شرح الحديث الشريف - إتحاف المسلم - الدرس (27-45) : علاقة المؤمنين ببعضهم البعضلفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.إليكم هذا القانون وتطبيقاته :
أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام عاش مع أصحابه الكرام, وحرص على الحب, والود بين أصحابه, وهذا هو روح الإسلام, والذي يلفت النظر: أنك تجد في هذا العصر إسلاماً صارخاً؛ مساجد, دور علم, معاهد شرعية, مكتبة إسلامية ضخمة جداً, مؤتمرات, لكن لا تجد الحب بين المؤمنين, لا تجد الود بين المؤمنين, قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
[سورة الأنفال الآية:46]
لذلك: إن أردنا لهؤلاء المؤمنين أن يتقدموا, يجب أن يتحابوا فيما بينهم, وهذا الحب أساسه: طاعة الله عز وجل: ﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
[سورة المائدة الآية:14]
هذا قانون بقدر طاعتك لله: تحب أخاك, وبقدر تفلتك من منهج الله: تبغض أخاك, فالبغض والحب أساسه: الطاعة والعصيان, وما اجتمع رجلان أو مؤمنان, إلا كان أقربهما إلى الله تعالى, أشد حباً لصاحبه, الأقرب لله أشد حباً.
والإنسان حينما يعيش في مجتمع؛ كله ود, وحب, وتعاون, وتضامن, وتناصح, وتضحية, وإيثار, يعيش في جنة, ومصائب الحياة مهما عظمت, تهون أمام هذا الحب.
المجتمع المسلم حينما يرى أن الجميع لواحد, والواحد للجميع, يعني إنسان الله عز وجل أعطاه, هذا العطاء ملك جميع المؤمنين, وأحياناً المؤمن يقع, المؤمنون جميعاً, يجب أن يقفوا إلى جانبه, هذا المجتمع الذي أراده الله عز وجل.
من هذا المنطلق: يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تَقَاطَعُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك]
من وصايا النبي التي حذر منها في أكثر من محفل :
الآن في موضوع ثان: يجب أن يكون الانتماء إلى جماعة فقط على حساب انتماء مجموع المؤمنين, تنشأ عداوات, وينشأ بغضاء......
أخطر اتجاه في الإسلام: أن تعتقد كل جماعة, أنها على حق, وما سواها على ضلال, تمزق الإسلام, صار الإسلام ممزقاً شر تمزيق, وهذا لصالح العدو.
دائماً: عندنا قاعدة تفسير الأحداث مثلاً: حصل انفجار بأمريكا, اتهم به مسلم, لصالح من هذا الاتهام؟ لصالح اليهود, إذاً: الذين أجروا هذا الانفجار, هم اليهود, لأنه لصالحهم لإقامة هوَّة بين هذه الدولة وبين المسلمين.
الآن: إذا أغريت أو إذا كانت عداوة بين المؤمنين, لصالح من؟ لصالح الشيطان, لأن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم, ولكن رضي فيما دون ذلك؛ من التحريش بين المؤمنين.
أكبر مهمة للشيطان: التحريش بين المؤمنين, لذلك: أي خصومة, وأي خلاف, وأي مهاترة, وأي طعن, وأي سباب, وأي تحريش, لصالح الشيطان, الذي يفعله شيطان.
وهذا توجيه النبي: ((لا تَقَاطَعُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك]
العلماء قالوا: (لا تقاطعوا): لا تفعلوا شيئاً يؤدي إلى القطيعة.
(لا تدابروا): لا تفعلوا شيئاً يؤدي إلى التدابر.
(لا تباغضوا): لا تفعلوا شيئاً يؤدي إلى التباغض, والتحاسد.
(وكونوا عباد الله إخوانا).
أقول لكم هذه الكلمة: جهود كبيرة جداً؛ متتابعة, ذكية, مخلصة, تشد إنساناً لإنسان, تصرّف أحمق واحد يصرفه, يبعده, يقطعه, القطع سهل, التخريب سهل, البناء صعب.
أنت لاحظ البناء, تحتاج إلى سنتين لكي يعمر البناء, الآن: في قنابل تهدمه داخلياً؛ بساعة, نصف ساعة, سنتان بناء, وربع ساعة هدم, ائت بجهاز غال جداً, حتى صار سنوات, ائت بمطرقة, وكسره, بساعة تكسر, التخريب سهل جداً, البناء صعب جداً.
فلذلك: المؤمن يحرص على العلاقة الطيبة مع أخيه المؤمن, كيف؟ بالتواضع, بالسخاء, بالتبادل, بالتعاون, بالتضحية, بالزيارة, بالصلة, بالهدية, يحرص على الود مع أخيه بأي ثمن, لأنه إذا كان يوجد ود, توجد قوة, انظر إلى المعنى المخالف: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
[سورة الأنفال الآية:46]
لذلك: دائماً أعداء الدين يحرصون حرصاً لا حدود له على الإيقاع بين المؤمنين, وهذه مهمة الشيطان, والذي يأمر بالقطيعة, والذي يكرّس الانتماء إلى جماعة, ويضعف الانتماء إلى المجموع, هذا يفعل فعل الشيطان, وهو لا يدري.
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال؛ يلتقيان: فيُعرِضُ هذا، ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي أيوب]
تجد بين أسر سنوات قطيعة, سنوات لأسباب تافهة, وعندنا قاعدة: ((لا نكفر أهل القبلة))
كل إنسان وقف, وصلى باتجاه القبلة, إذا صلى باتجاه الشمال, لا تكلمه, الحق معك, أما كل إنسان صلى باتجاه القبلة, يجب أن لا تكفره, وأن لا تتهمه.
أحياناً: الإنسان ينتقل من جامع إلى جامع, يُكفَّر؛ لا ترك الاستقامة, ولا خرق الاستقامة, ولا ترك الصلاة, ولا أكل مالاً حراماً, ولا أطلق بصره في الحرام, ولا فعل شيئاً من هذا, الانتقال من جامع إلى جامع, يسمى كافراً, هذا تخلف؛ تخلف شديد جداً, تخلف قذر, أن تتهم إنساناً بالكفر, لأنه استقى من جهة ثانية.
لذلك: ((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال؛ يلتقيان: فيُعرِضُ هذا، ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي أيوب]
الذي أتصوره: أن المؤمن حريص حرصاً أسطورياً على حسن علاقته بأخيه, تبدأ هذه العلاقة الطيبة؛ من بشاشته, من كلامه المعسول, من زيارته, من تفقد أحواله, من التقرب إليه: بهدية, من التقرب إليه: بالسلام, بالمعاونة, بالخدمة, هذا كله بناء, وكلمة قاسية: هدم؛ والهدم سريع جداً, ويوجد مع الهدم: حمق.
أنا أقول كلمة: لأن تربح الدنيا, وتخسر أخاك, فأنت أكبر خاسر, لأن تخسر الدنيا, وتربح أخاك, فأنت أكبر رابح.
الحقيقة: المسلمون كثر؛ تجد مليار, ومئتي مليون, ضعاف من العداوات, ضعاف جداً, مليونين يتحدوهم, مليونين تجدهم متعاونين, متماسكين.......
جاء أخ من أمريكا, قال لي: هذه المقولة المؤلمة, قال لي: أعداؤنا يتعاونون تعاوناً أسطورياً على قواسم مشتركة, تساوي (5% فقط), ونحن نتقاتل, وبيننا قواسم مشتركة, تزيد عن (95%), يتعاونون على (5%) من القواسم المشتركة, المسلمون: إله واحد, كتاب واحد, ما عليه خلاف الكتاب, السنة واحدة, القيم واحدة, التاريخ واحد, الآلام واحدة, الآمال واحدة, وهم ممزقون شر تمزيق أينما ذهبت.
والشيء المؤسف بأوروبا؛ الجامع: هذا للسلفية, هذا للصوفية, هذا للقاضيانية, هذا.............تجد, وكل فرقة تتهم الثانية بالكفر؛ بأمريكا هكذا, بأوروبا هكذا, بالشرق هكذا, أمراض المسلمين في بلادهم, يصدرونها إلى البلاد الأخرى, متى ينظر الله إليهم نظرة عطف, وتأييد, وتوفيق, وهم على هذه الحال!؟ .
لذلك: أرى أن الخلاف بين المؤمنين كفر, يوجد في القرآن آية غريبة جداً: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾
[سورة آل عمران الآية:101]
هذه بتاريخ المدينة المنورة, رجل يهودي آلمه هذا الود بين الأوس والخزرج, آلمه جداً, فكان يوجد حروب قديمة بينهم, وفي دماء, وفي خصومات, فأرسل غلام له, وقرأ قصيدة من جاهليتهم على الطرف, فصار في غضب؛ الغضب انتقل إلى حمية جاهلية, والحمية الجاهلية انتقلت إلى ملاسنة, وإلى هجر, ثم سلت السيوف, وكادت تسيل الدماء, فخرج النبي غاضباً أشد الغضب, وقال: ((تفعلون هذا, وأنا بين أظهركم؟))
فنزل قوله تعالى, هذه أسباب النزول: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾
[سورة آل عمران الآية:101]
الله عز وجل: سمى هذه الخصومة (كفراً): ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾
[سورة آل عمران الآية:101]
وفي أكثر التفاسير؛ أسباب نزول هذه الآية: هي هذه الحادثة, فالذي أتمناه أن يعيش الناس مع بعضهم بعضاً في ود؛ راع شعور الآخرين, حاول أن تتعاون في المتفق عليه, وتتناصح في المختلف عليه, حاول أن تفهم وجهة نظر أخيك المؤمن, حاول أن تحسن الظن فيه, حاول أن تتقرب منه, حاول أن يكون المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
أيها الأخوة, هذا الضعف عند المسلمين, لو اتفقوا على ترك الاستيراد من الأجانب اتفاقاً كاملاً, لركع الأجانب أمامنا, لكن لا يوجد اتفاق, يعني يتلقون منهم أشد الضربات, واقتصادهم مبني على استيرادنا.
لو تعاون المسلمون, وتناصحوا, لشكلوا قوة كبيرة جداً, ولكن ضعفهم في تفرقهم, ضعفهم في تخاذلهم, ضعفهم في العداوات بينهم, ضعفهم في هذه التناقضات التي يكرسها الشيطان في حياتهم.
هذا الحديث؛ أصل, منهج: ((لا تَقَاطَعُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك]
((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال؛ يلتقيان: فيُعرِضُ هذا، ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي أيوب]
الحديث الثالث: ((إن الشيطان قد يَئِسَ أن يَعْبُدَهُ المصَلُّون في جزيرة العرب –يعني أن يعبد الشيطان, انتهى الأمر, هذا الشرك انتهى- ولكن في التحريش بينهم))
[أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله]
مهمة الشيطان الأولى: التحريش بينهم, لقيت في جفوة, اسأل أخاك في شيء, أنا مقصر معك, هل آلمتك كلمة مني؟ اعتذر, وبين, ووضح, وتقرب, واخدم, لتنشأ هذه المحبة الشديدة. إليكم هذه الأحاديث الثلاثة التي تصب في هذا الخصوص :
اسمعوا أيها الأخوة, هذه الأحاديث الثلاثة: ((من قال لأخيه: يا كافر, فقد باء بها أحدهما -أحدهما كافر قطعاً- فإن كان كما قال, وإلا رجعت عليه, ومن دعا رجلاً بالكفر, أو قال: عدو الله, وليس كذلك, إلا حار عليه -يعني رجع عليه- ومن قال لأخيه: يا كافر, فقد باء بها أحدهما))
[ورد في الأثر]
وفي حديث أضيفه إلى هذه الأحاديث: ((من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهُمْ))
[ورد في الأثر]
أخي؛ الناس كلهم لا يوجد فيهم خير, فقط نحن, أنت لوحدك: ((من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهُمْ, وفي رواية: فهو أهلَكَهم))
[ورد في الأثر]
هو الذي أهلَكَهم, وليسوا كذلك, أهلَكَهم: فعل, فهو أهلَكَُهم: اسم خبر, أشدهم هلاكاً, فهو أهلَكَهم, هو الذي اتهمهم بهذا, وهم ليسوا كذلك. ((من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهُم))
[ورد في الأثر]
مهمتك أيها المسلم :
أيها الأخوة, النفس البشرية, قال: ((يا داود, ذكر عبادي بإحساني إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها))
الكلمة الطيبة, والابتسامة, والوجه المشرق, والاعتذار, والوفاء بالعهد, وإنجاز الوعد, والتواضع, وحفظ غيبة الأخ.
أجمل شيء بالمسلمين, فلان ليس له مأثم, تجد مجاملات بين الدعاة مجاملات رائعة, في غيبتهم يبدأ الطعن, المسلمون هكذا؛ تسمع مديحاً يفوق حد الخيال باللقاء, في الغياب يأتي الطعن, يطعن بهؤلاء واحداً واحداً, هذا مجتمع لا يستحق رحمة الله عز وجل.
مرة في وزير أوقاف, توفي رحمه الله, يوم تسلم المنصب, دخل إليه وفد, شخص طعن بالذي قبله, فقال له: اسكت, فلان أفضل مني, وهو صديقي, انتهى؛ بقي سنتين, ثلاثة, أربعة, لا يستطيع إنسان أن يتكلم كلمة, أخذ موقفاً جاداً, قال له: فلان صديقي, أفضل مني, انتهى الأمر.
لا تسمح أن يتكلم في مجلسك شيء لا يرضي الله عز وجل, هذا التوجيه الذي يجعلنا كتلة واحدة, نتعاون.
المؤمنون فريق عمل مدهش, كل واحد سد ثغرة, لا يوجد أحد أفضل من أحد, كل إنسان له أجر عند الله .
أحياناً: تجد شخصاً يسميه العلماء: مريد خدمة, تجده خدوماً, يلبي متطلبات المسجد, هذا لا يقل عن أكبر أخ في المسجد, لأنه يحل كل مشاكل المسجد بجهده, بعضلاته, وفي إنسان له دعوة, وفي إنسان له خبرة ........كل شخص سد ثغرة, المؤمنون فريق عمل فقط, لكن عندما تصل إلى هذا المستوى, الأجانب لهم ميزة, لا يوجد عندهم تنافس, يتعاونون؛ أنا مختص بشيء, أؤدي واجبي بالتمام والكمال, لا أسمح أن أحطم من حولي, لا أحطم أحداً, أنا أؤدي واجبي, وينتهي الأمر.
إذا كنا فريق عمل نكون قد اقتربنا من الصحابة, كل إنسان يعترف لأخيه بالفضل؛ يتعاونون, يتناصرون, يتناصحون, وانتهى الأمر, لكن هذا الشيء الواقع مؤلم جداً, بعيد عن هذا المستوى, ينبغي أن نحققه, المشكلة: لا يمكن لأحد أن يحترمك, إذا لم تكن مطبقاً لما تقول.
فنحن بهذا المجتمع الصغير, المتواضع, ننفتح على كل المجتمعات المؤمنة, نتعاون معها, نكون مثلاً أعلى في الفهم العميق, للود بين المؤمنين.والحمد لله رب العالمين