العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (015-100)ب : اسم الله المبين 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-07-07


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( المبين ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( المبين ).
1 – اسم (المبين ) وصف للذات والأفعال:
الحقيقة أن هذا الاسم فيه وصف للذات، فالله سبحانه وتعالى بائن ؛ أي ظاهر، من بان واسم الفاعل من هذا الفعل بائن.
أما إذا بيّن الله للناس آياته فهو ( المبين )، وهذا وصف للأفعال، فاسم ( المبين ) بين أن يكون وصفاً للذات، وبين أن يكون وصفاً للأفعال.
2 – الله يبيِّن الآيات:

﴿ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية: 242 )
جاءت آيات كثيرة: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
( سورة الحج )
إذاً: الله جل جلاله يبيّن لخلقه آياته، لعل هؤلاء الناس يعرفون الحقيقة، لعلهم يتفكرون، لعلهم يعقلون، لعلهم يهتدون، لعلهم يتقون، لعلهم يشكرون.
ما هي آياتُ الله عزوجل ؟
فما هي آيات الله عز وجل ؟ قال العلماء: هناك آيات كونية، وهي خَلْق الله عز وجل، وهناك آيات تكوينية هي أفعاله، وهناك آيات قرآنية أي كلامه، فمن أجل أن نعرفه، ومعرفة الله أصل الدين ينبغي أن نتفكر في آياته الكونية، وأن ننظر في آياته التكوينية، وأن نتدبر آياته القرآنية.
لو وقفنا وقفة متأنية عند آياته الكونية، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننظر في السماوات ولأرض، وكما تعلمون كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لأن الله عز وجل جعل التفكر من أعلى درجات العبادة، فقال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
نماذج من آيات الله الكونية:
سرعة الضوء:
من بعض آياته الكونية: أن بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب 60، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب 60، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب 24، كم يقطع في السنة ؟ ضرب 365 يوما، كم يقطع في أربع سنوات ؟
إن طالبا من طلابنا في المرحلة الإعدادية يحسب كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا عن أرضنا، فإذا كان لهذا النجم طريق سالك، ومعنا مركبة أرضية، وسرنا بسرعة مئة في الساعة، لو قسمنا المسافة على مئة يكون الجواب كم ساعة تستغرق الرحلة، لو قسمنا الناتج على 24 نجد كم من يوم تستغرق الرحلة ؟ لو قسمنا الناتج على 365 كم من عام، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا 4000 سنة ضوئية ؟ بل متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً، وتبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية، إذا فتحت كتاب الله، وقرأت قوله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
لذلك أيها الإخوة: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر الآية: 28 )
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
ولكن في الآية الكريمة ملمح دقيق:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
( سورة الواقعة )
إنها كلمة مواقع، الموقع يعني أن صاحب الموقع قد لا يكون في الموقع، لأن هذا النجم، أو هذه المجرة، أو هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان، وأرسل ضوءه إلى الأرض، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي مسافة يستغرق قطعها 20 مليار سنة، النجم أين هو الآن ؟ ليس في هذا المكان، سرعته تقترب من سرعة الضوء.
لذلك إذا تأمل عالم فلك في كلمة: ﴿ بِمَوَاقِعِ ﴾، لخر ساجداً لله.
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
( سورة الواقعة )
لو أن الآية: لا أقسم بالمسافات بين النجوم، فهذا ليس قرآناً:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
برج العقرب:
إخوتنا الكرام، الأرض تدور حول الشمس، بين الأرض والشمس 156 مليون كم، يقطعها الضوء في 8 دقائق، الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض، وبينهما 156 مليون كم، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
( سورة البروج )
أحد أبراج السماء اسمه برج العقرب، برج العقرب فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق يتسع ـ دققوا الآن ـ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، أهذا الإله العظيم يُعصى ؟! ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية: 101 )
البعوضة:
لو انتقلنا نقلة فجائية من المجرات، ومن السماوات إلى أحقر مخلوق عند الإنسان إنه البعوضة، البعوضة بعد أن وضعت تحت المجهر تبين أن في رأسها مئة عين، وفي فمها 48 سناً، وفي صدرها 3 قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، وتملك البعوضة جهازا استقباليا حراريا لا تملكه الطائرات، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولا بألوانها، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية.
وتملك جهاز تحليل دم، فما كل دم يناسبها، وتملك جهازاً آخر، جهاز تمييع للدم، لأن لزوجة دم الإنسان لا تسري في خرطومها، وتملك جهاز تخدير.
أما خرطومها ففيه ستة سكينان، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، فإذا قال الله عز وجل في قرآنه:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
( سورة البقرة الآية: 26 )
هذه الآية تندرج تحت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
في أرجل البعوضة مخالب، إن أرادت أن تقف على سطح خشن، وفي أرجل البعوضة محاجم، إن أردت أن تقف على سطح أملس. ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية: 101 )
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
أيها الإخوة الكرام، الآيات التي تتحدث عن العلم، وعن التفكر، وعن العقل تقترب من ألف آية في القرآن الكريم، والآيات التي تتحدث عن الكون تقترب أيضاً من ألف آية، لذلك سبيل معرفة الله التفكر في آياته، فالله عز وجل حينما قال: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
الله عز وجل مبين، بيّن هذه الآية، والله عز وجل ظاهر، بل إن كل شيء في الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، هذا عن آياته الكونية.
من آيات الله التكوينية:
فماذا عن آياته التكوينية ؟ نحن مأمورون أن نتفكر بآياته الكونية، أما آياته التكوينية فهي أفعاله.
تصوروا فرعون، وما أدراكم من فرعون، بجبروته، بقوته، باستعلائه، باستكباره، بقسوته، بظلمه، بطغيانه، هذا فرعون رواء سيدنا موسى بقوته، سيدنا موسى معه شرذمة قليلون من بني إسرائيل، وصلوا إلى ساحل البحر الأحر.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
احتمال النجاة صفر، فرعون بأسلحته، بحقده، بطغيانه، باستعلائه، باستكباره، وراء نبي كريم مع شرذمة من بني إسرائيل. ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
والقصة معروفة لديكم، حيث إن هذا النبي الكريم ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سار فيه موسى ومن معه، تبعهم فرعون، وكان موسى قد خرج من الطرف الآخر، وفرعون في منتصف البحر، فغرق، وكان إغراق فرعون آية من آيات الله عز وجل.
وهذه القصة لنا من أجل ألا نيأس، من أجل أن نثق بالله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين. ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هذه آية من آياته التكوينية، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هؤلاء الذين عارضوا النبي الكريم، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ، أبو جهل وأبو لهب، هؤلاء الذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين.
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
وفي آية أخرى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ﴾
( سورة النمل الآية: 69 )
أحياناً يأتي التدمير سريعاً، وقد يأتي متأخراً لحكمة أرادها الله عز وجل، فآياته الكونية أُمرنا أن نتفكر فيها، وآياته التكوينية أُمرنا أن ننظر فيها.
الآيات القرآنية:
بقيت آياته القرآنية أُمرنا أن نتدبر آياته القرآنية، والقرآن الكريم يُقرأ، والأولى أن يُقرأ قراءة صحيحة، وفق قواعد اللغة، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وإن أمكن ينبغي أن يُقرأ قراءة وفق أحكام التجويد، هذا مندرج تحت قوله تعالى:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 )
ثم ينبغي أن نفهمه، ثم ينبغي أن نتدبره، ما الفرق بين أن نفهمه وأن نتدبره ؟ أن نفهمه أي نفهم المعنى الذي أراده الله عز وجل وفق علم الأصول، أما التدبر فتقول: أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ دائماً وأبداً التدبر يعني أن تسأل نفسك: أين أنا من هذه الآية ؟ فلذلك القرآن الكريم يقول:
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هل أنا متوكل ؟ فالمؤمن الصادق حيث ما قرأ آية في كتاب الله يسأل نفسه: هل أنا مطبق لها ؟ هذا هو التدبر، وأعلى شيء في تلاوة القرآن الكريم التطبيق، إذاً:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 )
بدءاً من تلاوته وفق أحكام اللغة العربية الصحيحة، ثم قراءته وفق علم التجويد، ثم فهمه، ثم تدبره، ثم تطبيقه.
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))
[ أخرجه الترمذي عن صهيب ]
إذاً: الآيات الكونية أتفكر فيها، والتفكر أمرٌ في القرآن الكريم، بل إن هذا الأمر يعد من أوثق الأوامر، لماذا ؟ جاء بفعل مضارع، يتفكرون، التفكر مستمر:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
والآيات التي تزيد على ألف آية في كتاب الله، وتتحدث عن الكون هي في الحقيقة منهج لنا، منهج للتفكر، فأية آية كونية يجب أن تقف منها الموقف الذي أراده الله، مثلاً:
ماذا تقتضي قراءة الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية ؟
إذا قرأت آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تأتمر، إن قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تنتهي، إن قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تسعى لدخول الجنة بالعمل الصالح، والتوبة، والاستقامة، وإن قرأت آية فيها وصف لأهل النار ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تبتعد عن النار.
(( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه ]
فإذا قرأت آية تتحدث عن الأقوام السابقة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تعتبر.
الآن الشاهد: فإذا قرأت آية كونية ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، وربما كان التفكر عبادة يقوم بها الإنسان، لأن التفكر طريق إلى معرفة الله، وأصل الدين معرفته، وحينما تعرف الآمر، ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر، أما حينما تعرف الأمر، ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر، وهذه مشكلة المسلمين الأولى، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوا من الآمر.
لذلك المرحلة المكية التي أمضى فيها النبي عليه الصلاة والسلام سنوات طويلة في تعريف أصحابه بالله، ويغلب على الآيات المكية أنها كونية، ويغلب على الآيات المدنية أنها تشريعية، وفي الدعوة إلى الله لا بد أن تتمايز المرحلة المكية التي فيها تعريف لله عز وجل عن المرحلة المدينة التي فيها تعريف بأمره.
والمقولة التي أرددها كثيراً: أنت بالكون تعرفه، وبالقرآن الكريم تعبده، بالكون تعرفه، وبالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة تعبده، بالتفكر تعرفه، وبالطاعة تعبده، والإنسان علة وجوده أن يعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بحبحة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سادة أبدية.
أيها الإخوة، الله عز وجل من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض نرى كمالاً، ونرى عظمة، ونرى رحمة، ونرى حكمة، ونرى قوة، أسماء الله الحسنى نستشفها من التفكر في خلق السماوات والأرض، قد نصل في نهاية المطاف إلى أن الله موجود، وكامل وواحد، وأـسمائه حسنى، وصفاته فضلى.
الآن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، إذاً من مقتضيات كماله الذي وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال التفكر في خلقه، أنه يبين لعباده، يبين لهم الآيات من أجل أن يتفكروا، يبين لهم الآيات من أجل أن يعقلوا، يبين لهم الآيات من أجل أن يهتدوا، من أجل أن يطيعوا، من أجل أن يتقوا، من أجل أن يشكروا.
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية: 147 )
حينما تؤمن، وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك، ذلك لأن الكون مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف وتكريم، هذا يستنبط من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال:
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))
[ رواه أبو داود عن قتادة ]
ننتفع به، يرشدنا إلى الله عز وجل، وأي شيء من دون استثناء خلقه الله عز وجل له وظيفتان كبيرتان، وظيفة إرشادية، ووظيفة نفعية، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية في أعلى مستوى، انتفع من خيرات الأرض، وخيرات السماء، وما تحت الأرض، بينما المسلم ينبغي أن يضيف إلى انتفاعه من خيرات ربه جل جلاله يضيف إلى استمتاعه بهذه الخيرات أنه يعرف الله من خلالها.
لذلك أي شيء خلقه الله عز وجل له وظيفتان، وظيفة نفعية، ووظيفة إرشادية.
إذاً: أن يبين الله لنا آياته هذا من لوازم كماله، من هنا جاءت الرسالات السماوية والأنبياء، والمرسلون، وكل وسائل هداية الخلق هي تعبير عن محبة الله لنا، وعن أنه خلقنا ليسعدنا.
3 – ماذا تستفيد من اسم ( المبين ) ؟ البيان يطرد الشيطان:
الآن أنت كمؤمن ماذا ينبغي أن تفعل حيال هذا الاسم ؟ ينبغي أن تبين النبي عليه الصلاة والسلام كان في معتكفه، وجاءت السيدة صفية رضي الله عنها تتفقده، وتقدم له بعض الحاجات، جلست معه قليلاً، ثم أرادت أن تنطلق إلى بيتها، رافقها النبي عليه الصلاة والسلام، لما رافقها النبي، وهما في الطريق رأيا صحابيين، فقال عليه الصلاة والسلام: على رسليكما هذه زوجتي صفية، بين، وضح.
لذلك قالوا: البيان يطرد الشيطان، والمؤمن مِن تخلّقه بهذا الاسم العظيم يبيّن، هناك حساب بينك وبين شريكك، أنت أمين إلى أعلى درجة، وجدت أن المدفوعات تساوي المصروفات، قلت: الحساب مغلق، انتهى، لا يكفي، لا بد من أن تقدم الحساب، وتبين.
كلمة: " هذه زوجتي صفية " يُحمل عليها آلاف الحالات، بيّن وضح.
أنت مسافر، كلفت أخا زوجتك أن يتفقدها في غيبتك، بلِّغ الجيران، أنا مسافر، وسيأتي أخو زوجتي يتفقد شؤون أخته، لئلا يظن الناس أن هذا الإنسان غريب دخل إلى بيتك في غيبتك، لذلك لا تضع نفسك موع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك.
البطولة أن كل عمل يقتضي تفسيرين يجب أن تبتعد عنه، وإن كنت مضطراً فبيّن ماذا تريد من هذا العمل، هذه من صفات المؤمن، يبيّن، هذه زوجتي صفية، وهذا هو الحساب، وهذا الذي جاء إلينا فلان، فكلما بينت أزلت الشكوك، وأبعدت نفسك عن التهم، والمؤمن حريص على سمعته، وعلى كلام الناس في غيبته، ورحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه.
والحمد لله رب العالمين