العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (076-100)ب : اسم الله المجيد 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-04-13


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنىالمجيد):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم "المجيد" ، ولابدّ من مقدمة متعلقة باسم "المجيد".
التوافق بين خصائص النفس وبين كمالات الله جلّ جلاله:
النفس البشرية فُطرت على حبّ الكمال، وعلى حبّ الجمال، وعلى حبّ النوال، وحينما يؤمن الإنسان بالله الإيمان الصحيح يرى أن أصل الكمال، وأن أصل الجمال، وأن أصل النوال عند الله.
لذلك الذات الإلهية كاملة كمالاً مطلقاً، ولن تخضع النفس إلا للكمال، ولن تخضع إلا للإحسان، إلا للجمال، فهناك توافق بين خصائص النفس، وبين كمالات الله جل جلاله.
إذاً أنت حينما تؤمن باسم "المجيد" معنى ذلك أن تقبل عليه، أن تصل إليه، أن تتوكل عليه، أن تسعد بقربه، توافق عجيب بين خصائص النفس التي لا يملؤها إلا معرفة الله عز وجل، هي مصممة تصميماً لا نهائياً، فأي هدف أرضي محدود أقبلت عليه، واتجهت إليه بعد أن تصل إلى مبتغاها منه، تشعر بالسأم، والملل، والضجر، هذا شأن النفس البشرية.
السعادة في الدنيا متناقصة لا متنامية من حكمة الله عز وجل:
لذلك بناءً على هذه الخصيصة في النفس، لا يمكن للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة متنامية، ولا مستمرة، بل متناقصة، هذه حقيقة، الإنسان قبل أن يصل إلى الشيء يراه كبيراً، فإذا وصل إليه يراه بحجم أقل من حجمه، فإذا ألفه يراه صغيراً، شاءت حكمة الله ألا يسمح للدنيا أن تمدنا بسعادة لا متنامية، ولا مستمرة، بل متناقصة.
فالإنسان حينما يختار هدفاً أرضياً محدوداً يختار أن يكون غنياً مثلاً، أو يختار أن يكون قوياً، أو يضع اللذة نصب عينيه، مثل هذا الإنسان بعد حين يكتشف فراغاً كبيراً في حياته.
وهذا ما يفسر حينما يتجه الناجحون في حياتهم إلى القمار أحياناً، أو إلى الشذوذ لماذا ؟ لأن هدفه اللذة، هذه اللذة ألفها، بل ملّ منها، يبحث عن نوع آخر، أو عن شكل جديد، فحياة الإنسان الذي لم يعرف الله عز وجل حياة فيها فراغ كبير، أما هذه النفس البشرية لأن الله سبحانه وتعالى فطرها على طبيعة لا نهائية، فلا يقنعها، ولا يملأ فراغها إلا أن تتجه إلى المطلق، اللانهائي.
لذلك من خصائص هذه النفس أنها إذا اتجهت إلى المطلق، وإلى اللانهائي وإلى الآخرة هي في شباب دائم، الإنسان إذا عرف الله في شباب دائم، تقدم سنه يظهر له بعض السلبيات في صحته، هذا شيء طبيعي، أما همته، تطلعاته، نشاطاته، معنوياته في أعلى مستوى.
أي تفسير في الدين لا يظهر كمال الله المطلق تفسير باطل غير صحيح:
لذلك النفس البشرية تحب الكمال، وتحب الجمال، وتحب النوال، وأصل الجمال، والكمال، والنوال عند الله، وحينما تتجه إليه تطمئن.
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد )
فحينما ترى أن الله "المجيد" يعني متناهٍ في الصفات العليا، من عرف الله زهد بما سواه.
أيها الأخوة، أي تفسير في الدين لا يظهر كمال الله المطلق، أي شرح لآية، أي شرح لحديث، أي شرح لواقعة، أي شرح لحادثة، لا يؤكد كمال الله المطلق فهذا الشرح غير صحيح، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
أي كمال الله عز وجل كمال مطلق. الطرق الكبرى لمعرفة الله:
1 ـ التفكر في خلقه:
لكن الآن طريق معرفته يحتاج إلى تأنٍ، أحد طرق معرفته التفكر في خلقه فنحن أمام كون معجز، أمام كون معجز بمجراته، بكازاراته، بمذنباته، بكواكبه، بنجومه ، بشمسه، بقمره، بليله، بنهاره، بمخلوقاته، بالأطيار، بالأسماك، بالنبات، بالحيوان، بالإنسان، بالبحيرات، بالبحار، يعني أنت أمام كون لا نهاية لعظمته، هذا الكون يدل عليه، هذا الكون مظهر لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، أنا أسمي الكون الثابت الأول في الإيمان، يعني الله عز وجل خلق هذا الكون، في رحمة، في حكمة، في عظمة، في قوة، في غنى أسماء الله الحسنى تظهر في خلقه.
لذلك أنت حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تتقرب من معرفة الله، والله عز وجل حينما قال:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
إذاً أحد الطرق الكبرى لمعرفة الله أن تتفكر في خلقه، هذا الطريق سالك وآمن ولا يوجد به أخطار أبداً، وكلما تفكرت في خلق السماوات والأرض ازددت معرفة به، ازددت رؤية لكمالاته. 2 ـ تدبر كلامه:
هناك طريق آخر: أن تتدبر كلامه، الله عز وجل له خلق، وله كلام، وله أفعال فالتفكر في خلقه طريق، وتدبر قرآنه له طريق.
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
( سورة الأحقاف الآية: 33 )
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
يعني القرآن الكريم تعريف بالله، هذا باب آخر. 3 ـ التفكر في أفعاله:
لكن الطريق الثالث: التفكر في أفعاله يحتاج إلى وقفة متأنية، أن ترى على شبكية العين شعوب مسلمة فقيرة مضطهدة، تعاني ما تعاني، وترى شعوباً متخلفة دينياً متقدمة حضارياً، تسمى شعوباً متطورة لكنها غير متحضرة متوحشة، وهي قوية، وتفعل ما تقول، هناك مفارقات إذا تأملت فيما يجري في الكون.
الطريق الثالث ينبغي أن يأتي في المرتبة الثالثة، بالأولى تعرفه من خلقه ، وبالثانية تعرفه من كلامه، عظمة خلقه، ودقة كلامه تلقي لك ضوءاً على أفعاله، ولن تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك، إلا بحالة مستحيلة إلا أن يكون لك علم كعلمه، إذاً أنت أمام طرق ثلاث، أن تعرفه من خلقه، ثم من كلامه، ثم من أفعاله.
أخطر شيء أن تقول على الله شيئاً لا تعرفه:
الآن يقول بعض العلماء: العوام إذا ارتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، أخطر شيء أن تقول على الله شيئاً لا تعرفه، أن الله خلقه كافراً، وقدر عليه الكفر، مستحيل، وألف ألف مستحيل.
إنسان شرب الخمر وجيء به إلى سيدنا عمر، فقال: أقيموا عليه الحد ، قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدّر عليّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا ! إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
بل إن المعاصي رتبها الله ترتيباً تصاعدياً، فذكر الفحشاء والمنكر، ذكر الإثم والعدوان، ذكر الشرك، ذكر الكفر، وجعل على رأس المعاصي الكبيرة:
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة )
لا تقبل تفسيراً لا يظهر كمال الله، لا تقبل تفسيراً لا يظهر عظمة الله، لا تقبل تفسيراً يتناقض مع الكمال المطلق، الله عز وجل كماله كمال مطلق، فلذلك قال تعالى: ﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾
( سورة الفتح الآية: 6 )
حسن الظن بالله ثمن الجنة:
أيها الأخوة، آية ثانية:
﴿ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
( سورة المائدة الآية: 154 )
لذلك حسن الظن بالله ثمن الجنة، حسن الظن بالله أن توقن برحمته، أن توقن بعدله، أن توقن بحكمته، وهناك مقولة لو فهمنا أبعادها فهماً يقينياً وعميقاً لأحسنّا الظن بالله هذه المقولة: كل شيء وقع أراده الله، بمعنى سمح به، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، معنى الحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾
( سورة القصص الآية: 47 )
وما من مصيبة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بما قدمت أيدي الناس. ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾
( سورة القصص الآية: 47 )
المصائب رسائل من الله عز وجل:
لو أصبنا بمصيبة، وهنا جاءت المصيبة بكلمة مقابلة، رسالة، إذاً اعلموا علم اليقين أن المصائب رسائل من الله، رسالة إلهية:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة القصص )
فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، لكن هناك شر نسبي، بالنسبة للإنسان شر نسبي موظف للخير المطلق، وهذا من حسن الظن بالله عز وجل . التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله تعالى:
أسماء الله الحسنى هي الأسماء التي تخضع لها النفس، لذلك أصل الدين معرفته، كنت أقول لكم دائماً: إن التفكر أحد أقصر المسافات إلى الله، أو أحد أقصر الطرق إلى الله، والتفكر أحد أوسع الأبواب التي ندخل منها على الله، مثل بسيط وسريع:
هذا الأنف تتنفس من خلال الأنف، ما الذي يحصل في هذا الأنف ؟ هناك سطوح متداخلة، هذه السطوح مزودة بأوعية دموية لها عضلات، هذه العضلات توسعها، فأنت إذا كنت في يوم بارد، ونظرت إلى أنفك بالمرآة رأيته أحمر اللون، لماذا صار أحمر اللون ؟ لأن الأوعية الدموية في البرد تتوسع، لتأتي كمية دم أكبر، والدم حرارته 37 فيسخن هذا الأنف، حتى الهواء الذي بدرجة صفر يدخل منه من هنا، يصبح هنا 37، حتى نضمن تسخين الهواء لئلا تؤذى الرئة، فصار بالأنف سطوح متداخلة، هذه السطوح المتداخلة مزودة بأوعية ذات خاصة تتميز بها، فيها عضلات تتوسع.
إذاً الهواء البارد إذا دخل في طرق طويلة وملتوية يسخن، لذلك الذي يتنفس من فمه يصاب برشوحات كثيرة جداً، خطأ كبير الإنسان يتنفس من فمه، يكون عطل الجهاز، هذه السطوح عليها مادة لزجة، فإذا في هواء مع غبار، هواء مع دخان، المواد العالقة بالهواء تعلق على السطوح اللزجة، هذه الخاصة الثانية، لو أن ذرة غبار تمكنت أن تمشي في الفراغ لا أن تقتنصها السطوح هناك أشعار تصطادها، أصبح هناك سطوح متداخلة والطريق طويل حتى يسخن الهواء، والسطوح لزجة حتى تصطاد الغبار، و بالفراغات أشعار كي تقتنص هذه الذرات.
صنع من ؟ حكمة من ؟ عظمة من ؟ أنت حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تجد نفسك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، لذلك الآية التي هي أصل في التفكر:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
المجيد متناه في صفاته الكاملة و أفعاله العظيمة :
الآن اسم الله "المجيد"، العظيم، المتناهي في صفاته الكاملة، المتناهي في أفعاله العظيمة، اسم "المجيد" يملأ النفس، من هنا قيل: إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدره لأصفيائه المؤمنين، أنت حينما تؤمن باسم الله "المجيد" تتجه إليه، وإذا اتجهت إليه تسعد بقربه، هو الدين كله، تعرفه ، تطيعه، تسعد بقربه، ثلاث كلمات، تعرفه، تطيعه، تسعد بقربه، أو بالتعريف المفصل العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية يعني هناك جانب معرفي، جانب سلوكي، جانب جمالي.
للتقريب: لو وضعت قطعة حديد تحت أشعة الشمس، لابدّ من أن تشتق هذه القطعة من الشمس الحرارة، ضع قطعة حديد تحت أشعة الشمس في أيام الصيف الحارة ثم أمسك هذه القطعة لا تستطيع، اكتسبت حرارة، إذا كان قطعة الحديد تعرضت لأشعة الشمس تأخذ من هذه الأشعة الحرارة، فالنفس البشرية تعرضت لأنوار الله عز وجل.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾
( سورة الأنفال الآية: 29 )
الاتصال بالله شيء ثمين لكنه مشروط بمعرفته:
هل بقلبك نور ترى به الخير خيراً والشر شراً ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
( سورة الحديد لآية: 28 )
أنت قد لا تعرف أبعاد الاتصال بالله، تتصل بالحكيم، تشتق منه الحكمة. ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية: 269 )
تتصل بالرحيم، تشتق منه الرحمة، فأنت رحيم. ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
( سورة الزمر الآية: 22 )
تتصل بالقوي تقوى بقوته، تتصل بالعليم يلقي الله في قلبك النور، إذاً الاتصال بالله شيء ثمين جداً، لكن السبب أن تعرفه.
أيها الأخوة، بعد أن تتصل بالحكيم، الرحيم، بالعظيم، بالمجيد ما الذي يحدث ؟ تشتق منه الكمال، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ))
[أخرجه الطبراني عن حسين بن علي ]
المؤمن تطلعاته مقدسة يسعى لنشر الهدى و غير المؤمن يعيش في وحول الشهوات:
أخوانا الكرام، المؤمن يعيش بأفق عالٍ، وهو بالأفق الأعلى، همومه مقدسة ، رغباته مقدسة، تطلعاته مقدسة، يحمل همّ الأمة، يسعى لنشر الهدى، يسعى لحل مشكلات الناس، يعيش بآفاق عليا، وهناك أناس يعيشون بالوحل، بالغيبة، والنميمة، والكيد ، والافتراء، والعدوان، والزنا، وشرب الخمر، وأكل المال الحرام، فالمؤمن يعيش في الأفق الأعلى، بينما غير المؤمن يعيش في وحول الشهوات، والدعاء الذي أبدأ به كل درس:
" اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ".
لذلك:
(( من أصبح و أكبر همه الدنيا جعل الله فقره في عينيه، وشتت عليه شمله ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ))
[الترمذي عن أنس]
و:
(( من جعل الهموم هماً واحداً ـ هناك آلاف الهموم فجعلها هماً واحداً ـ كفاه الله الهموم كلها ))
[ الجامع لأحكام القرآن ]
هم في مساجدهم والله في حوائجهم.
(( مَن شَغَلَهُ قراءةُ القرآن عن مسألتي: أعطيتُهُ أفضلَ مَا أُعْطِي السائلين ))
[أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
الصفة الرائعة في المؤمن أنه ترك الخلق، واتجه إلى الحق، ترك وحول البشر واتجه إلى جنات القرب مع رب العالمين. القرآن الكريم يسعد كل إنسان لأنه شفاء للنفوس و العقول:
القرآن الكريم، ما دمنا في اسم الله "المجيد" وصف بأنه مجيد، فضل كلام الله على كلام خلقه، كفضل الله على خلقه، القرآن الكريم وصف بأنه قرآن مجيد، بمعنى أنه مسعد، إذا قرأته حلت كل المشكلات، لأنه شفاء للنفوس، هناك شيء دقيق، قال تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه. ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
معنى الآيتين ؛ من يتبع هدى الله عز وجل، والأصل فيه القرآن، لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، عقله مستنير، ونفسه سعيدة، لا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، لا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟. خمسة أشياء من فعلها فقد تلا القرآن حق تلاوته:
أيها الأخوة:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 )
لأنه قرآن مجيد، ما حق تلاوته ؟ قال بعض العلماء: حق تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية، تعلموا العربية ـ كلام سيدنا عمر ـ فإنها من الدين، أن تتلوه وفق قواعد اللغة، ثم أن تتلوه وفق قواعد التجويد، ثم أن تفهمه، ثم أن تتدبره، الفهم شيء والتدبر شيء آخر، التدبر أن ترى أين أنت من هذه الآية، أن تسأل نفسك السؤال المتكرر أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنت مطبق لها ؟ هل أنت في مستواها، هل تنطبق عليك صفات المؤمنين ؟ التدبر، ثم التطبيق، ثم قراءته وفق قواعد اللغة العربية، قراءته وفق قواعد علم التجويد، فهم لآيات الله، تدبر لها، عمل بها، خمسة أشياء إن فعلتها فقد تلوت القرآن حق تلاوته، والقرآن الكريم وصف في القرآن الكريم أنه قرآن مجيد.
لذلك اسم الله "المجيد" من أجل أن تتجه إليه، من أجل أن تطيعه، من أجل أن تقبل عليه، من أجل أن تسعد به، من أجل أن تبدأ سعادتك بمعرفته وتستمر إلى أبد الآبدين.والحمد لله رب العالمين