العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى - الدرس (007-100)أ : اسم الله الرزاق 1لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-05-27


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
اسم الله ( الرزّاق ):
1 – ورودُ اسم ( الرزّاق ) في القرآن والسنة:
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، إنه اسم ( الرزاق )، فالله سبحانه وتعالى سمّى نفسه (الرزاق) في الكتاب وفي السنة، ففي الكتاب في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾
( سورة الذاريات)
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ))
[ الترمذي ]
هذا الاسم الكريم ورد مطلقاً ومعرفا بـ ( ال )مراداً به العلمية، دالا على كمال الوصفية.
2 – معنى صيغة المبالغة في ( الرزّاق ):
وصيغة هذا الاسم صيغة مبالغة، وإذا جاءت أسماء الله الحسنى بصيغة المبالغة فتعني شيئين: تعني كَمًّا، وتعني نوعاً، الله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب، ويرزق النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يرزق كل المخلوقات، لذلك الله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (6) ﴾
( سورة هود)
كلمة ( الدابة ) جاءت نكرة تنكير شمول، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدب على وجه الأرض، و( مِن ) تفيد استغراق أفراد النوع.
لو دخلت إلى صف وقلت: هؤلاء الطلاب لهم عندي جائزة، أي الذين أمامك، أما إذا قلت: ما من طالب في هذا الصف إلا وله عندي جائزة، شمل الغائبين، إذًا ( من ) تفيد استغراق أفراد النوع، فإذا جاءت ( على ) قبل لفظ الجلالة دلت على الإلزام الذاتي، أن الله سبحانه وتعالى ألزم ذاته العلية برزق العباد.
قوانين الرزق متحركة غير ثابتة:
أيها الإخوة، الآيات كثيرة جداً، والموضوع واسع جداً، ولكن لحكمة بالغة ثبتَ الله ملايين القوانين كي تستقر حياتنا، وكي تنتظم، ولكنه لحكمة بالغة حرك قوانين الصحة والرزق، وكأن الصحة والرزق أداتان لتربيتنا، لذلك:
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾
( سورة الجن )
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 96 )
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾
( سورة المائدة الآية: 66 )
ويقاس على ذلك، لو أن المسلمين أقاموا القرآن الكريم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، وقد يُحرَم المرء بعض الرزق بالمعصية، إذًا حرك الله قوانين الرزق، وربطها بالإيمان والاستقامة، وإقامة أمر الله، قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ﴾
( سورة نوح )
أيها الإخوة الكرام، ثبات آلاف القوانين من أجل استقرار الحياة، ثبات قوانين المعادن، فقد يبنى بناء شامخ، الحديد خصائصه ثابتة، لو تغيرت خصائص الحديد لانهار البناء.
ثبات خصائص البذور، ثبات ملايين القوانين، لكن الرزق ليس ثابتا، والصحة ليست ثابتة، وكأن الصحة والرزق أداتان من أدوات تربية الله لنا، فلذلك ربط الرزق أحيانا بالتقوى والاستقامة، والطاعة والاستغفار، وهناك بحث قيم جداً حول زيادة الرزق وفق الكتاب والسنة.
كلمة ( الرزق ) واسعة عي محصورة في المال:
لكن النقطة الدقيقة أن كلمة رزق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو طعاماً وشراباً، والدليل على ذلك قوله تعالى:
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾
( سورة الواقعة )
فالإنسان إذا عرف الله فهذا رزق من الله، فإذا ألقى الله في قلب الإنسان الأمن فهذا من رزق الله، الأمن رزق، إذا ألقى الله في قلبك الرضا هذا رزق، إذا ألقى الله في قلبك السكينة فهذا رزق، إذا ألقى الله في قلبك الرحمة فهذا رزق، لذلك الأرزاق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو صحة أو طعاماً وشراباً.
الرزق هو الشيء الذي تنعم به، فنعمة الأمن من أعظم الأرزاق، والرضى من أعظم الأرزاق، والصحة من أعظم الأرزاق، لذلك العلماء أشاروا إلى ما يسمى الرزق السلبي، حينما تعافى من جميع الأمراض فهذا رزق سلبي، يمكن أن يدفع الإنسان الملايين لمعالجة جسمه من مرض عضال، حينما ينجو الإنسان من ظلم ظالم قد يبدد المال كله، هناك رزق سلبي، وهو من خصائص المؤمنين، فإذا نجاك الله من أمراض عضالة، من ظلم الظالمين فهذا رزق.
فلذلك الرزق أوسع بكثير من أن يكون طعاماً وشراباً، أو من أن يكون مالاً، لذلك إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، السكينة رزق، كما أن المال رزق، والجمال رزق، والصحة، والقوة والسكينة رزق، والرضى رزق، والحكمة رزق، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾
( سورة البقرة)
وأرزاق الله عز وجل لا تعد ولا تحصى، ولكن معظمه يستحقه المؤمن بإيمانه وتوحيده واستقامته، وإذا ذهبت لتعدد النعم التي أسبغها الله على المؤمنين فإنها نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى.
أيها الإخوة، من أشقى الناس مَن كان رزقه من الله أن يكذب بآياته، قال تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾
( سورة الواقعة )
بعثة النبي أعظم منحة إلهية لنا، القرآن الكريم منهج عظيم سخره الله لنا، لذلك أيها الإخوة، يجب أن نفهم مبدئياً أن الرب رب، وأن العبد عبد، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى حينما أراد أن يؤكد بشرية الأنبياء ماذا قال ؟ قال تعالى:
﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ (20) ﴾
( سور الفرقان )
أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى أن يمشوا في الأسواق، هذا شأن العبد، مفتقر إلى الطعام والشراب، ومفتقر إلى ثمن الطعام والشراب، إذًا هو يعمل، فالذي يعمل ليكسب مالاً ليشتري طعاماً ليس إلهًا. ﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ (20) ﴾
( سور الفرقان )
من معاني الرزّاق خلقُ الأرزاق بحكمة من حيث النوع والكم والوقت والتتابع:
أيها الإخوة الكرام، من معاني الرزاق أنه خلق الأرزاق، كم من الدواب يذبح كل يوم على مستوى الأرض ؟ مليارات، هذا رزق العباد، كم من أطنان القمح ينتج كل عام ؟ بلدنا الطيب المتواضع ينتج أحيانا من محافظات شمال شرق ستة ملايين طن، وحاجة بلدنا كله إلى مليون طن فقط، إذًا الله عز وجل رزاق، مَن خلق هذا القمح ليكون غذاء كاملا ؟ الله جل جلاله، مَن جعل سوق القمح غذاء نموذجيا كاملا للدواب ؟ الله جل جلاله، التبن الذي هو سوق القمح هذا غذاء إستراتيجي للأنعام، من صمم القمح ليكون غذاء كاملاً ؟ عدد أنواع القمح بعشرات الألوف، هذا القمح ينبت في الصيف والشتاء، وفي قمم الجبال وفي الوديان والصحاري والسواحل، وفي المنطقة الحارة والباردة، أنواع منوعة رزقا للعباد، الله عز وجل جعل هذا الغذاء كاملا، من أعطى هذه الدابة القدرة على إنتاج الحليب ؟
مما يلفت النظر أن الغدة الثديية في البقرة شيء محير، إنها كالقبة تماماً، فوق هذه القبة شبكة أوعية دموية كثيفة جداً، وأن الخلية الثديية تختار من الدم حاجتها لتكوين الحليب، قال تعالى:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
( سور النحل )
الفرث قد يكون سائلاً، وقد يكون غازياً، كثاني أكسيد الفحم، وقد يكون صلباً كالروث. ﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
( سور النحل )
هذا الحليب الذي وهبنا الله إياه عن طريق الأنعام غذاء كامل، ما شرب النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحليب شيئاً إلا قال: اللهم زدنا منه، مشتقات الألبان غذاء أساسي للإنسان، من صممه ؟ من خلقه ؟ الله جل جلاله.
هذه الفواكه التي ترونها من صمم أنها تنضج خلال صيف بأكمله، لماذا القمح ينضج في يوم واحد ؟ والفواكه تنضج على مدى الصيف ؟
حدثني أخ كريم ضمن حقل من البطيخ قال لي: جنيت منه قدرَ تسعين سيارة، كل يوم سيارة مملوءة على مدى ثلاثة أشهر.
من جعل الفاكهة تنضج تِباعاً ؟ من برمج أن هذه فواكه تبدأ بالكرز، ثم المشمش، ثم التفاح، ثم الأجاص... من وزع نضج هذه الفواكه، وجعل آخرها العنب على مدى الصيف، تصميم من ؟ رزق من ؟
لذلك معنى الرزاق أنه خلق الأرزاق، لكن الذي يلفت النظر تناسب هذه الأرزاق مع بنية الإنسان، القمح غذاء كامل للإنسان.
حليب البقرة:
فهذه الغدة الثديية خلية تختار هي مِن شبكة الدم الذي فوقها ما يناسبها لصنع الحليب، أما كيف تختار، وكيف تصنع الحليب، هذا حتى الآن شيء غير معلوم، لكن هذه الغدة الثديية التي على شكل قبة تأخذ حاجتها من الدم، وترشح نقطَ من الحليب، هذه النقاط تجتمع في ثدي البقرة، ثدي البقرة يجمع أربعين كيلوا من الحليب، ولئلا يتمزق هذا الثدي هناك جداران داعمان متعاكسان في ثدي البقرة، ولكل جزء من هذا الثدي حلمة، لو أن أربعة إخوة لهم بقرة، كل أخ يأخذ من حلمة نصيباً متساوياً مع بقية إخوته، قال تعالى:
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (5) ﴾
( سور النحل )
هذا معنى اسم ( الرزاق )، من صمم هذه البقرة ؟ إنها معمل صامت رائع، تأكل الحشيش فتعطيك الحليب، من صمم الدجاجة تأكل كل شيء فتعطيك البيضة ؟ من صمم هذه الفواكه والثمار؟ هذه الخضراوات ؟ من صمم المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص ؟ من جعل هذه المواد متوافقة أتم التوافق مع بنية الإنسان ؟ لو أن التفاحة مثلاً بقوام لا يقطع بأسنانك ماذا تفعل ؟ لو أن طعم التفاحة لا يحتمل لا تأكلها، لو أن شكلها لا يعجبك لا تأكلها، الشكل مناسب، والطعم مناسب، والقوام مناسب، وفيها معادن، وفيها حديد، وفيها مغنيزيوم، ومواد سكرية، وحجم معتدل، ولها قشرة تحميها من العطب، هذا تصميم من ؟ لذلك أيها الإخوة، قال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾
( سور عبس )
هذا أمر إلهي في القرآن الكريم، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، قال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) ﴾
( سور عبس )
إذاً: التفكر في الرزق من موجبات القرآن الكريم، لأن القاعدة الأصولية: كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وأنت تأكل الطعام صباحاً وظهراً ومساءً تفكر، الزبدة من مشتقات الألبان، واللبن المصفى من مشتقات الألبان، والجبنة من مشتقات الألبان، والقشطة من مشتقات الألبان، والسمن من مشتقات الألبان، ما هذه الألبان التي أكرمنا الله بها ؟
الأرزاق متناسبة مع بنية الجسم:
لذلك أيها الإخوة، مما يلفت الأنظار أن هذه الأرزاق متناسبة تناسباً رائعاً مع بنية الجسم.
أحياناً تشتري قطعة لمركبتك، حينما تأتي في مكانها الصحيح، على مستوى الميليمتر معنى ذلك أن المعمل واحد، المعمل الذي صنع السيارة هو الذي صنع هذه القطعة، وتناسب الأرزاق بدءاً من العدس والشعير، والقمح والحمص إلى الخضراوات إلى فواكه، إلى الألبان إلى العسل، تناسب هذه الأرزاق مع بنية الجسم هذا من صنع الحكيم، وهذا يؤكد اسم ( الحكيم ) أيضا.
كيف يكسب الناس الأرزاق ؟
شيء آخر، كيف تكسب هذا الرزق ؟ جعل لك معايش، هذا معنى دقيق جداً، فكم من إنسان في الأرض يعيش على طول الشعر ؟ ملايين، كم من إنسان يعيش على الحر المكيفات والبرادات والثلج ؟ كم من إنسان يعيش على الحر ؟ كم من إنسان على الأرض يعيش على البرد ؟ كم من إنسان في الأرض يعيش على جهل الصغار بالتعليم والجامعات، كم من إنسان يعيش على المرض ؟ كم من طبيب في الأرض ؟ معنى معايش أي: أسباب لكسب الرزق، وجعلها متناسبة مع الإنسان، ثم أعطاك وسائل كسب الرزق.
إنّ الإنسان يتمتع بخبرة عالية، هذه الخبرة مودعة في ذاكرته، والإنسان يتبدل تبدلا كاملا كل خمس سنوات، إلا دماغه وقلبه، إذا تبدل الدماغ خسر كل خبرته، فيقول: أنا كنت طبيبا، لكن ثبات خلايا الدماغ مِن نعمِ الله الكبرى.
الخبرات:
وأحد أسباب كسب الرزق خبراتك، والخبرات التي تملكها إما خبرات في الطب، أو الهندسة، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الرياضيات، أو الفلك، أو في صنعة، أو في حرفة، أو في مهارة، أو في شيء آخر، فكلّ إنسان يعيش بالخبرة التي يملكها من حرفة يحترفها، من مهنة يمتهنها، فهي خبرات متراكمة.
إذاً: الله عز وجل فضلاً على أنه خلق لك الأرزاق، وجعلها متوافقة توافقا تاماً مع خلق الإنسان، أعطاك وسائل لكسب الرزق، كل واحد منا له عمل، والعمل بفضل مهارات يملكها وخبرات، هذا بالتجارة، هذا بالصناعة، هذا بالزراعة، هذا بالطب، هذا بالهندسة، هذا بالتدريس، هذا بالفيزياء، بالكيمياء، بالحقوق لحل مشكلات الناس، كل إنسان يعيش من حرفة، من مجموعة خبرات متراكمة يستخدمها لكسب المال، إذاً: الله عز وجل جعل لك معايش، والآية دقيقة:
﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ (10) ﴾
( سور الأعراف )
يعني وسائل فعالة لكسب الرزق.
بين فقرِ القدَر وفقرِ الكسل فقرِ الإنفاق:
أيها الإخوة الكرام، لكنك إذا رأيت إنساناً فقيراً فأنا لي رأي في هذا الموضوع، هناك فقر القدر، إنسان معه عاهة معذور عند الله، هذا قضاء الله وقدره، وله حكمة بالغة، عرفها مَن عرفها، وجهلها مَن جهلها، لكن هناك الفقر المذموم، وهو فقر الكسل، هذا صاحبُه يرجئ، ولا يتقن عمله، بل يقصر ويغش أحياناً، هذا الإنسان إذا كان فقيراً ففقره من خطأ يرتكبه، إنه الكسل، أنا أسميه فقر الكسل، وهناك فقر الإنفاق، فقر سيدنا الصديق حينما أنفق ماله كله، فقال: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: أبقيت الله ورسوله، هناك فقر القدر، وفقر الكسل، وفقر الإنفاق.
أسباب الرزق:
لكن الرزق أيها الإخوة له سببان أساسيان، أن تأخذ في أسباب الرزق، ثم تتوكل على الله.
السبب الأول: الأخذ بالأسباب:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود وأحمد ]
أن أسعى، أن أخرج من البيت، أن أقرأ الصحف التي فيها إعلانات لأعمال، أن أتحرك.
السبب الثاني: التوكُّل على الله:
ثم أتوكل، لذلك لما سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج فقال: << من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله >>.
يدرس، يجمع الخبرات، يطرق أبواب الوزارات، أحياناً يفتح الصحف التي فيها إعلانات عمل، هذا هو السعي، وبعدئذ يتوكل على الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، لكن آية مهمة جداً تحتاج إلى شرح طويل، هي قوله تعالى:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق )
أنا متى أقول: أين المخرج ؟ حينما تكون الأبواب كلها مغلقة أبحث عن المخرج، أحيانا كلما طرقت باباً رأيته مسدودا، فباب الوظيفة مسدود، وباب التجارة مسدود، وباب الصناعة مسدود مثلاً، فالرزق أحياناً يجعلك في حيرة من أمرك، الأبواب كلها مغلقة، اتق الله، طبق منهج الله، وانتظر أن يفتح الله لك أبواب رزقه، هذه آية، ولزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، والآية وعد: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق )
هذا الكلام موجه للشباب، الشاب بحاجة إلى عمل، بحاجة إلى مسكن، بحاجة إلى زوجة، وقد يتوهم أحياناً أن الطرق كلها مسدودة. ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق )
هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام من هو طليق الإرادة، هذه الآية وما فيها من وعد لا علاقة لها بالظروف كلها، ظروف صعبة، بطالة، فرص عمل قليلة، هذا كله كلام غير مقبول. ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق )
ولهذه الآية وقفة متأنية إن شاء الله في لقاء قادم.
والحمد لله رب العالمين