شرح الحديث الشريف- رياض الصالحين- الدرس (012-101): باب التقوى (إن الدنيا حلوة خضرة....., من مواقف أبي بكر الصديق) .لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
إليكم التوسع في شرح معاني هذا الحديث:
أيها الأخوة المؤمنون، مع درس جديد من دروس الحديث النبوي الشريف، ونحن في باب فضل الزهد في الدنيا, والحث على التقلل منها, وفضل الفقر، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]
نقول: عن أبي سعيدٍ الخدري، أو عن أبي سعيدِ الخدري، كلاهما صحيح، والأحاديث التي ترد في صحيح مسلم, هي أحاديث من الدرجة الأولى، فالنبي عليه الصلاة والسلام واقعي، أي إن الدنيا حلوة خضرة، لو أن الإنسان في شباب, وصحة, وعافية, وذو مال وفير, وله أهل يروقون له، ولـه بيت واسع، وبإمكانه أن يمضي أوقاته كلها في المتع, والمباهج, والحفلات, والسهرات, والنزهات, والرحلات, والسياحات، ويأكل ما لذّ وطاب، ويلتقي مع أصدقائه مختلطين رجالا وإناثا، فينظر إلى تلك، وعينه على تلك، ولسانه مع تلك، ومزاحه مع تلك، فهذه الدنيا خضرة نظرة، فيها طعام نفيس، وفيها بيوت جميلة, وفيها سيارات فارهة، فيها مقاصف جميلة جدا، فيها أماكن سياحية، فيها وجاهة، فيها شأن، فيها مكانة، هكذا الدنيا، النبي عليه الصلاة والسلام واقعي.
قد يقول لك مؤمن: الدنيا كريهة، من قال لك: إنها كريهة؟ هذا كلام غير واقعي، لن تستطيع أن تمشي مع إنسان إلا إذا كان واقعيا، فالنبي عليه الصلاة و السلام واقعي،
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
, لكن المشكلة أن هذه الحلاوة مؤقتة، فاحضروا حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها، فيها انقطاع.
حدّثني رجل يعمل في معمل, وصاحب المعمل ذكر لي عن بيته شيء مثل الخيال تماما، الفرش غرفة شرقي، غرفة غربي، مكتبة فخمة، الأقواس، غرفة لها ترتيب معين، التكييف, والتدفئة، الشرفات، كيف يمضون الأوقات؟ حتى وصف لي نوع الفُرش, ونوع البيوت، قال لي: توفي في يوم من أيام الشتاء، وكان القبر مفتوح على الفلاة، وأقسم لي بالله, أن ماء أسود, يمشي في القبر، فلما سئل ابنه، وابنه مهندس, أنضعه هنا؟ قال: ضعوه، نخلص.
فهذا الذي كان يشتري الغطاء ملاءة السرير, تأتيه من باريس، تأتيه بآلاف الليرات، غطاء للسرير، بيته بوصف فوق حد الخيال، أين هو؟ في قبر, وبعض الأسيقة قد فُتحت عليه ، البطولة في النهاية لا في البداية.
فلذلك النبي الكريم قال: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
، أما أن يكون الإنسان مستقيما نظيفا فلا مانع، يكون مرتبا لا مانع، يكون أنيقا لا مانع، النبي عليه الصلاة و السلام قال: ((أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم, حتى تكونوا شامة بين الناس))
الإسلام نظيف، إذا كان الإنسان نظيفًا, أنيقًا, مرتبًا، وله مظهر حسن، بيته نظيف جدا, ومرتب، فيه نظام صارم للنظافة، وكذلك في دكانه، هذا شيء رائع جدا، هذا من الإسلام أساسا، وما كان في المسلمين رجل أشد نظافة من رسول الله، كان يعرف بريح المسك، كان إذا مر, عرف أصحابه من رائحة المسك التي تفوح منه, أن النبي الكريم قد مر من هنا، هذا شيء أصلي، لكن لما يكون الإنسان؛ أنيقا, نظيفا, مرتبا, غارقا في المعاصي, والمخالفات, والموبقات, والفجور, فهذا له مصير أسود، فلذلك النبي عليه الصلاة و السلام قال: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
أحيانا يكون الإنسان نائما في فراشه, في أيام الشتاء، والفرش وثير، فوقه غطاء نظيف، وملاءة صوفية نظيفة، والغرفة دافئة، مرتاح، يؤذن الفجر، يقول الله عز وجل:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾
[سورة السجدة الآية: 16]
فالمؤمن يؤثر مرضاة الله عز وجل، أحيانا يكون الإنسان جالسا في سهرة مرتاح، لم يصلِّ المغرب مثلا، والموضوع طريف، وفيه مزاح، يجمع الصلوات، أما المؤمن فيحرص على صلاته، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 9]
فأحيانا يمتحنك الله بسهرة، بنزهة، أنت ذاهب إلى نزهة، وهناك عزيمة، لم تصل الظهر، والكل لا يصلي، واستحييت أن تصلي وتتوضأ، الإسلام مكركب، لا بد أن يتوضأ، وانتقض وضوؤه، فيمكث جالسا،
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
تريد أن تقيم دعوة، الرجال وحدهم، والنساء وحدهن، لا بد لها من سفرتين، نحن نريد سفرة واحدة في رمضان، إن شاء الله لا يحدث شيء، اجمعهم سويا في سفرة واحدة، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
سمعت قصة من يومين، قصة واقعية، ولأن الراوي صادق، واحد تزوج، وكتب الكتاب، وأدى الخطوبة بشكل رائع، وجاء يوم العرس، وهذه المدعوات كل واحدة بأبهى زينة ، وقعد على الأريكة، وبجانبه زوجته، تدخل واحدة، سأل: من هذه؟ قالت: هذه أختي، نزل، فأخبر عمه وأقرباءه، أريد هذه، وطلقت العروس يوم العرس، وأتوا بالذي يسمونه شيخا، وليس شيخا، كتب كتابا خارجيا، ودخل على الثانية، هذا ثمن الاختلاط، والأخت الكبيرة صار معها أمراض.
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟))
ماذا تعمل؟ النبي عليه الصلاة و السلام يقول: ((إياكم و خضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء))
عنده قائمة مواصفات، وهذه المواصفات تنطبق على هذه الفتاة، ولكن ليس فيها دين، يتساهلون في الدين.
واحد جاءه خطيب إلى بيته، فقال له: عندك بيت؟ فقال: نعم، أين يا بني؟ تفضل لتراه ، ثاني يوم تواعدا، أتى له بسجل قيد إقامة، ماذا تشتغل يا بني؟ قال له: عندي معمل، أين المعمل؟ أخذه وأراه إياه، أريد ملكيته, هذه ملكيته، عندك سيارة؟ نعم, عندي سيارة، أين هي؟ أين أوراقها؟ فوافقوا عليه، هذا الخاطب زار عمه في محله التجاري، ووقف شخص أمامهم، فقال له: هذا صهري، هذا الشخص بَحق، كيف صهرك؟ قال: صهري، قال له: تعال أقل لك: هذا غير مسلم، قال له: أنت لم تسألني عن ديني، سألتني عن بيت، عندي بيت، سألتني عن معمل، فعندي معمل، وسألتني عن السيارة, فعندي سيارة، وما سألتني عن ديني؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلَّا تَفْعَلُوا, تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
قال تعالى:
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية: 221]
أنا واللهِ الذي لا إله إلا هو, إن رأيت إنسانا, يؤثر الدنيا على حساب الدين, فكأنه لا يصدق الله عز وجل في قرآنه، فإذا قال الإنسان: صدق الله العظيم، معناه صدق الله العظيم، معنى ذلك: أن الذي قاله لك ربُّك في هذا القرآن حق مائة في المئة،
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا: أن الإنسان إذا كان يمشي في مكان, ووجد قصرا جميلا, ماذا يقول؟.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ, وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ, فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
والله كلام جميل، هذه مؤقتة، أما الآخرة فدائمة، وربنا عز وجل في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ, مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ, فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ, فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ))
[أخرجه البخاري في صحيحه]
هذا حديث قدسي مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ربه.
فأنت حينما تقرأ ممثل هذا الحديث, يجب أن تنقل اهتماماتك كلها من الدنيا إلى الآخرة ، من أحب دنياه أضرّ بآخرته، هذه الدنيا مكان عمل.
أنا أضرب مثلا مضحكا دائما: مقعد الدراسة خشب، وزاويته قائمة، غير مريح، يمكن مقعد في سيارة سياحية, أو في حافلة كبيرة مريح جدا، له حركات يصير سريرا، لماذا لم يعملوا مقاعد الدراسة لتصير سريرا؟ يعمل الطالب حركة فينام، رأى عيونه ذبلت، درس رياضيات، عمل حركة للمقعد, صار المقعد مائلا فنام، لماذا لا يضعون أمام المقعد؛ إبريق قهوة، وشاي، وأكل ساخن، وشراب مثلا، مجلة، جريدة؟ المدرسة مكان مرفّه جدا، والمحاضرة أين هي؟.
أنت في مدرسة، نحن في الدنيا في مدرسة، التمعن إذا كان زائدا عن حده, صار مقصودا لذاته، يصرفك عن مهمتك الأساسية في الدنيا، فإن هذا الدنيا كما قال عليه الصلاة و السلام:
((هذه الدنيا, دار التواء لا دار استواء، و منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء, ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))
وعَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ, قَالَ: ((إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ, فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
المؤمن طبيعته جاد، سيدنا رسول الله، واللهِ في لقطات من حياته, إذا تأملها الإنسان يذوب محبةً لله ورسوله.
حينما كان صغيرا, دُعي إلى اللهو, فقال: لم أُخلق لهذا، فلما جاءته الرسالة, وكان مغطى بدثار، ونزع عنه الدثار, وقام ليدعو إلى الله عز وجل، السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها, قالت له: ابق نائما، فقال عليه الصلاة و السلام قولة لا تُنسى، قال: انقضى عهد النوم يا خديجة.
إذا الواحد منا، اشتغل عملين صالحين على بعضهم، جاء الظهر, ووجد إنسانا ينتظره, ليخدمه خدمة، وعنده مساء مجلس علم، يمشي مثل الطاووس, الحمد لله اليوم, أنا اللهُ رزقني أعمالا صالحة، لما الإنسان تتكاثف عليه الأعمال الصالحة، هذا دليل أن الله عز وجل جعله أهلا لهذه الأعمال، فالإنسان لا يتأثر، لما دعته إلى النوم قال: انقضى عهد النوم يا خديجة، وكان كلما رأى كما قلت لكم قبل قليل شيئا من مباهج الدنيا.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ, وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ, فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
هذا كان يقوله في بعض الغزوات.
هذا الحديث فيه واقعية، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
، أي هناك زوج يكون موفَّقا، تكون الزوجة على جانب من الجمال، وهناك مال وفير, يتيح لك أن تأكل ما تشتهي، وأن تشرب ما تشتهي، وأن تسكن في أجمل وأوسع بيت، وأن تركب أجمل مركبة، وأن يكون لك بيت آخر في المصيف، ويتيح لك أن تطوف في أرجاء العالَم، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ))
، لكن البطولة أن تكون مع الله عز وجل، البطولة أن يرضى الله عنك، حينما أقرأ قوله تعالى:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
[سورة الفتح الآية: 18]
أشعر أن ما من عطاء على وجه الأرض، أعظم من أن يرضى الله عنك، صدق القائل:
فليتك تحلو والحياة مريـــرة وليتك تـرضى والأنام غضاب
وليت الذي بـيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صحّ منكَ الوصلُ فالكل هيِّنٌ وكل الذي فوق التراب تـراب
إذا طمح الواحد منا إلى مرضاة الله، الناس يطمحون إلى مرضاة أشخاص، ما دام هذا الموظف الأعلى منه راضيًا عنه, تجده مرتاحا، ما دام هذا التاجر الغلة وفيرة فهو مرتاح، انظر إلى الناس, واحد ينتهي طموحه بالمال، واحد بالمتع، واحد ينتهي طموحه إذا أخذ شهادة عليا بتقدير امتياز، إنسان آخر ينتهي طموحه بمنصب رفيع، فالدنيا حلوة خضرة.
اللهُ عز وجل إذا منحك نعمة الزوجة، يمتحنك فيها، أترضيها بسخط الله؟ طلبت منه حاجة, إحدى الزوجات من أحد الصحابة، فقال لها: ((اعلمي يا فلانة, أن في الجنة من الحور العين, ما لو أطلت إحداهن على الأرض, لغلب نورُ وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأَن أضحي بكِ من أجلهن, أهون من أن أضحي بهن من أجلكِ))
انظر إلى هذا الموقف الرائع، موقف حازم، قالت له أمُّه: إذا لم تكفر بمحمد, أترك الطعام والشراب حتى الموت، قال: ((اعلمي يا أمي, لو أن لك مائة نفس, فخرجت واحدةً واحدة, ما كفرتُ بمحمد, فكلي إن شئتِ, أو لا تأكلي))
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا: يأتيك شريك, يدخل بيعَ الخمور في المطعم، ما هذا؟ يقول لك: مضطرون من أجل الرزق، والعمل عبادة لله، وعندنا أولاد، فيقول: إن شاء الله في ذمته، وأنا لا دخل لي، ولكن يأخذ الربح آخر السنة مائة وثمانين ألف يقبضها، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا))
اعرف نفسك, أنك تُمتحن في اليوم آلاف المرات، في اليوم الواحد تُمتحن بالمال، تمتحن بالزوجة، تمتحن بالولد، تمتحن بالزبون، يأتيك زبون جاهل، تلبسه شيئا لا تريدها، قال لك: أنا لا أعرف, أريد لونا على ذوقك، أريد أن أقدمها هدية، وعندك لون لا يمشي، من ثلاث سنوات كاسد، هذا الموديل لون السنة، هذا الموضة يا أخي، الله امتحنك بهذا الزبون الجاهل.
أحيانا يبيع الإنسان مرابحة، أخي كم كلّفت البضاعة؟ خذ من المئة عشرة ربحا، يكون ذاهبًا إلى أوروبا، ويضع مصاريف الرحلة كلها، وذهب إلى إسبانيا نزهة خاصة، ويضيفها على المصاريف، حتى يصير رأس مال البضاعة بسعرها مرة ونصفًا، وليست مدفوعة من البضاعة، أنت قمت بنزهة، واشتريت البضاعة، فالله امتحنك بهذه الصفقة في المرابحة.
أحيانا تأتي واحدة, تجلس إلى جنبك في العمل، تقيم علاقات مثلا: صباح الخير، كيف أنت؟ ممكن الواحد يبدأ بموضوع، إني أخاف الله رب العالمين، فالله يمتحنك بالفتاة، يمتحنك بصفقة، ويمتحنك بزبون، يمتحنك بزوجة، ويمتحنك ببيت، يمتحنك بسيارة، بإنسان طلب منك حاجة، ((وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟))
، فأنت تحت المراقبة، قال تعالى:
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾
[سورة الفجر الآية: 14]
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
[سورة النساء الآية: 1]
الدنيا حلوة وخضرة، لكن إذا كان عقل الإنسان واسعًا, فهو دائما ينظر إلى ما سيكون، لا إلى ما هو كائن، فينقل اهتماماته من الدنيا، وبعد ذلك هي دنيا دنية، أي درجة ثانية، دنية في مستوى متعها، ودنية في وقتها، وقتها قصير، وخطرها حقير، والآخرة أبدية وأسعد، قال تعالى:
﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
[سورة طه الآية: 72-73]
((وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ))
لو استعرضت أحيانا أن فلانا, لماذا ترك الصلاة؟ وفلانا لماذا ترك مجلس العلم؟ لماذا انتكس فلان؟ ولماذا قصّر؟ لو كان هناك دراسات دقيقة تحليلية, لحالات عديدة من الانتكاسات, في طريق الإيمان, تجد أحد هذه الأسباب الدنيا أو المرأة، ومركز ضعف الإنسان المال والنساء، والإنسان لا يُكاد له إلا بالمال، لا يكاد له إلا من خلال المال، أو من خلال المرأة، فالنقطتان واضحتان تماما، ((فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ))
الدنيا أي المال، لأن المال مادة الشهوات، الإنسان من أجل المال, يمكن أن يخالف أمراً شرعياً، من أجل المال يخالف قناعاته، ومن أجل المال يضحي بدينه، ومن أجل المال يضحي بمبادئه، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا))
أنت خليفة الله في الأرض، يجعلك الله أبًا، هل تعدل بين أولادك؟ لما تؤثر ولدا على ولد، أحدهم ذكي، والثاني ليس عنده إمكانية أن يكون مثل الأول، تكتب لهذا البيت، وهذا تتركه بغير بيت.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: ((انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي, فَقَالَ: أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي, ثُمَّ قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى, قَالَ: فَلَا إِذًا))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
هذا كلام للأخوة الآباء، لا تميز ولدا على ولد، عامل جميع الأولاد بالعدل، لأنه إذا كان بينهما تفاوت في البر والطاعة, لعل عدلك في العطية, يجعلهم متساوين في البر، أما إذا فضّلت, تنشأ أحقادا، وتنشأ اعتراضات، ويصير هناك نوع من المشاحنات والخصومات، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟))
اعتبر نفسك كل يوم تحت المراقبة، وعندك كل يوم آلاف الامتحانات، مثلما قلنا: يمتحنك في الزواج، قبل الزواج أول صف، وبعد الزواج بآخر صف، بعد ذلك تبرك، درس نعم، درس لا، والله سهرت مع المرأة، قالت له: اجلس، لا تذهب إلى الدرس، قلت لنفسي: اجلس كما تريد، امتحنك الله بهذا الزواج ورسبت، يمتحنك بشرائك, ويدخلك في الحرام من أجل المال، يمتحنك بجار، يمتحنك بابن، يمتحنك بزبون، يمتحنك بوظيفة، يمتحنك بتجارة، يمتحنك بطارق طرق عليك الباب، يمتحنك بسائل، يمتحنك في بيتك، يمتحنك وحدك، فتح الشباك، ظهرت بنت الجار، نظر، من لم يكن له ورع, يصده عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ اللهُ بشيء من عمله، يمتحنك وأنت جالس وحدك، يمتحنك أحيانا بكتاب، يمتحنك في المدرسة ، يمتحنك في الطريق، تمر امرأة على جانب من الجمال, تحفظ عينك أول مرة, وثاني مرة، صار هناك تقصير، من ملأ عينيه من الحرام، ملأهما الله من جمر جهنم، الأولى لك, والثانية عليك، من غض بصره عن محارم الله, أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه، النظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
هذا الحديث صحيح أنه قصير وموجز، لكن واللهِ جامع و شامل، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا))
أحيانا تدعى على دعوة فيها مشروب، أخي الدعوة ثقيلة, لا أتركها تفوتني، والله أنا مشغول، تقول: مشغول، ليس عندي وقت، عندي ضيوف بالليل، لكن واللهِ يا أخي, لا أُذهِبها من يدي، صار هناك امتحان، وصار هناك مشروب، وهناك امتحان، وهناك نجاح, راقب نفسك تحت الامتحان، تحت الضرب دائما، في كل ثانية، ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا))
الله عز وجل استخلف الإنسان، واللهُ سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾
[سورة البقرة الآية: 30]
والإنسان هو خليفة الله في الأرض،
((فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟))
قبل الزواج واللهِ يا أمي لا يوجد مثلك، واللهِ حتى أجعلها خادمة عندك، تتزوج، وتأتي، وتجد والدتك عابسة، ماذا عملت لها؟ وماذا قلت لها؟ لا تتركيها أنتِ، هكذا تُكلم الأم، ماذا أنت قلت سابقا؟ تجعلها خادمة عندك.
تجد إنسانا يرضي زوجته, ويغضب أمه، أو بالعكس، لماذا تريد الصهر أن تكون عينه على ابنتك، وأنت ضد كنتك؟ كذلك الله يمتحن النساء، عَنْ أُسَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ, فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ, وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ, غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ, قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ, وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ, فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
لأنه فيهن انحراف أحيانا.
واحدة عندها أولاد، وعندها أولاد زوج، توفت، رأوها في المنام في حالة صعبة، تحترق وتعذّب ثماني سنوات، حتى رأوها مرة في حالة طيبة، فلما سألوها: ما القصة؟ قالت لهم: الحليب، ما الحليب؟ أولادها تضع لهم في الكأس حليبا صافيا, وأولاد زوجها نصفه حليب ، ونصفه ماء، ثماني سنوات في البرزخ, تعذب من أجل كأس الحليب، تمتحن المرأة بأولادها وأولاد زوجها.
يكون عندك محل تجاري، وعندك صانع، وعندك ابن، هل تحمل أحيانا ابنك بقدر ما تحمل صانعك؟ تحمل الصانع شيئا يعرض ظهره للمرض، لا زالت عظامه ليِّنة, لا يتحمل أربعين كيلو على ظهره، إذا حمل ابنك كيليين اترك، من أجل ظهرك، ابنك من أجل ظهره، أما هذا الصانع فليس له أب، يمتحنك وترسب.
هذا الحديث يسع كل هذه المعاني, امتحان دقيق جدا، ((وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟))
تعامل الصانع أقل من ابنك، هذا يتيم, ليس له أحد يدافع عنه، لكن له ربٌّ، ابنك تخاف عليه، أحيانا يأتي الطعام لابنك أمام الصانع، تطعمه أطيب الأكل، أربع طبقات، ولا تقل للصانع: تفضل كل لقمة، يأكل أمامك سندويش فلافل، هذا الصانع مثل ابنك، لا تريد أن تكون مسلما صحيحا.
((وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ))
الدنيا أي المال، والنساء معروفة، فمراكز الضعف في الإنسان المال والنساء، إذا كان حصّن نفسه من جهة المال, ومن جهة النساء, فقد فاز برضوان الله عز وجل، إذا حصن نفسه من جهة المال, من هنا صار غض البصر ضروريًا، لا يكن هناك اختلاط ضروري، لا يكون هناك منفذ للشيطان، النساء حبائل الشيطان، إن إبليس طلاّع رصّاد، وما هو بفخوخه بأوثق لصيده من النساء.
الشيطان عنده خمسون فخًا للإنسان، فخ المال، فخ الشبهات، فخ العقيدة الزائغة، فخ مثلا بعض النظريات الحديثة، فخ العلو في الأرض، فخ النساء، وقال عليه الصلاة والسلام: ((النساء حبائل الشيطان....))
فتجد المؤمن متحصنًا، ولا يسمح بخطوة نحو الاختلاط, حتى لا يجره إلى متاهات, هو بعيد عنها، ((فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))
أعيد على أسماعكم الحديث الشريف: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
ما هو الأمر الذي وجهه النبي لأصحابه, ولماذا راجعت السيدة عائشة النبي بهذا الأمر, وماذا صنع النبي؟
والآن إلى بعض ما في السيرة من مواقف لسيدنا الصدِّيق رضي الله عنه.
أيها الأخوة الأكارم، في مرض النبي عليه الصلاة والسلام, اختار أبا بكر ليصلي بالناس مكانه، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
((مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ, فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ, قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ, إِذَا قَامَ مَقَامَكَ, لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ, قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ, فَعَادَتْ, فَقَالَ: مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ, فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ, فَأَتَاهُ الرَّسُولُ, فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
هذا أمر من قِبل النبي عليه الصلاة والسلام لسيدنا الصدِّيق أن يصليَ بالناس، ولكن هذا الأمر له دلالات كثيرة جدا، السيدة عائشة راجعت سيدنا رسول الله: أن هذا أبي, رجل رقيق القلب, كثير البكاء، ليس عنده أعصاب تتحمل الوقوف مكانك ليصلي، فلو تأمر عمر ليصلي بالناس، فحينما روجع النبي عليه الصلاة والسلام, غضب وأعاد أمره مرتين, وقال:
((مروا أبا بكر فليصل بالناس))
هذا أمر نبوي، معنى ذلك: أن من وراءه دلالات كثيرة جدا، وامتثل الصدِّيق أمر النبي عليه الصلاة و السلام, وهو لا يدري، و لعله كان يدري أنه في تلك اللحظات, إنما يتسلم الراية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملها بعده. انظر إلى موقف أبي بكر يوم السقيفة:
أيها الأخوة, فوجئ سيدنا أبو بكر إثر وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بموقف لم يكن يخطر له على بال، ذلك هو موقف السقيفة، الذي بدأ منذِرا بشرٍّ مستطير، ثم انتهى نهاية موفورة العافية والسعادة، إذ بويع أبو بكر خليفة وإماما، ما الذي حصل؟.
سيدنا الصديق من شأنه, أنه كان يحب العزوف عن مناصب الدنيا كشأن عمر، بل لعل عمر في زهده في الجاه والمنصب, كان يتأسّى بأبي بكر رضي الله عنه، ويتتبع خطاه، و جاء يوم السقيفة, ليجتاز إيمانه امتحانا رهيبا، كُتب على الرجل الذي كانت هوايته أن يعيش في الظل, ما دام أن ليس ثمة خطر يدعو، انظر إلى المؤمن إخلاصه الشديد, يجعله يؤثر أن يبقى في الظل، لا أن يكون في المقدمة، ولا في القمة، يحب أن يكون من عامة الناس، فالرجل الذي كان قرة عينه, في ألاّ تقع عليه عينٌ, وهو في مكان صدارة, يبعث في النفس زهوا وعجبا، أي التواضع من صفات المؤمنين، والمؤمن الحق يؤثر أن يبقى في الظل إذا لم توجد حاجة له، أما إذا وُجدت حاجة ماسة له, إيمانه يدفعه أن ينتقل من مكان إلى آخر.
فسيدنا الصدِّيق كان حييًّا، كان وديعا، كان أوّابا، لكنه أهل لأن يكون في هذا الموقف الصعب في المحور، فعلى أثر وفاة النبي عليه الصلاة والسلام, اجتمع نفرٌ كبير من الأنصار, في سقيفة بني ساعدة, ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة للمسلمين، علِم أبو بكر, وذهب إلى السقيفة, ومعه عمر, وأبو عبيدة رضي الله عنهم، لم يسارع أبو بكر ليحتجز الخلافة لنفسه، وإنما سارع ليكف الفتنة أولاً، ثم ليكبح الخلاف حيث وقف من يقول: يا للأنصار، ووقف من يقول: يا للمهاجرين، صار هناك فتنة، وصار هناك انشقاق، صار هناك أحداث رهيبة.
فسيدنا الصدِّيق غار على الإسلام, فأسرع إلى سقيفة بني ساعدة, لا ليحجز الخلافة لنفسه، بل ليقمع هذه الفتنة، واجه أبو بكر الجمع المحتشد في أناة، وكان ثمة كلمات تتطاير كالرصاص المقذوف، وكان ناس من الأنصار, يحرضّون الأنصار على التشبث بالخلافة, بأسلوب حادّ ولاهب، و كان هناك مهاجرون, يرفعون أصواتهم الزاجرة ضد رغبة الأنصار، وكادت تحدث فتنة، لقد فقَد الناس صوابهم بموت رسول الله.
الحقيقة: أن القضية متداخلة موت هذا النبي الكريم, والسيد العظيم, ترك فراغا كبيرا جدا، هذا الفراغ أوقع الناسَ في الخلل، صار هناك اضطراب، فلما أداروا خواطرهم حول موضوع الخلافة، وهم في جو الكارثة لا يزالون, اضطربت الأمور في أيديهم، واتسع نطاق البلبلة والاهتياج، و ليس أدلّ على هذا الموقف, كان دخيلا عليهم، هذا موقف غير أصيل، هم طيبون، هم مؤمنون، هم صادقون، هم متواضعون، وهذا الموقف دخيل عليهم، والدليل على أنه دخيلا عليهم: أنه تلاشى فجأة، صحيح أن أبا بكر سيؤثر المهاجرين الخلافة، ولكن ليس لأنهم مهاجرون أو قرشيون، بل لأن الهجرة أعطتهم مكان السبق في الإسلام، فالهجرة كانت نهاية لمرحلة العسرة, التي سُلِّط عليهم فيها كل بأس قريش, ليفتتنوا عن دينهم, فما ازدادوا إلا إيمانًا وثباتا، وهذا هو الميزان الذي يزن به أبو بكر الناس، المهاجرون أسبق إلى الإسلام، وأكثر تحملا، وأكثر ثباتا من الأنصار، وقد استنبط هذا الصدِّيق العظيم هذه الحقيقة من قوله تعالى:
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾
[سورة التوبة الآية: 100]
ربنا قدّم المهاجرين على الأنصار, فهم أسبق عند الله عز وجل، ثم هو سيؤثر المهاجرين بالخلافة أيضا، لأن النفر الذين طلبوا الخلافة من الأنصار, قد حرصوا على أمر, جرت عادة رسول الله صلى الله عليه و سلم, ألا يمكِّن منه من يطلبه, أو يحرص عليه, وهي الولاية.
فسيدنا الصديق يذكر تماما, يوم ذهب العباسُ عمُّ النبي عليه الصلاة والسلام, يسأله أن يولِّيه ولاية، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
((دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي, فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ, فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ, لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ, وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
ما دام سألتها فلا نوليك، وما دمت حريصا عليه لا نوليك، هناك عند السقيفة همّ عمر ليتكلم في الحشد الثائر، ولكن أبا بكر أومأ إليه بيمينه، واستأذنه هو أن يبدأ الحديث.
يقولون: إن سيدنا عمر قال: كنتُ أعددت كلاما, قاله عني أبو بكر فيه إشارة دقيقة: أن الإنسان يجب أن يعد الكلام ولا يرتجل.
فقال سيدنا الصدِّيق: يا معشر الأنصار, إنكم لا تذكرون فضلا, إلا وأنتم له أهل، -انظر إلى السياسة الحكيمة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
((لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ, وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ, وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ, وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ, حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ, حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ هَذَا الْحَيَّ, قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ, لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ, الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ, وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ, وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ, قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي, قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ, قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ, فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ, قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ, فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا, وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ, فَلَمَّا اجْتَمَعُوا, أَتَاهُ سَعْدٌ, فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ, قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَحَمِدَ اللَّهَ, وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ, ثُمَّ قَالَ:
يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ, مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ, وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ, أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ, قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ, فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ, أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ, وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ, وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ, وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ, أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا, تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا, وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ, أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ, وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ, وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا, وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا, لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ, اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ, وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ, وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ, قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ, وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا, ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا))
[أخرجه أحمد في مسنده]
ذكّرهم لا بفضله عليهم، بل بفضلهم عليه، فذابوا,
((أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ, قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ, فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ, أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ, وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ, وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ, وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ, أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا, تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا, وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ, أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ, وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ؟))
كلام رهيب، لا تحبون أن أرجع أنا معكم بذاتي، والناس يأخذون غنمة وشاة، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم، فقال: ((فبكوا حتى أخضلوا لحاهم))
ولما رأوه في مكة بعد الفتح، فقال: ((معاذ الله، بل المحيا محياكم، والممات مماتكم))
أنا عندكم، لا أتخلى عنكم، هذا الوفاء، وبمكة أساسا لم ينم في أيّ بيت، نام عند قبر خديجة وفاء لها.
يبدو أن سيدنا الصدِّيق تعلم منه، فما واجه الأنصارَ بفضله، قال: يا معشر الأنصار, إنكم لا تذكرون فضلا, إلا وأنتم له أهل، هكذا بدأ الصدِّيق قوله، ثم راح الحديث ينساب من قلبه، ومضى يدلي برأيه فيما يرشح للخلافة- قال: إنه واحد من اثنين؛ عمر بن الخطاب، ومسكه من يده، هذا خليفتكم، الرجل الذي أعزّ الله الإسلام به، وأبو عبيدة بن الجراح الذي وصفه النبي الكريم: بأنه أمين هذه الأمة, واقترب منهما أبو بكر, وتوسطهما, ورفع ذراعيهما بكلتا يديه, وقال للناس: لقد رضيت أحد هذين الرجلين؛ عمر وأبي عبيدة، وارتعدت يد عمر كأنما سقطت عليها جمرة ملتهبة، وغض أبا عبيدة عينيه الباكيتين في حياء شديد, وصارح عمر: واللهِ لأَن أُقدم, فيُضرب عنقي في غير إثم, أحبُّ إليّ أن أؤمر على قوم, فيهم أبو بكر، -وكان جلال الموقف أبلغ من كل مقال- فما كاد عمر, يلقي بكلمته هذه, ويتقدم باسطا يمينه, مبايعا أبا بكر, حتى ازدحم الأنصار على البيعة، وكأنما دعاهم من السماء داع
ألم أقل لكم قبل قليل: إن هذا الخلاف ليس أصيلا بينهم، إنه دخيل عليهم، موت النبي المفاجئ, ترك فراغا كبيرا، هذا الفراغ جعل اختلال توازن.
أحيانا يجد الواحد من زوجته موقفا غير صحيح، يكون قد سمعت خبرا مؤلما، أبوها مريض، إذا رأيت عمل الإنسان فيه خلل, قد تكون هناك مشكلة، إذا الزوجة وجدت زوجها سريع الغضب, قد يكون في محله التجاري مشكلة.
فالقصة: أن الصحابة الكرام, كانوا مثُلا عليا، الخلاف كان سريعا جدا، والدليل: كيف أن الناس اجتمعوا جميعا على هذا الخليفة العظيم؟.
الحقيقة: بدأت مشكلة كبيرة جدا، بل مشكلتان، فما كاد نبأُ موت النبي عليه الصلاة و السلام, يذيع في البلاد, حتى تصور المرجفون، والذين في قلوبهم مرض, ممن كان إسلامهم مداهنة وتقية، تصوروا أن النبي لم يمت وحده، وإنما مات الإسلام معه، وعليهم أن يتحركوا بسرعة, ليرثوا ذلك الدين الذي انتهى في ظنهم، وليستردوا جميع الامتيازات التي كانوا فقدوها تحت ضغط الدين الجديد. خاتمة الدرس:
أيها الأخوة, في الدرس القادم: نرى كيف أن سيدنا الصديق واجه فتنتين كبيرتين؛ الأولى فتنة الارتداد، والثانية الجيش الذي جيّشه النبي عليه الصلاة و السلام، وصار خلاف كبير حول إمضاء هذا الجيش, أو عدم إمضائه.
سوف ترون في الدرس القادم، كيف أن المسلمين لولا هذا الإنسان لهلكوا؟ وهكذا قال بعض أصحاب رسول الله.
أنقل لكم هذه الكلمة السريعة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
((لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم مقاما, كدنا نهلك فيه، لولا أن مَنَّ الله علينا بأبي بكر))
، لم يكن ثمة إنسان عنده إمكانية أن يحل محل سيدنا الصديق.والحمد لله رب العالمين