العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (041-100)أ : اسم الله القدوس 1لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-29


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( القدوس):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم "القدوس".
ورود اسم القدوس في القرآن الكريم و السنة الشريفة:
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضعين، في قوله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾
( سورة الحشر الآية: 23 )
وقد ورد في موضع آخر في قوله تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
( سورة الجمعة )
أما في السنة الصحيحة، ففي صحيح مسلم، من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان:
(( يقولُ في رُكوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، ربُّ الملائِكَةِ والرُّوحِ ))
[أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي عن عائشة]
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم إذا هب من الليل يقول:
(( سبحان الملك القدوس ))
[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن أُبي بن كعب ]
إذاً هذا الاسم دخل في أذكار النبي عليه الصلاة والسلام. تسمية الجنة بحظيرة القدس لأنها مطهرة من كل عيوب الدنيا:
ما هو التقديس ؟ التقديس ؛ التطهير، سميت الجنة بحظيرة القدس، لأنها مطهرة من كل عيوب الدنيا، لا في كبر، ولا في ضعف بصر، ولا في شيب، ولا في إنحاء ظهر، ولا في ابن عاق، ولا في زوجة سيئة، ولا في دخل قليل، ولا في فقر، ولا في مرض، سميت الجنة بحظيرة القدس لأنها مطهرة من كل عيوب الدنيا، وجبريل سماه الله في القرآن الكريم، روح القدس، قال تعالى:
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ﴾
( سورة النحل الآية: 102 )
لأنه مطهر من كل عيوب التبليغ، لا ينسى، ولا يغير، ولا يبدل، ولا يضيف، ولا يحذف، ولا يبالغ، لأنه مطهر من كل عيوب التبليغ. اتصاف المؤمن بالعدالة و الضبط معاً:
لذلك المؤمن الموصول بالله، يتصف بالعدالة والضبط، العدالة صفة نفسية والضبط صفة عقلية، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
المعنى المعاكس إذا عاملهم فظلمهم، وحدثهم فكذبهم، ووعدهم فأخلفهم سقطت عدالته، لكن بعض العلماء أشار إلى أن هناك حالات كثيرة العدالة لا تسقط، لكنها تُجرح، تطفيف بتمرة يجرح العدالة، أي الوزن لم يأتِ تماماً، قال عليه الصلاة والسلام: إذا وزنتم فأرجحوا .
الوزن أقل بتمرة واحدة، جُرحت العدالة، أكل لقمة من حرام، لا تنوي أن تشتري، ذقت هذه الفاكهة الشهية، أكلت حبة منها، وادعيت أن السعر مرتفع، ومشيت أكلت لقمة من حرام، هذه تجرح العدالة، من مشى حافياً تجرح عدالته، من بال في الطريق تجرح عدالته، من أكل في الطريق تجرح عدالته، من علا صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق، تجرح عدالته، من تنزه في الطرقات ليمتع عينيه بالغاديات والرائحات تجرح عدالته، من صحب الأراذل تجرح عدالته، من قاد جرذوناً (حيوان مخيف) أخاف به الأطفال تجرح عدالته، من أطلق لفرسه العنان، السرعة الزائدة تجرح العدالة، من كان حديثه عن النساء هذه طويلة، وهذه بيضاء، وهذه، الحديث عن النساء يجرح العدالة، أرأيت إلى دقة هذا الدين العظيم ؟ هناك أشياء، الظلم، والكذب، وإخلاف الوعد يسقط العدالة، بينما أكل لقمة من حرام، تطفيف بتمرة، تجرح العدالة، فالمؤمن يتصف بالعدالة، ويتصف بالضبط. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
( سورة الحجرات )
يتمتع المؤمن بالضبط، وبالعدالة معاً. على كل إنسان أن يُطهر نفسه عن كل عيب إذا أراد أن يُقبل على الله عز وجل:
أيها الأخوة الكرام، القداسة: هذه الطهارة والبركة، والبركة الخير الكثير، قدّس الرجل ربه قال إذا عظمه، وكبّره، وطهر نفسه بتوحيده وعبادته، قال تعالى يصف الملائكة في حالهم مع الله:
﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 30 )
الكلام دقيق، أي نطهر أنفسنا من كل العيوب، حتى نقبل عليك يا ربنا.
الآن دخلنا بموضوع دقيق: الأقوياء في الدنيا، أي إنسان أعلن لهم الولاء يقبلونه ولا ينتبهون إلى سلوكه، أي إنسان رفع صورتهم يقبلونه، أي إنسان أرسل لهم برقية تأييد يقبلونه، لكن الواحد الديان، إن لم تكن مستقيماً، إن لم طاهراً، إن لم تكن رحيماً، إن لم تكن منصفاً، إن لم تكن متواضعاً لا يقبلك، الولاء للأقوياء شيء، والولاء لله عز وجل شيء آخر.
(( إن الله طيِّب، لا يقبلُ إلا طيباً ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
مع غير الله القضية سهلة جداً، أي سلوك يؤكد ولاءك له أنت مقبول عنده، لكن القضية مع الله شيء آخر، لا يقبلك، ولا يتجلى على قلبك، ولا يلقي في قلبك السكينة، ولا يشعرك أنه يحبك إلا إذا كنت طاهراً، من الكذب، من الغش، من الاحتيال، من الكبر . الله عز وجل لا يقبل الإنسان إلا إذا كنت طاهراً من الذنوب والعيوب معاً:
أؤكد لكم أن صفة العنصرية الآن صفة شائعة بين الناس، يعني هناك توهم أن ترى لنفسك ما ليس لغيرك، هذا موقف عنصري يمنعك من أن تكون قريباً من الله.
(( إن الله طيِّب، لا يقبلُ إلا طيباً ))
وإذا توهمت أيضاً أن على غيرك ما ليس عليك، من هنا أحد من ألّف كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهداه في الصفحة الأولى فقال:
يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
أيها الأخوة، القداسة الطهر، والله عز وجل لا يقبلك إلا إذا كنت طاهراً، من الذنوب ومن العيوب معاً، نقدس لك نطهر أنفسنا من الذنوب كي تسمح لك أن نتصل بك. التقديس هو التوحيد و التوحيد أن تفرد الله عز وجل في العبادة:
أيها الأخوة، لكن لو تعمقنا قليلاً التقديس هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد أن تفرده في العبادة، أردف النبي خلفه سيدنا معاذ.
(( قال: هل تدري ما حقُّ الله على العباد ؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإن حقَّ الله على العباد: ـ بعد ذلك أجابه النبي ـ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ))
الموطن الدقيق في الحديث القسم الثاني:
(( قال: هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّ العباد على الله أن لا يعذِّبهم ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن معاذ بن جبل ]
أنشأ الله لك حقاً عليه. من لم يقبل الله دعوته يعذبه في الدنيا و الآخرة :
لذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من الآية الكريمة كيف أن الله ردّ على هؤلاء الذين قالوا:
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
ردّ الله عليهم فقال: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة الآية: 18 )
استنبط الإمام الشافعي أن الله عز وجل لو قبل دعواهم أنهم أحبابه لما عذبهم لأنه يعذبهم لم يقبل دعواهم، إذا قال المسلمون: نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا قالوا نحن:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 110 )
الرد الإلهي جاهز: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
لم يقبل دعوانا. ما دامت سنت النبي الكريم مطبقة في حياة المسلمين فهم في مأمن من عذاب الله:
من هنا أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 33 )
الآية واضحة جداً في حياة النبي، هم في بحبوحة في حياته، لكن ما معنى الآية بعد وفاته ؟ قال علماء التفسير: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
إذا كانت سنتك مطبقة في حياتهم، في بيوتهم، في أعمالهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في حلهم، في ترحالهم، في سلمهم ، في حربهم، ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله. ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
( سورة الأنفال )
وإذا استغفروا هم في بحبوحة أيضاً، فنحن في بحبوحتين، بل في أمنين من الله عز وجل، الأمن الأول أن نطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، والأمن الثاني أن نستغفر فإذا ما طبقنا سنته، ولم نستغفر إذاً نحن معرضون لعذاب لا يعلمه إلا الله.
الوحدانية و الأحدية:
إذاً التقديس هو التوحيد، التوحيد هو أن تفرده بالعبادة، وأن تفرده بذاته وبصفاته، وبأفعاله، أي:
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾
( سورة الشورى الآية: 11 )
أي هو أحد، هذه أحديته، أن تفرده بالعبادة، وأن تفرده بذاته، وبصفاته ، وبأفعاله بمعنى قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾
هذا معنى الأحدية، فالتقديس هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
والتقديس أيضاً إفراده بالوحدانية، الوحدانية شيء، والأحدية شيء آخر ، الوحدانية أي لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا شريك له هو واحد، لا مثيل له هو أحد، فالله عز وجل واحد أحد:
(( الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوا أَحَدٌ ))
[أخرجه البخاري والنسائي عن أبي هريرة ]
من تقديس الله تعالى أن تفصل في إثبات الكمالات له و أن تنفي عنه كل ما لا يليق به:
أيها الأخوة، التقديس نفي واثبات، يجب أن تنفي عنه كل ما لا يليق به، لكن النفي يجب أن يكون مجملاً، يعني مستحيل أن تمدح ملكاً وأن تقول هو لا يكذب، ولا يرتكب فاحشة، وليس لئيماً، وليس بخيلاً، التفصيل في النفي لا يليق بذات الله عز وجل منزه عن العيوب، أما التفصيل في الإثبات وارد، هو رحمن رحيم، غفور رحيم، واحد أحد، فرد صمد، كبير متعال، عدل، يجب أن تفصل في إثبات الكمالات له، ويجب أن تجمل في نفي العيوب عنه، هذا من التقديس.
﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 30 )
القلب السليم لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله:
أيها الأخوة، كل واحد منا ينظف مركبته، لأن هذه المركبة يراها الناس، ينظف بيته إذا جاء البيت بيته نظيف، وأحياناً يعطره، ينظف جسمه، ينظف ثيابه.
ثيابك، وبيتك، ومحلك التجاري، ومركبتك هي منظر الخلق، الناس ينظرون إليك، وإلى ثيابك، وإلى بيتك وإلى طلاء البيت، وإلى أثاث البيت، وإلى مركبتك، فالإنسان يطهر منظر الخلق.
ورد في بعض الآثار القدسية:
(( يا عبدي طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة ))
ما هو منظر الله عز وجل ؟ هو قلبك.
(( إِنَّ الله لا ينظرُ إِلى صوركم وأَموالكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأعمالكم ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
لذلك: ﴿ يَومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء )
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد غير الله، ولا يحتكم إلا لله.
أحياناً الإنسان بذكائه، هذه القضية لا تحل عند المشايخ، تحل في القضاء، يقول لك: نحن بلد في قانون، وفي قضاء، لأنه عند رجال الدين ما لها حل، بالحاسة السادسة يكتشف أن هذه القضية لا تحل بالقانون، معه عقد إيجار، المستأجر محمي، يأتي إلى عند المشايخ سيدي هذا أليس حقي ؟ جالس ببيت ! صلاته لا تجوز، لماذا في موضوع معين احتكمت إلى القضاء ؟ وفي موضوع آخر احتكمت إلى العلماء ؟ أنت مع مصلحتك ولست مع الحق.
أحياناً امرأة محجبة في بلد غربي إذا نشب خلاف بينها وبين زوجها ترفع الأمر لا إلى القاضي المسلم في المركز الإسلامي، لأنها إذا رفعت قضيتها له يحكم لها بالمهر فقط أما إذا رفعت قضيتها في بلد غربي إلى قاض غربي يحكم لها بنصف أملاك زوجها، فهذا الحجاب لا يتناسب مع الاحتكام لغير الله، ﴿ يَومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد غير الله، ولا يحتكم إلا لشرع الله. الله تعالى مطهر عن كل صفات الكمال البشري:
أيها الأخوة، الآن في معنى آخر: "القدوس" هو المطهر عن كل صفات الكمال البشري، أحياناً يتوهم الإنسان أن الله كالأب، هو منزه عن ذلك، كالقاضي العدل، لا، هو منزه عن ذلك، الإنسان بحسب ثقافته، بحسب علاقاته، يتصور العدل بقاضٍ، والرحمة بأب، فإذا أراد أن ينزه الله عز وجل، وأن يقدسه ينسب له صفات الكمال البشري، فقال العلماء: الله عز وجل قدوس، أي منزه عن صفات الكمال البشري.
لذلك قالوا: كل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك، هو مطهر عن صفات الكمال البشري، يعني كلمة منتقم بالإنسان لا ترتاح لها، لكن المنتقم من أسماء الله الحسنى يوقف الجبارين عند حدهم، يريح الناس منهم إذا مات العبد الفاجر:
(( يستريح منه العبادُ والبلادُ، والشجر والدواب ))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي قتادة ]
منتقم الله عز وجل، في طغاة ما في حل لإنهاء طغيانهم إلا بالموت، وسبحان من قهر عباده بالموت، فالمنتقم بحق الإنسان قد لا ترتاح لهذه الصفة، أما بحق الواحد الديان الرحمة كلها في انتقام الله عز وجل . معرفة الإنسان بالله ليست مطلقة لأنه لا يعرف الله إلا الله:
لذلك قالوا: لا يعرف الله إلا الله، حتى الأنبياء، حتى سيد الأنبياء والمرسلين معرفتهم بالله ليست مطلقة، نسبية، أعرف الخلق بالله رسول الله، لكن الله لا يعرفه إلا الله من أروع ما قرأت عن تفسير قوله تعالى:
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
( سورة محمد الآية: 19 )
أن النبي عليه الصلاة والسلام كلما أقبل على الله رأى رؤية جديدة، فاستحيا من رؤيته السابقة، إذا إنسان مليء مالياً، أنت توهمت هو معه مئة مليون، ثم اكتشفت معه ألف مليون، كانت قيمته على مئة مليون، فوجئت أنه يملك مبلغاً كبيراً جداً، فهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
كلما أقبل النبي على الله اكتشف جانباً من كمالاته لم يكن يعرفها من قبل. أصل الدين معرفة الله:
لذلك من أدق معاني الله أكبر، أكبر مما عرفت، طبعاً أكبر من كل شيء بديهي لكن بأرقى معاني هذه الكلمة الله أكبر مما عرفت، كلما تعمقت في معرفة الله يجب أن تقول الله أكبر.
لكن في تعليق لطيف: إذا كان الله عز وجل منزهاً عن صفات الكمال البشري فلأن يكون منزهاً عن عيوب البشر من باب أولى.
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
يعني شخص أراد أن يذاكر عالماً، هو عالم، قال له: ألا تشتاق إلا الله ؟ قال له: والله لا أشتاق له، قال له: كيف ؟! قال له: متى غاب عني حتى أشتاق إليه.
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، إن عرفته تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في التفلت من الأمر.والحمد لله رب العالمين