شكلت سورية بغناها الحضاري محط أنظار علماء الآثار فى العالم الذين تقاطروا عليها للبحث والتنقيب عن تاريخ وحضارات الشعوب القديمة التي عاشت في سورية أو مرت منها، وكان لها دور أساسي في كتابة تاريخ الحضارات العالمية حتى تجاوزعدد البعثات الأثرية في العام الجاري أكثر من ثمانين بعثة مابين وطنية ومشتركة وأجنبية، في حين كان عددها لايتجاوز الثلاثين بعثة فى منتصف القرن الماضي.
ورافق ازدياد عدد البعثات وتكثيف أعمالها تطور عمليات التنقيب الأثري ومتطلباته في سورية، وبدأت البعثات الأثرية العلمية تستخدم أجهزة حديثة ومتطورة جدا للكشف عن الآثار وتحليلها مثل وسائل التصوير الحديثة والمخابر الحديثة المتطورة جدا لتحليل العينات الأثرية، وتعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف على الاستفادة من الخبرات وإعداد الأطر الأثرية الوطنية الشابة من خلال العمل مع البعثات الأثرية داخل سورية وخارجها بإيفادهم لاتباع دورات تدريبية في مجالات اختصاصية متعددة ليصبح الكادر الوطني بمستوى علمي مماثل لنظيره الأجنبي.
وتقوم المديرية بالتنقيب في المواقع الأكثر أهمية وضرورة للعمل، لاسيما في المواقع الرئيسية والمهددة بالغمر لذلك وجهت نداء دوليا من أجل مساهمة بعثات أجنبية في إنقاذ المواقع المهددة بالغمر ولبت منذ السبعينات بعثات إنقاذ متعددة الجنسيات عملت فى المواقع والتلال الواقعة ضمن مناطق سدود الفرات وتشرين والخابور وحصلت على نتائج هامة في تلك المواقع.
وأهم المواقع التي تم التنقيب فيها بحيرة الأسد وتل المريبط وحبوبة الكبيرة وتل السنكلحية وتل أبوهريرة وعناب السفينة وتل العبد وتل الحديد وغيرها من التلال حيث تم اكتشاف آثار هامة تعود إلى مابين الألف العاشر قبل الميلاد وحتى العصور العربية الإسلامية، اما التلال التى غمرت فى بحيرة سد تشرين فاهمها موقع الجرف الاحمر الذى عملت فيه بعثة سورية فرنسية وحصلت على نتائج هامة تمثلت فى العثور على قرية نموذجية ذات طابع معمارى متطور بنيت بيوتها من الحجر الطولانى الذى اطلق عليه اسم سيجار وكذلك عثرت على لوحات بازلتية رسم عليها رموز واشارات هندسية حيوانية ربما شكل اعادات رمزية لمدلولات معينة وهى ماتزال قيد الدراسة لمعرفة مدلولاتها الحقيقية
ومن الاكتشافات الهامة فى الجرف الأحمر العثور على منحوتات حجرية نقش عليها خطوط تشبه اشعة الشمس وهى من الرسوم النادرة التى يعود تاريخها الى الالف العاشر قبل الميلاد وفى تل حالولة عثر على لوحة من الرسوم الجصية
فى ارضية احدى الغرف فى الموقع وعلى بقايا نسيجية يعود تاريخها الى الالف السابع قبل الميلاد وفى حوض الكوم بتدمر كشفت البعثة السورية الفرنسية فى موقع ام التلال على اطول تسلسل اثرى معروف وعلى امتداد 300 الف سنة حيث تتعاقب فيه طبقات اثرية تبدأ من العصر الحجرى القديم وحتى ظهور الزراعة فى العصر الحجرى الحديث كذلك عرف الموقع استيطانا كبيرا فى العصر الرومانى المتأخر حيث تشكل ام التلال احد المواقع النادرة للاستيطان فى العراء وفى المواسم السابقة عثر على تقانيتين حجريتين لم تكونا معروفتين فى المنطقة ويعود تاريخها الى 14000 سنة خلت اضافة الى العثور على بقايا نباتية محفوظة بشكل كامل وهذه حالة نادرة واستثنائية لهذه البقايا ويعود تاريخها الى40 الف سنة.
وفى منطقة وادى عفرين تقع مغارة الديدرية والتى تعمل فيها البعثة الاثرية السورية اليابانية المشتركة حيث عثرت على هيكل عظمى لطفل النياندرتال يبلغ من العمر نحو ثلاث سنوات ويعود تاريخه الى العصر الحجرى الاوسط نحو مئة الف عام
وهذا الهيكل هو الثانى فى هذه المغارة والتى تعد بالكثير من المكتشفات الهامة وتدل طريقة الدفن والادوات الحجرية المرافقة للهيكل على اعتقاد الانسان بالحياة والموت.
وفى موقع تل بيدر بالحسكة حيث تعمل بعثة سورية اوروبية مشتركة تم العثور على طبعات اختام بيضوية الشكل تحمل كتابات مسمارية تتضمن موضوع التبادل التجارى بين تل البيدر والمواقع المجاورة له وتتشابه هذه الطبعات مع الطبعات المكتشفة فى تل براك اضافة لذلك عثر على رقم مسمارية بعضها سليم والبعض الاخر مكسور وتتحدث هذه الرقم عن الامور الاقتصادية فى التل ويعود تاريخ هذه الاكتشافات الى الالف الثالث قبل الميلاد
وفى تل عربيد
اكتشفت البعثة السورية البولونية المشتركة مدفنا ملكيا يعود تاريخه الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعثرت بداخله على هيكل عظمى لامرأة يرجح ان تكون اميرة اذ وجد بجانب الهيكل اكثر من 360 قطعة اثرية ذهبية وثلاثة عقود ومختلف الاحجار الكريمة وختمين اسطوانيين مغلفين بالذهب
وفى اغار بازار التابع لمحافظة الحسكة
كشفت البعثة المشتركة السورية البلجيكية البريطانية على جزء من عمارة مبنية من اللبن يعود تاريخها الى نهاية الالف الثالث قبل الميلاد اضافة الى الكشف عن جزء من منزل دائرى الشكل يعود تاريخه الى الالف الخامس قبل الميلاد كما عثرت ايضا على اجزاء من فرن صناعة الفخار يعود تاريخه الى الالف الرابع قبل الميلاد وعلى العديد من اللقى الاثرية المتمثلة بجرار فخارية وادوات حجرية برونزية وعظمية
وفى تل المشرفة التابع لمحافظة حمص قامت البعثة السورية الايطالية الالمانيةالمشتركة بالكشف عن اجزاء هامة من القصر الملكى الذى يعود تاريخه الى الالف الثانى قبل الميلاد وكشفت البعثة ايضا قاعة العرش والقواعد والحفر التى اعدت لاعمدة معبد ننيجال والتى يبلغ قطرها ثلاثة امتار كما كشفت عن صالة للفخار تحتوى على قطع فخارية كثيرة وعثرت فى قاعة العرض على جرة كاملة ومتميزة بزخرفتها
وفى موقع دورا اوربوس بدير الزور عثرت البعثة الفرنسية السورية المشتركة على نقش كتابى ذى اهمية كبيرة حيث وجدت على وجه احدى القطع الحجرية التى بقيت محفوظة تحت بناء يعود تاريخه للعصر الرومانى وتم الكشف عنه عام 1923
على ثلاثة اسطر مكتوبة بالخط اليونانى ومزينة باللون الاحمر وتشير الى اسم والقاب الشخص الذى يمثله التمثال ويتضح من النقش ان اسم الشخص اويليوس لياس القائد العسكرى وممثل الامبراطور ويحظى اكتشاف هذا النص باهمية بالغة لانه يشر الى ان مدينة دورا اوربوس لعبت دورا هاما كمركز يونانى تحت اشراف وسيطرة البارثيين الذين دام حكمهم لها ثلاثة قرون.
وفى ايبلا تل مرديخ كشفت البعثة الايطالية هذا الموسم عن اجزاء كبيرة من البوابة الشمالية بوابة حلب كذلك تم الكشف عن اجزاء من البوابة الشرقية لايبلا والتى تسمى باب مارى وفى القسم الغربى من التل كشفت البعثة عن تحصينات دفاعية هامة تعود الى الالف الثانى قبل الميلاد وكذلك عملت على ترميم القصر الشمالى ومعبد حدد اللذين يعود تاريخهما الى الالف الثانى قبل الميلاد وسوف تتابع البعثة الاثرية اعمال الترميم فى العام المقبل
وفى تل البحارية التابع لمحافظة ريف دمشق كشفت البعثة الوطنية التى تدرب طلاب المعهد المتوسط للاثار والمتاحف السوية الثانية فى التل حيث عثرت على اجزاء من جدران غرف يعود تاريخها الى الالف الرابع قبل الميلاد كما عثرت على فرن يعود تاريخه لنفس الفترة وكذلك تم الكشف على تنور ودمى حيوانية مصنوعة من الطين يعود تاريخها لنهاية الالف الخامس قبل الميلاد وبداية الالف الرابع قبل للميلاد والى جانب ذلك عثرت على كسر فخارية كثيرة بعضها مصنع بشكل جيد ومتقن ويعود تاريخها الى الالف الخامس قبل الميلاد واهم المكتشفات هى قطعة من حجر الاوسيديان المشغولة والتى كانت تستخدم للزينة تعلق على الصدر.
وفى مارى تل الحريرى تابعت البعثة الفرنسية اعمالها بالكشف على استمرارية السور الداخلى للمدينتين الاولى والثانية وقامت بدراسة النظام الدفاعى للمدينة الثانية بالاضافة الى دراسة العلاقة بين المدينتن الاولى والثانية فى منطقة المعابد، وفى افاميا تابعت البعثة البلجيكية الكشف على اساسيات وارضيات غرفة من الفسيفساء مخربة كثيرا ويعود تاريخها للعصر البيزنطى وعثرت على تمثال من الرخام الابيض لرجل وامرأة عاريين ويجلسان على صخرة يوجد باسفلها افعى رأسها مكسور.
وكشفت البعثة السورية البلجيكية المشتركة فى دير مارتقلا على بقايا معابد منحوتة فى الصخر وقبور تتصل بالدير ويعود تاريخها الى القرن الثانى قبل الميلاد ويذكر اسلوب هذه المعابد بالاسلوب الفنى الرائع المتبع فى مدينة البتراء بالاردن، وتتابع باقى البعثات الاثرية اعمالها الاثرية، فعثر على مكتشفات جديدة فى تل القرامل وتل برير وتل ليلان وتل سيانور وقلعة حلب ويوجد بعض البعثات التى اقتصرت اعمالها على الدراسة والترميم
كما فى حويرتة حيث تم العمل على ترميم لوحات الفريسك المكتشفة فى الموقع المذكور اضافة الى التنقيبات التى قامت بها البعثات الوطنية والتى ادت الى اكتشافات هامة فى موقع نبع الصخر فى القنيطرة حيث تم االكشف على جزء من سور حجرى يلتف بشكل دائره حول الموقع ومن المحتمل ان يكون جزءا من سور داخلى كان يحيط بالموقع.
وفى تدمر عثر على عدد من التماثيل خلال العمل فى السور الدفاعى للمدينة تمثل سيدات من تدمر ولوحات جنائزية ورأسا حجريا لرجل تدمرى وجميع هذه اللقى يعود تاريخها الى القرن الثانى الميلادي، وحسب مصادر المديرية العامة للاثار والمتاحف فان اعمال التنقيب مستمرة والاكتشافات تتوالى كل يوم لتؤكد ان ارض سورية
هى مخزن للتاريخ والحضارة لتثبت انها لازالت تخبئ الكثير من المعلومات والمفاجات التى ستساهم فى انارة تاريخ المنطقة وتاريخ البشرية جمعاء.