العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (086-100)ب : اسم الله البر 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-05-31


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنىالبَرّ):
أيها الأخوة الكرام، يحرص اسم "البَر" على أن يفعل كل أنواع البِر، الله "البَر" وعطاؤه بِر.
الإيمان بالله و اليوم الآخر يحمل الإنسان على طاعة الله عز وجل:
علاقة المؤمن بهذا الاسم أن يحرص حرصاً لا حدود له على أن يفعل كل أنواع البِر، فجلّ جلاله يقول:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 177 )
أن تكفي لعبادة شكلية، أن تقل سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب، أن تؤدي ركيعات، والذي يؤديها ساهٍ ولاهٍ، وأن يتحرك حركة بعيدة عن منهج الله، أن يرى الدين طقوس، وحركات، وسكنات، وتمتمات، وإشارات، يفعلها الإنسان وانتهى الأمر.
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 177 )
أي آمن بالله إيماناً يمنعه أن يخرق استقامة الله عز وجل ﴿ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
آمن بالله إيماناً يمنعه أن يؤذي مخلوقاً.
﴿ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
المسلم في هذه الأيام له إطار ديني باهت:
الإنسان يصلي ولا تكلفه الصلاة شيئاً، يتوضأ ليصلي، يصوم، والصيام أصبح عادة من عادات المسلمين، ويحج بيت الله الحرام، وقد يصبح الحج سياحة، فنادق فخمة جداً، تسوق من أعلى مستوى، وقضية سهلة جداً، طواف، وسعي، وقص شعرتين، وانتهى الأمر، فهذا الفهم للدين الفهم الطقوسي، أنه صلينا وانتهى الأمر، أما حياتنا، وكسب أموالنا، وعلاقاتنا، ونشاطاتنا، وعلاقاتنا بالنساء، أفراحنا، أتراحنا، يعيش المسلم اليوم حياة الغرب، له إطار باهت ديني، الجمعة يرتدي ثوباً أبيض، يتعطر، معه مسبحة، يذهب إلى الجامع، كيف أمضى هذا الأسبوع ؟ كيف أمضى ليالي هذا الأسبوع ؟ مع من جلس ؟ مع من أكل ؟ مع من تسامر ؟ ماذا قال في كلامه ؟.
جوانب البر:
1 ـ الجانب العقدي:
لذلك:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
هذه الأنواع المنوعة من البر لو حللناها، لوجدنا براً عقدياً، هناك جانب عقدي ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾
العاقل من آمن بيوم الحساب الذي سيحاسب فيه على كل همسة و بسمة:
أركان الإيمان آمنت بالله واحداً، وموجوداً، وكاملاً، خالقاً، ومربياً، ومسيراً، آمنت بالله، بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، آمنت بأنه على كل شيء قدير، هو القوي، هو الغني، هو الرحيم، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل،
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ ﴾
وآمنت أيضاً أن هناك يوم آخر تحاسب فيه على كل كلمة، وعلى كل همسة، وعلى كل بسمة.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الحجر )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
( سورة الزلزلة )
﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
أن تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعة الله، وأن تؤمن باليوم الآخر إيماناً يمنعك أن تؤذي مخلوقاً.
﴿ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾
يكتبون عليك كل أعمالك ﴿ وَالْكِتَابِ ﴾
المنهج، افعل ولا تفعل ﴿ وَالنَّبِيِّينَ ﴾
هؤلاء قمم البشر الذين أرسلهم الله عز وجل ليكونوا قدوة لنا، هذا الجانب العقدي. 2 ـ الجانب العبادي:
أما الجانب العبادي
﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ ﴾
أقام صلة مع ربه، وصلة مع خلقه، أقام صلة مع ربه طاعة، وإنابة، وحباً، وتوكلاً، وأقام صلة مع خلقه إحساناً، كما قال الله عز وجل:
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
( سورة مريم )
هناك حركة نحو الخالق، إيمان، وإقبال، وطاعة، وحركة نحو المخلوق انضباط وإحسان، هذا الجانب العبادي. 3 ـ الجانب الخيري:
و هناك الجانب الخيري.
﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾
ينفق. 4 ـ الجانب الخلقي:
هناك جانب خلقي
﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
إذا أديت الجانب العقدي، والجانب الخيري، والجانب الأخلاقي كنت عند الله صادقاً.
لذلك الله هو "البَر" المحسن، وعطاؤه بر، والبِر أن تؤمن، وأن تستقيم، وأن تعبد الله، وأن تحسن إلى خلقه، وأن تتخلق بالخلق الذي أراده الله لك. البر و الإثم:
أيها الأخوة، السنة المطهرة أكدت أن البِر حسن الخلق، وكأن الدين مجموعة أخلاقية، هذا الذي قاله ابن القيم رحمه الله تعالى، قال: الإيمان هو الخلق، من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
لذلك قال النواس رضي الله عنه:
(( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن البِر والإثم، فقال عليه الصلاة والسلام البر: حسن الخلق، والإثم: ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس ))
[ مسلم عن النواس]
كل شيء تستحي منه، تستحي أن تفعله أمام الناس، هذا هو الإثم، كل شيء لا تتمنى أن ينسب إليك هذا هو الإثم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( وإياك وما يعتذر منه ))
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]
أي موقف، أي كلمة، أي حركة، أي سكنة تضطر أن تعتذر عنها لا تفعلها. أفضل الناس إسلاماً وإيماناً وقرباً ومكانة أحسنهم أخلاقاً:
أيها الأخوة، الإيمان أساس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وقد بيّن النبي عليه الصلاة والسلام ذلك في مجموعة من أحاديثه الصحيحة فقال:
(( وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً، وإن خير الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً. ))
[أخرجه أبو يعلى والطبراني عن جابر بن سمرة ]
وإن من أحبّ العباد إلى الله أحسنهم خلقاً، وإن من أقرب المؤمنين مجلساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أحسنهم خلقاً.
(( وأن خير ما أعطي الإنسان خلق حسن ))
[أخرجه الطبراني عن أسامة بن شريك ]
(( مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي مِيزانِ المؤمِنِ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ]
(( إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))
[أخرجه أبو داود عن عائشة أم المؤمنين ]
(( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة ))
[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك ]
وكما قال عليه الصلاة والسلام:
(( الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]
كلها أحاديث صحيحة، من أصحّ الأحاديث أن أفضل الناس إسلاماً، وإيماناً ، وقرباً، ومكانة ، وثقلاً في الميزان أحسنهم أخلاقاً، فإذا ألغيت الخلق الحسن ألغيت الدين. الدين ليس طقوساً هو منهج و استقامة و التزام:
أيها الأخوة، هذه حقيقة أولى، أتريد عطاء الله ؟ تريد توفيقه ؟ تريد تأييده ؟ تريد نصره ؟ تريد قربه ؟ تريد السكينة ؟ تريد الحكمة ؟ تريد الرضا ؟ تريد أن يجري الله على يديك الخير ؟ افعل هذه الأفعال.
﴿ منْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
أنا أحذر من فهم بدأ ينتشر بين الناس، فهم للدين على أنه طقوس، يعني افعل ما يشاء لكن ادعِ لنا أستاذ، لا تكفي هذه.
(( أعني على نفسك بكثرة السجود ))
[أخرجه البزار عن عبد الملك بن عمير ]
يريد عملاً لا يكلفه شيئاً، كلمات يقولها وتنتهي مشكلاته، هذا فهم طقوسي للدين الدين منهج، الدين التزام، الدين استقامة. أعظم البِر بِرُ الوالدين:
الآن أيها الأخوة، من أعظم البِر بِرُ الوالدين، كما قال تعالى:
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾
( سورة مريم )
باراً بوالديه، يعني هذان اللذان كانا سبب وجودك، إن لم تكن وفياً لهما لم تكون وفياً لأحد، من أعظم الأعمال بر الوالدين، لذلك قال تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
( سورة الإسراء الآية: 23 )
رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
أيها الأخوة، شيء آخر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في صحيح البخاري، فقال:
(( يا رسول الله، مَنْ أحَقُّ الناس بِحُسْن صَحابتي ؟ قال: أمُّك '، قال: ثم مَنْ ؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ ؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْ ؟ قال: أبُوك. وفي رواية قال أمَّك، ثم أمك، ثم أباك ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ]
سُل النبي عليه الصلاة والسلام:
(( فأي الناس أعظم حقاً على الرجل ؟ ))
[أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]
يوجد بحياتك نساء كثيرات، في بنت، في أخت، في زوجة.
(( فأي الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال: أمه ))
[أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]
فلما سئل:
(( أي الناس أعظم حقاً على المرأة ؟ ))
[أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]
امرأة لها أب، لها أخ، لها عم، لها خال، لها ابن أخ، ابن أخت، لها زوج.
(( أي الناس أعظم حقاً على المرأة ؟ قال: زوجها ))
[أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]
فلذلك أحد أكبر أبواب البِر، أحد أسباب القرب من الله بِرُ الوالدين، لذلك ورد في بعض الآثار:
(( ليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ))
[ الحاكم في تاريخه عن معاذ ]
الأمن أعظم شعور يناله الإنسان:
الآن هذا البر عطاء الله، توفيق الله، إكرام الله، تأييد الله، نصر الله، السكينة تلقى في قلبك، الرضا يفعم بها قلبك، الحكمة تكون في أعلى عليين عند الله، وعند الناس بالحكمة، الأمن أعظم شعور يناله الإنسان.
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
فهذه العطاءات الكبيرة جداً، هذه العطاءات الكبيرة تحتاج إلى بذل، إلى إنفاق المؤمن بنى حياته على العطاء وغير المؤمن بنى حياته على الأخذ:
بالإسلام يوجد استقامة، الاستقامة تودي بك إلى السلامة، أنا ما كذبت، جيد، أنا ما غشيت، لم أحتال على أحد، لم أسيء إلى أحد، هذه استقامة، بالاستقامة تسلم، لكن التألق والسعادة والشعور بأنك أسعد الناس هذا يحتاج إلى بذل، من مالك، من وقتك، من علمك، من خبرتك، من جاهك.
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
المؤمن بنى حياته على العطاء، وغير المؤمن بنى حياته على الأخذ، والأقوياء يأخذون ولا يعطون، والأنبياء يعطون ولا يأخذون، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء يمدحون في غيبتهم وبعد ألف و خمسمئة عام، والأقوياء يمدحون في حضرتهم. لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ:
لذلك:
﴿ لَن﴾
لتأبيد النفي:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 92 )
أحياناً سامحهم الله، البضاعة الكاسدة، التي لم تبع لعشر سنوات، تعتبر زكاة أموالهم، الآن الأحذية كل حذاء رقم 42 ـ 40 ـ، تفضل هذه زكاة مالي، هذا على الحاوية، يقدم زكاة ماله أسوأ بضاعة عنده، البضاعة الكاسدة، ذات الألوان المنفرة القياسات الغير معقولة، يقول لك: هذه زكاة مالي ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
الشيء الجيد الرائع.
والله أنا سمعت عن محسن يدفع زكاة ماله بطاقة عليها مبلغ خمسة آلاف ليرة، وهناك أربعة محلات فروع للألبسة من الطراز الأول، صاحب هذه البطاقة يختار أجمل ثياب، أجمل قميص، هو يختار، فيقدم البطاقة مجموع الذي اختاره بأربعة آلاف و ثمانمئة، يبقى له مئتي ليرة فيعطونه إياها، مجموع الذي اختاره ستة آلاف يطلبوا منه ألفاً، يختار أجمل شيء ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
أنا لي معاناة كثيرة مع بعض الأخوة الكرام يقدمون زكاة مالهم بضاعة سيئة جداً، أضعها في الحاوية أحياناً، فإذا سألني أقول له وضعتها في المكان المناسب ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ ﴾
الطعام الطيب أطعمه للمسكين، أكلة من ثلاثة أيام ما عاد أحد أكلها، لا تنفق شيئاً تكرهه. الجنة منهج لها ثمن باهظ:
أيها الأخوة، البِر، الله "البَر"، محسن، وعطاؤه بِر، البِر بشرح تفصيلي مطلق عطاء الله، إحسانه في الدنيا، وإحسانه في الآخرة، كفاية تحفظ للإنسان ماء وجهه، سعادة تملأ قلبه، صحة يحفظ الله بها عبده، هيبة ترفع ذكر الإنسان، كل أنواع الخير تنطوي تحت كلمة البِر، وهذا البِر ثمنه الإنفاق
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
أكبر خطأ أن تتوهم أن الجنة ركعتان، وليرتان، وانتهى الأمر، لا الجنة منهج لها ثمن باهظ، منهج والله لا أبالغ قد يصل لخمسمئة ألف بند.
(( ألا أن سلعة الله غالية ألا أن سلعة الله غالية ))
[أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
الْبِرِّ صلاح الدنيا وَالتَّقْوَى صلاح الآخرة :
أيها الأخوة، الآن:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
( سورة المائدة الآية: 2 )
هنا البِر صلاح الدنيا، يعني الشباب بحاجة إلى بيوت، هل هناك مشروع لإسكان الشباب وحلّ مشكلاتهم ؟ يوجد عنوسة عالية، هل هناك مشروع للتوفيق من أجل الزواج ؟ هذا عمل عظيم، في بطالة، ممكن تعمل مشروعاً صناعياً ضخماً تهيئ فرص عمل للناس ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ﴾
هنا صلاح الدنيا ﴿ وَالتَّقْوَى ﴾
صلاح الآخرة.
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
( سورة المائدة الآية: 2 )
في شارع من الشوارع فيه 90 ملهى ليلي، وفي طرق فيها ضفاف أنهار، وعلى ضفاف الأنهار مئات الملاهي، والنوادي الليلية، على المعصية ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
"البَر" أبلغ من البار لأن "البَر" هو الله:
أيها الأخوة، قال: "البَر" أبلغ من البار، بَر يبر، براً وباراً، تقول علامة وعالم العلامة أبلغ من العالم، "البَر" أبلغ من البار.
لذلك الله عز وجل من أسمائه "البَر"، "البَر" تتالى بره، توالى إحسانه، كثر عطاؤه، كثر خيره، "البَر" أبلغ من البار، "البَر" هو الله، والبِر الأعمال التي تقرب إليه.
وقل بعضهم: "البَر" هو الذي من على السائلين حسن عطائه، وعلى العابدين بجميل جزائه، وقيل "البَر" الذي لا يقطع الإحسان بسبب العصيان، فإذا قال يا رب وهو ساجد قال الله له: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد: يا رب وهو عاصٍ، قال الله له: لبيك ثم لبيك، ثم لبيك، لأن الله ينتظره.
تماماً كابنٍ عاق فالأب ينتظره، فعودة العاق إلى أبيه مسعدة للأب، لبيك، ثم لبيك، ثم لبيك.
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد ))
[ ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ]
والحمد لله رب العالمين