطاعات الشرطة تخضع لهيمنة أمن الدولة، وتقوم على خدمة سياساته وتوجهاته. وصار تقليداً معتمداً في الدولة المصرية أن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها اللاإنسانى بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولى مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية.
وكلما زاد المنتسب لهذا الجهاز في بطشه وظلمه للناس ارتفعت أسهمه عند النظام , ولا نقول أن كل المنتسبين لهذا الجهاز من قيادات فاسدون , ولكن من كان في قلبه مثقال ذرة من كرامة وعدل لا يستمر فيه طويلا ولا يستمر في منصبه كثيرا , إذ أن النظام السابق كان يقرب كل من هو سيء السمعة , ويبعد الأشراف . ورغم أن الجهاز تأسس بهدف حماية الأمن المصري، ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن المصري. لكنه تحول إلى جهاز قمعي لحماية النظام الديكتاتوري، وعمله الأساسي هو إضعاف المعارضة السياسية بكل أشكالها، وحماية النظام السياسي القائم. كما أنه يمتلك الكثير من الصلاحيات، ويعتبر الضباط العاملون به - في نظام حسني مبارك البائد - كانوا فوق القانون فلا سلطان للقضاء أو النيابة العامة عليهم. كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية بالإضافة إلى أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، هذا بالإضافة إلى استغلال معظم الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز القذر السيئ السمعة لنفوذهم وسطوتهم في القيام بشتى أنواع الفساد من إرهاب الناس والتجسس عليهم وتجارة في المخدرات، والأسلحة ، وهم أكبر مافيا للأراضي .
التعذيب المنهجي معلوم للعامة والخاصة أن التعذيب هو أمر منهجي في هذا الجهاز القمعي، وكل مكاتب أمن الدولة بها أماكن وأدوات للتعذيب ولا تخضع لأي تفتيش أو رقابة، وربما يصل التعذيب إلى حد القتل - كما حصل مع سيد بلال ، وخالد سعيد والمئات من معتقلي هذا الجهاز، وقد ذكر المئات من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، واعتداءات جنسية وصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في جميع أنحاء الجسد وخصوصا المناطق الحساسة، الضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها.
إن هذا الجهاز فرض حالة من السوء والفساد في مصر يعجز الكلام عن وصفها , وجعل الناس يكرهون بلادهم وأنفسهم , وضاقت النفوس ودب اليأس فيها , فواجهة المشهد كلها ظلم وظلام , ولم يعد العمل والفضيلة من أسباب النجاح , فانزوى الجمال فينا , وتراجعت الهمم , وتعبت العزائم , وحارت العقول , اغتيل العلم , وانسحب الحلم , وضاقت بنا الدنيا , وتعالى الناس على الناس , وتوقفت الحياة إلا لمن يتقرب من المفسدين وينافقهم , ولم يعد الوطن وطنا , وصارت الوجوه مشدودة والنفوس سقيمة , فكيف تستقيم النفس والعدل غائب؟ , وكيف يعيش المرء في وطن شيعت فيه الفضيلة , ومات فيه الحياء , وانتحرت فيه الحياة ؟ . والسؤال الآن : هل يمكن حل جهاز أمن الدولة؟ بعد نجاح ثورة 25 يناير المباركة يرى غالبية النشطاء السياسيين بأن اكتمال الثورة مرهون في جانب كبير منه، في التخلص من جهاز أمن الدولة، ومحاكمة كل من تورط في تعذيب وقتل رجال وشباب وطننا الحبيب مصر.
وقد قامت تونس بالفعل مؤخرا بحل جهاز أمن الدولة لديهم , فيما يرى بعض الخبراء الأمنيين وقيادات جهاز أمن الدولة السابقين الذين قضوا كل خدمتهم الوظيفية داخل الجهاز ومشهود لهم بالكفاءة العالية والخبرات الكبيرة ضرورة الابقاء عليه لاهميته في نواح أمنية قومية عدة لكن مع إعادة هيكلته ووضع نظام رقابي قضائي على نشاطاته.
ويبقى السؤال قائما: هل يمكن حل جهاز أمن الدولة؟ والخلاصة :
1- إن حل جهاز أمن إبليس المسمى بجهاز أمن الدولة بشكله الحالي أمر مطلوب , ومحاكمة كل المتورطين فيه محاكمة عادلة تشفي صدور الناس وتقتص للمظلوم من الظالم بلا تهاون , وهذا ما نطالب به ونميل إليه إذ أن مهمة هذا الجهاز من الممكن أن تقوم بها المؤسسات الأمنية الأخرى .
2- إذا كانت هناك ضرورة لوجود هذا الجهاز لا محالة , فلا مانع من إعادة بنائه تحت مسمى آخر تكون مهمته ضبط وتتبع المجرمين وكل من يريد بهذا البلد سوء , على أن يتم تفعيل الرقابة عليه وعلى كل مؤسسات الدولة لأن غياب الرقابة هو أساس كل فساد , ومن أمن العقوبة أساء الأدب .
3- يجب وضع عناصر جديدة مدربة أمنيا تنتسب إلى هذا الجهاز بأخلاق جديدة تتسم بالفضيلة والفهم والوعي وحسن التقدير والاحترام , لا يكون فيهم فرد واحد من الجهاز السابق حيث أن المنتسبين للجهاز السابق أغلبهم يحتاج إما لعلاج نفسي مكثف أو محاكمة عادلة ربما تؤدي إلى إعدام بعضهم في ميدان عام .
4- من الأفضل أن يكون تبعية هذا الجهاز إداريا للقضاء وليس لوزارة الداخلية , ويتم ربطه بأجهزة الدولة من الناحية الإلكترونية المعلوماتية .
5- يكون من حق أي مواطن أن يتظلم أمام القضاء من أي غبن أو سوء تقدير يقع عليه من قبل هذا الجهاز ويُنظر في تظلمه يعين الاعتبار .
6- تشكيل لجان حقوقية مدنية مشهود لعناصرها بالشرف والنزاهة , تتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة تقوم بالرقابة على مؤسسات الدولة . وإننا نرفض رفضا قاطعا أي مظهر من مظاهر الفوضى , ونناشد السيد وزير الداخلية بعودة الشرطة إلى الشارع المصري , ونناشد كل شعب مصر العظيم الذي قام بالثورة العظيمة أن يؤدي دوره في مساندة الحكومة الحالية ومساعدتها حتى تقوم بما عليها من واجبات , لأن الحمل أثقل عليها مما يتخيله بشر , إذ ورثت هذه الحكومة مجبرة هذا الكم الهائل من المشاكل في دولة كبيرة بحجم مصر , مما يجعلنا نقول أن الحكومة الحالية هي فارسة هذا الزمن بعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي قام بدور تاريخي في ثورة الحرية والكرامة التي قام بها شعب مصر وشباب مصر العظيم . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى , ودامت مصر وأهلها وشعبها بكل خير , ودمتم في أمان الله .

المقالات السابقه للكاتب احمد المنسي تجدوه هنا

جهاز أمن إبليس

حتى لا تموت الثورة