كيف لا يعتقد شعب الآزتك أنهم سادة العالم وأنّ باقي البشر لم يخلقهم [ويتزيلوبتشتلي] إلا سخرة ً وخدما ً وعبيدا ً بل قرابين لآلهتهم ؛ فقد كانت إمبراطوريتهم أعظم إمبراطوريّة في ذلك الوقت ؛ تربّعت على ما يزيد عن [250،000] كيلومتراً مربعاً وتحكموا بمصائر اكثر من [12 مليون] نسمة.


شعب الآزتك أحد الشعوب التي سكنت العالم الجديد ؛ القارتين الإمريكيّتين ؛ وقد حكمت هذه الامبراطورية العديد من الشعوب والقبائل. فقد استوطن الآزتك في ما يعرف اليوم بالمكسيك بعد أن كانت قبيلة من البدو الرحل ، الذين يجولون بين القبائل ليقدموا أعمالهم لبعض الشعوب والقبائل الأخرى مقابل البضائع والسلع ويحكى أنهم لم يلبثوا كثيرا في مكان واحد ، بسبب قسوتهم وفظاظتهم ووحشيتهم فبالمقارنة مع العديد من الشعوب التي تجاورها كان الآزتك كغيرهم وثنيّين لكنهم كانوا متخلّفين كثيرا عن غيرهم في الديانه فكانت عندهم القرآبين البشرية وتعدد الآلهة والطبقية بين أفراد الشعب ، وتمتعوا بنظام قضائي يعتبر من أكثرها عدالة وصرامة في نفس الوقت.


مقدمة


سكنت الآزتك في القارة الأمريكية الشمالية وتحديداً بين القارتين الأمريكيتين والتي تسمى بأمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية. عاشوا على ضفاف خليج المكسيك وامتد حكمهم حتى بلغ المحيط الهادي. شعب هذه القارة من الشعوب الوثنية التي تعبد الأصنام وتتقرب إلى الشمس ككثير من شعوب القارتين الأمريكيتين وذلك قبل حملات الانتداب والغزو الإسباني وإكراه تلك الشعوب على اعتناق النصرانية.


وعلى الرغم من تخلّف هذه الشعوب وبدائيّتها في الديانة والمعتقد والتصرفات إلا أنها كانت إمبراطوريّةً عظيمةً قدمت سبل متطورة أثرت على جاراتها من الامبراطوريات في أقنية الري والبناء وتشييد القصور وتربية المواشي ، وعلى الصعيد الاجتماعي كونت أحد أكثر أنظمة الحكم عدالة في ذلك العصر. في هذه التدوينة سأتحدث عن الأرض وجغرافيّتها وأبرز الأحداث التاريخيّة لهذه الامبراطوريّة وكذلك المعتقد وعن النظام الاجتماعي والقضائي فيها محاولا قدر الإمكان تجنب الإطالة وعدم التكلّف.


جغرافيّة الامبراطوريّة







نفوذ الآزتك



الموقع: تقع إمبراطورية الآزتك على ضفاف خليج المكسيك في أمريكا الوسطى بين الإمريكييتين فيما يعرف اليوم بالمكسيك.
العاصمة: وتدعى [تِنوتشْتِتْلان] وتعني موضع الصبّار وسنتعرف لاحقاً لماذا سمّيت بذلك وهي جزيرة تقع على جزيرة في بحيرة تشكوكو والتي تقع في أواسط بلاد المكسيك.
الارتفاع: ترتفع العاصمة عن سطح البحر ما يعلو على [ 2250متراً ].
السكان: بلغ عدد السكّان في العاصمة قبيل عمليات الغزو الإسباني [ 1519 م ] ما يربو على ثلاثمائةٍ وخمسين ألفاً في أكثر من ستّين ألف منزل لتكون في زمنها أكبر من كثير من الحواضر في أوربّه وآسيه.
أما عدد سكان الإمبراطورية في المجمل يزيد على [ 12 مليون ] نسمه في القرن السادس عشر.
المساحة: [ مئتان وخمسون ألف كيلومترا مربع ].


نبذة تارخية


نستطيع أن نقول أن الآزتك قد مرّوا بحقبتين تاريخيّتين:


الأولى: حقبة الشتات.
في تلك الحقبة وتحديداً في [القرن الثالث عشر ] كان الآزتك قبائل من البدو الرّحل تجوب إمريكا الوسطى بين القبائل ؛ لا مأوى لهم سوى الكهوف في الجبال ولا يكاد يغطّي أجسادهم سوى رقع من جلود الحيوانات ؛ ويعتاشون على الصيد ويتنقلون ما بين القبائل يعملون لديهم لفترات بعضها يمتد الى سنوات ولكن ما يلبثون أن يرحلوا بسبب تعاملهم وقسوتهم وخشونتهم وفظاظتهم. يحكى أن بعض المرتزقة من الآزتك قدّموا لسيدهم ؛ بعد أن عادوا من أحد المعارك ؛ كيساً فيه [ثمانية آلاف] أذن تنتمي لأسرى أعدائهم كوسيلة لعد الأسرى وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدل على فظاظتهم.


الثانية: حقبة بناء الإمبراطورية






أمارة قيام دولتهم



بعد أن عاشت هذه القبيلة مرحلة شتات وضياع امتدت لقرن من الزمن ، وصلت القبيلة إلى ضفاف بحيرة شكوكو وهو مكان مليء بالمستنقعات وأشجار نبتة الصبار والبعوض فعلى الرغم من علّات هذا المكان إلّا أنهم ارتأوا في هذا المكان مكاناً مناسبا لإقامة عاصمتهم [تِنوتشْتِتْلان]. تحكي الأسطورة أن كاهن القبيلة رأى علامة أرسلها لهم آلهة الشمس والنار [ويتزيلوبتشتلي] ؛ وهي نسر الكوندور يحمل في فيه أفعى ويحط على شجرة من أشجار نبتة الصبّار ؛ ادّعى الكاهن أن هذه العلامة إشارة من الآلهة لإقامة دولتهم المزعومة. فاتّخذ الآزتك تلك البحيرة عاصمةً لهم ، فقد بنوا بادئ الأمر فيها بعض البيوت من القصب على ضفاف هذه البحيرة واشتغلوا زماناً في الصيد والمقايضة مع القبائل المجاورة ، حتى تم بناء أول هيكل (معبد) وتنصيب أول حاكم لهم في عام 1325م. وفي 1440م ؛ وبعد بدء عمليات الإغارة والغزو والاستيلآء على القرى والمقاطعات التي تعيش بجانبهم ؛ اكتسح الآزتك وادي المكسيك برمّته. ولعل أبرز ملوكهم وقادتهم على مر تاريخهم الحاكم [إتزكواتل] ، وقد وصل إلى العرش بعد انتخابه في عام [1427م] وهو ابن لأمَة ولكن هذا لم يكن مانعاً كي ينتخب لقيادة الامبراطورية وعلى يد إتزكواتل توسعت الامبراطورية لتبلغ أوج عزّها فاجتاحت وادي المكسيك برمتّه في عهد ولايته.




بحيرة تشكوكو في وادي المكسيك



ظل الآزتك مسيطرين على وادي المكسيك حتى بدأت حملات الانتداب والغزو الإسباني التي اجتاحت البلاد في عام [1519م] عندما أبحر القائد كورتيز من كوبا ؛ والتي كانت أحد مستعمرات الإسبان ؛ بعد أن سمع بالكنوز التي يمتلكها الآزتك. وقد أبحر بأحد عشر سفينة تحمل على متنها أكثر من 500 جندي و100 بحّارٍ و16 خيّالٍ و14 مدفعيّة إلى خليج المكسيك ليحط عند سواحل [فيرا كروز] الحارّة مخترقا السهل والوعر ليعبر الممر الواقع بين الجبلين التوأمين البركانييّن [بوبوكاتيبتل] و[إيستكيواتل] لينزلوا لوادي المكسيك متجهين إلى قلب العاصمة [تِنوتشْتِتْلان] والتي تقع في وسط بحيرة تشكوكو. ليجد كورتيز أمامه منظراً عجيباً فقد احتشد أهالي [تِنوتشْتِتْلان] لاستقبال الإسبان بالهتاف وهم وفي كامل زينتهم وحليّهم ، وأقبلت عليهم محفّة مرصعة بالذهب والفضة والجواهر الثمينة ، عليها حُمل الملك [مكتيزوما شوكويتسين] ليستقبل الضيوف بنفسه.





القائد كورتيز



اقتاد الملك الضيوف إلى القصر في وسط هتاف جماهيري واستغراب واضح من الإسبان ؛ فقد كان الآزتك يعتقدون بأن كورتيز آلهتهم [كيتزلكواتل] ؛ فقد كانت النبوءة تقول بأن آلهتهم [كيتزلكواتل] وهو أبيض البشرة وذو لحية سيأتي ليطلب العرش من قبل المشرق ؛ وهذا ما حصل تماما مع كورتيز فقد تولى الحكم دون قيد أو شرط بسبب تلك النبوءة. بعدها احتجز كورتيز الملك مكتيزوما وأمره بأن يقسم هو ونبلاءه على الولاء والطاعة لحاكم إسبانيه الملك شارل. وبهذا استقر الحكم لكورتيز.



معركة تنوشتتلان الأخيرة بين الإسبان بقيادة كورتيز والآزتك بقيادة مكتيزوم




لكن الأمر لم يتم بهذه السهولة فقد بلغ كورتيز أن خصمه اللدود [بانفلوا نارفاييز] قد حضر من مستعمرة كوبا بأوامر صريحة من قائد المستعمرة ؛ وهما ممّن يضمر العداوة والبغضاء لكورتيز ؛ بالقبض على كورتيز ، فما كان من كورتيز الا ان خرج لقتاله مع ثلة من جنوده فانتصر على خصمه وفي طريق عودته بلغه أن رجاله عاثوا سرقاً ونهباً وتدميراً بعد أن اعترضوا أحد المحافل التي أقامها أهالي [تِنوتشْتِتْلان] مما أثار الغضب الشعبي في أهل تلك المدينة فقاتلوا بقية رجال كورتيز وطردوهم من المدينة ، فاستعان كورتيز بأهالي المقاطعات التي تكنّ الكره الشديد للآزتك فمضى بمئة ألف منهم إلى قلب العاصمة فعاثوا فيها سفكا ًوتدميراً وحرقاً حتى قتل في ذلك اليوم الموافق للثالث عشر من آب عام 1521م أكثر من 200،00 من سكان [تِنوتشْتِتْلان] ودمر جزء كبير من تلك البلدة الجميلة بعد توالي القصف المدفعي لعدة أيام متواصلة ، لينتهي بذلك حقبة الآزتك فقد استعبد أهلها ودمرت معابدها وأحرقت كتب كهنتها وأكرهوا بعدها على النصرانية.



الحياة الاجتماعية


تميز مجتمع الآزتك بالطبقيّة الواضحة والصارمة جداً فقد تم تقسيم الإمبراطورية إلى قسمين منفصلين هم الآزتك وباقي الشعب ويعتقدون أن آلهتهم ويتزيلوبتشتلي قد خلقهم أسياداً على العالم وأن باقي البشر قد خلقوا لخدمتهم (هل يذكّركم هذا بأحد !) وعبيداً أوقرابيناً يقدمونها على الهياكل والمعابد.

يتبع.............