العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (039-100)ب : اسم الله الجبار 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-22


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الجبَّار ):
إمّا أن تكون مع ( الجبّار ) أو تكون من الجبّارين في الأرض:
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم ( الجبار )، والحقيقة الدقيقة والخطيرة: إما أن تكون مع الجبار الأعلى، مطيعاً، متذللاً، مفتقراً، محباً، فتستمد منه القوة، وتكون عزيزاً، ويكون خطك البياني في صعود مستمر، وإما أن يكون الإنسان من جبابرة الأرض بالباطل، لذلك يقصمه الجبار الأعلى، وترون وتسمعون كل حين كيف أن الله سبحانه وتعالى يقصم أحد جبابرة الأرض.
أيها الإخوة، في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))
[أخرجه أبو داود وابن ماجه ]
لا يسمح الله لجهة في الأرض أن تتأله، يسمح لها إلى حين، ثم يقصمها، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 34 )
علاقة المسلم باسم ( الجبار ):
ولكن ما علاقتنا بهذا الاسم ؟
استمداد القوة:
أول علاقة أكدها النبي عليه الصلاة والسلام حين قال:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
لكن النبي كما يقال باللغة الدارجة: جبار الخواطر، قال:
((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
ولو كنت مؤمناً ضعيفاً، لكن:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
المال والعلم والسلطة والجاه وفق منهج الله قوةٌ:
لماذا ؟ لأن خيارات المؤمن القوي في العمل لا تعد ولا تحصى، فالمؤمن الغني بإمكانه أن يفتح ميتما، أو معهدا شرعيا، أو مستشفى، أو مستوصفًا، أو مشروعا سكنيا للشباب، بإمكانه أن يصل إلى أعلى مراتب الجنة بماله، المال قوة كبيرة جداً، هو قوام الحياة، وقد ينشئ مساجد، ويزوج شباب، ويطعم الأيتام، ويرعى الفقراء، فيكون في قلوب الملايين.
لذلك:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
المال قوة، وأنت في منصب رفيع وفق منهج الله، بجرة قلمٍ تحقُّ حقاً، وتبطل باطلاً، تقر معروفاً، وتزيل منكراً، تقرّب مخلصاً ناصحاً، وتبعد فاجراً منافقاً، المنصب قوة كبيرة جداً، والمُمَكَّنون في الأرض رؤيتهم واسعة، وإذا عرفوا الله عز وجل كانت أعمالهم جليلة.
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة الكهف الآية: 84 )
(( مَا يَزَعُ النَّاسَ السلطانُ أَكْثرُ مِمَّا يَزَعُهُمْ القُرآنُ ))
[أخرجه زيادات رزين عن عثمان بن عفان ]
وأن تكون عالماً العلم قوة، لأن صناع القرار في الأرض يأخذون من العلماء اقتراحاتهم، والحقيقة الدقيقة أن العلماء هم مَن يحكمون الأرض، لأن صناع القرار يأخذون خبرة هؤلاء العلماء، لذلك قال الإمام الشافعي: " إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ".
إن الحقيقة الدقيقة أن الإنسان يظل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل، لذلك الكلمة الراقية المتواضعة المؤدبة لا أن تقول: أنا عالم، قل: أنا طالب علم، لأن فوق كل ذي علم عليم.
أيها الإخوة، بناء على هذا الحديث الصحيح في الصحاح: المؤمن القوي إما بماله، أو بعلمه، أو بمنصبه:
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
( سورة الكهف )
بناءً على هذا الحديث ينبغي أن تكون قوياً إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، فإن كان طريق القوة على حساب مبادئك وقيمك فالضعف وسام شرف لك، ولا أقبل بالقوة إلا إذا كانت وفق منهج الله، وبناء على هذا الحديث ينبغي أن يكون المؤمن غنياً، حتى يتقرب إلى الله بماله، ولكن بشرط أن يكون طريق الغنى وفق منهج الله بكسب مشروع، لا بالغش، ولا بالدجل، ولا بالاحتكار، ولا بالمعاصي في البيع والشراء التي لا يعلمها إلا الله، وإذا كان طريق العلم سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون عالماً.
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
أيها الإخوة، الحقيقة الأولى وقد نوهت بها في الدرس السابق، الله جل جلاله وحده هو القوي، ولا قوي سواه. ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
أية قوة في الأرض مستمدة من الله، تأييداً، أو استدراجاً:
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾
ابحث عن قوة لا تحتاج إلى غيرها:
إذا أردت القوة الحقيقية فابحث عن قوة لا تحتاج إلى غيرها، فلو كنت قوياً بإنسان ذي منصب رفيع، هذا الإنسان قوته مستمدة من بقائه في منصبه، فلو أزيح عن منصبه فَقَدَ قوته، فإذا كنت معه فقدتَ أنت أيضاً قوتك، فإن أردت القوة الحقيقية فابحث عن قوة لا تحتاج إلى غيرها، إنها قوة الله.
الشيء الذي لا نستطيعه هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله:
يجب أن نعلم علم اليقين أن الشيء الذي لا نستطيعه هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله، لأن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان، الدليل القرآني:
﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
( سورة الإسراء )
لكن الله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع التمنيات، لأنها بضائع الحمقى. ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 19 )
القوة كلُّها في التوحيد:
الآن مؤمن، كيف تكون قوياً ؟ تكون قوياً بالتوحيد، لأن ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فالتوحيد تحرير للإنسان من كل عبودية إلا من ربه الواحد الديان، المؤمن حر، المؤمن لا يجير لأحد، بل لا يليق بك أن تكون لأحد، أنت لله، أحد أكبر أسباب قوتك أنك محسوب على الله وحده، وأية جهة في الأرض قد تعد محسوبة على جهة قوية، فقوتها مستمدة من هذه الجهة، فإذا فقدت قوتها فجأة ضعفت هذه الجهة التي اعتمدت عليها.
والتوحيد تحرير لعقل الإنسان من الخرافات والأوهام، والتوحيد تحرير لضميره من الخضوع والاستسلام، والتوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين.
الإمام الحسن البصري أدى أمانة العلم، فبيّن، وكان في عهد الحجاج، فلما بلغ الحجاج ما قاله الحسن البصري غضب غضباً شديداً، وقال لجلسائه: "يا جبناء ! لأروينكم من دمه، وأمر بقتله، وقتلُ الإنسان سهل جداً على الحجاج، جاء بالسياف، وأرسل رجاله لاستدعائه ليقتله، دخل الحسن البصري على مقر الحجاج، فرأى السياف واقفاً، ورأى النطع قد مد، وهو رداء يوضع لئلا يتأذى الأثاث بدم المقتول، اسمه النطع، فعرف مصيره، فحرك شفتيه ببعض كلمات لم يسمعها أحد، فإذا بالحجاج يقف له، ويقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وما زال يدنيه ويدنيه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه في موضوع، وعطره، وضيّفه، وودّعه إلى باب القصر، الذي صُعق الحاجب والسياف ، لأنهما يعلمان لماذا جيء بالحسن البصري، جيء ليُقتل، تبعه الحاجب، وقال له: يا أبا سعيد، حينما تدخلت تمتمت بكلمات لم نفهمها، فماذا قلت بربك ؟ قال الحسن البصري: قلت لربي: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنس في وحشتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ".
أنت بالتوحيد أقوى الأقوياء، وليس هناك إلا الله، ولا إله إلا الله.
(( ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن ))
[ أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي عليه الصلاة والسلام ]
إن أردت أن تكون قوياً فوحِّد الله. ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
أيها الإخوة، التوحيد قوة، الموحد لا يرى مع الله أحداً، الموحد علاقته مع جهة واحدة، الموحد يرى أن أهل الأرض لا يستطيعون شيئاً أمام إرادة الله، الموحد يرى أنه لا يخاف إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، الموحد يرى أن يد الله تعمل وحدها في الكون، الموحد يقرأ قول تعالى فيقشعر بدنه:
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
( سورة الفتح الآية: 10 )
تيمورلنك سئل: من أنت ؟ قال: أنا غضب الرب، فالطغاة هم غصب الرب ، وظلم الطغاة لا يرد بالسيوف، بل يرد بالصلح مع الله، فالتوحيد قوة.
أيها المؤمن إن أردت أن تكون قوياً فوحد الله، والعلم قوة، العلم يعطيك طاقة لا تتقيد بحدود الزمان والمكان. ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
( سورة المجادلة الآية: 11 )
رتبة العلم أعلى الرتب، تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فُقْتُم، وإن كنتم وسطاً سُدْتُم، وإن كنتم سوقة عشتم.
الخليفة سليمان بن عبد الملك حج بيت الله الحرام، وهو في بيت الله الحرام قال: " مَن هو عالم مكة ؟ قيل به: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فالتقى به ـ دققوا ـ رآه شيخاً حبشياً، أسود البشرة، مفلفل الشعر، أفطس الأنف، إذا جلس بدا كالغراب الأسود، كأن رأسه زبيبة، نصف جسمه مشلول، لا يملك من الدنيا درهماً ولا ديناراً، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح ! الذي طوق ذكرك الدنيا ؟! قال: هكذا يقولون، قال: بمَ حصلت هذا الشرف ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي، الذي انقطعت له ثلاثين عاماً، فقال سليمان: لا يفتي في المناسك إلا عطاء، بعد يومين اختلف مع أبنائه في قضية في الحج، قال: خذوني إلى عطاء، فأخذوه إلى عطاء، وهو في الحرم، والناس متحلقون حوله، فأراد سليمان أن يجتاز الصفوف، ويتقدم إليه، وهو الخليفة، فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، يعني ابقَ في مكانك، ولا تتقدم الناس، فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين، فو الله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد ".
العلم قوة، لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، ون كان عبداً حبشياً، لا مال له ولا نسب، ويذل من يشاء بمعصيته، وإن كان ذا شرف ونسب.
ثم قال سليمان لأحد ولديه: " يا بني ! هذا الذي رأيته ورأيت ذلنا بين يديه هو وارث عبد الله بن عباس، الصحابي الجليل الذي أوتي فهما في القرآن، وكان موسوعة في كل العلوم، ثم أردف يقول: يا بني ! تعلم العلم، فبالعلم يشرف الوضيع، وينبغ الخامل ، ويعلو الأرقاء إلى مراتب الملوك.
أنت مؤمن، توحيدك قوة، وعلمك قوة. الدعاء قوة:
الآن الدعاء قوة، الدعاء قوة كبيرة سيدنا يونس في بطن الحوت، في ظلمة بطن الحوت، في ظلمة البحر، في ظلمة الليل والأمل بالنجاة صفر.
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
التوحيد قوة، والعلم قوة، والدعاء قوة. الإصرارُ قوة:
والإصرار قوة، حدثني عالم من علماء دمشق عن قصة سمعتها منه، ولم أقرأها، أن إنساناً في صعيد مصر أرسل ابنه إلى الأزهر، وعاد يحمل الإجازة، وألقى خطبة في مسجد القرية، فبكى الأب بكاءً مراً، الأب في سن 55، وهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب، كل مَن حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة ليست كذلك، إنه بكى أسفاً على عمره الذي أمضاه جاهلاً، ركب حمارَه، ما عنده غيره، وتوجه إلى القاهرة، وبقي في الطريق شهراً، ألف كيلومتر، فلما وصل القاهرة قال: أين الأزعر، أي أزعر هذا ؟ قال له: مكان العلم، قالوا: اسمه الأزهر، وصل إليه، وتعلم القراءة والكتابة في سن 55، ثم تعلم القرآن، ومات في سن 96، مات وهو شيخ الأزهر.
الإصرار قوة، أحد شيوخ الأزهر التحق بالأزهر فلم ينجح فترك الأزهر، وهو جالس في بيته رأى نملة تصعد على الحائط، وقعت، أعادت الكرة، عدَّ محاولاتها، فإذا هي 43 محاولة، فاستحيا من النملة، وتابع دراسته.
الإصرار قوة، التوحيد قوة، العلم قوة.
الإيمان قوة:
الإيمان قوة مطلقة، من فرعون ؟ أحد أكبر جبابرة الأرض، فرعون الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات )
فرعون الذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 )
له بنت ولهذه البنت ماشطة، مرة وقع المشط من يدها، فقالت الماشطة: بسم الله، قالت لها بنت فرعون: ألك رب غير أبي ؟ قالت لها: الله ربي وربك، ورب أبيك، قالت: سأخبر أبي، فلما أخبرت أباها جاء بهذه الماشطة، وهي تعمل عنده في القصر ، وجاء بأولادها الخمسة، وجاء بقدر فيه زيت مغلي، وأمسك ولدها الأول، قال لها: ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، هذه القصة في صحيح البخاري، فألقى ولدها الأول في القدر حتى انسلخت عظامه عن لحمه، وطفت عظامه على سطح القدر، أمسك الثاني، قال لها: ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، فألقى ولدها الثاني والثالث والرابع، القصة طويلة، أما الخامس فكان رضيعاً، فلما قال لها: ألك رب غيري ؟ سكتت، وتضعضعت، فأنطق الله الغلام، قال: اثبتِي يا أمي، أنت على حق، فقالت: الله ربي وربك، ألقى ولدها الرضيع الخامس، ثم ألقاها في القدر.
النبي عليه الصلاة والسلام حينما أسرى به إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء شم رائحة ما شم مثلها في حياته، قال: يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ رائحة طيبة جداً، فقال: جبريل هذه رائحة ماشطة بنت فرعون.
الحياة ستون أو سبعون سنة، أكبر رقم تتصوره واحد في الأرض وأصفار إلى لشمس، 156 مليون كيلومتر، كل ميليمتر صفر، هذا الرقم أمام الأبد صفر، أي رقم، هذه في الرياضيات نسب إلى اللانهاية فهو صفر، الدنيا صفر، بأموالها، بقصورها، بمركباتها بنسائها، بفقر صاحبها، الدنيا صفر، الغنى والفقر بعد العرض على الله، فهذه الماشطة فقدت حياتها، وحياة أولادها، وهذه بطولة كبيرة جداً، ولكنها كسبت الأبد.
أيها الإخوة، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
( سورة الشورى )
استمد قوتك من الله، الله مع الحق، لا تتضعضع، لا تتطامن، لا تستسلم، لا تنبطح، لا تنافق، كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، الله جبار بالحق، وجبار الأرض بالبطل، وجبار السماء يقصم جبار الأرض، لكن المؤمن قوي بإيمانه، القوة غير الجبروت، المؤمن قوي بإيمانه، هذه القوة تعطيه عزة، ومكانة، وجرأة.
فلذلك:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))
والحمد لله رب العالمين