تفسير قوله تعالى :
( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)

يقول الله -جل وعلا-: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ يعني:
أشغلكم التكاثر، وهذا التكاثر يكون بالمال، ويكون بالولد، ويكون بالجند
ويكون بالجاه، ويكون بالسلطان، ويكون بكل متاع من متاع الحياة الدنيا
إذا تكاثر به الإنسان، وألهاه عن طاعة الله جل وعلا.

فهذه الآية تذم المتكاثرين الذين يتكاثرون بالدنيا؛ لأن الدنيا لا ينبغي للمسلم

أن يتكاثر بها؛ لأنها متاع زائل؛ ولهذا ذمها الله -جل وعلا- وذم هذا التكاثر.
فقال جل وعلا: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا .

فهذا التكاثر مصيره إلى زوال، والعمل الصالح هو الذي يكون إلى البقاء

فذم الله -جل وعلا- المتشاغلين بالتكاثر على أيّ وجه كان هذا التكاثر، ولهذا حذف الله -جل وعلا- المتكاثَر به، ولم يذكره؛ ليعم كل شيء يتكاثر به الإنسان.

حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ يعني: حتى متم، ودفنتم في المقابر فهم استمروا على هذا اللهو

أو استمروا على هذا التكاثر الذي أغفلهم عن الآخرة، حتى وضعوا في قبورهم
وهذا الانشغال عن أمر الآخرة إنما جاء من الغفلة التي أورثها التكاثر
ولهذا قال الله -جل وعلا- مبينا أن الغفلة تجعل الإنسان يعرض عما أمامه:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ .

وقوله جل وعلا: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ما قال الله -جل وعلا-

حتى صرتم إلى الآخرة، ولكن قال:
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ليبين للعباد أن هناك رجعة بعد الموت؛ لأن كل زائر يرجع
فالإنسان إذا زار أحدا بعد هذه الزيارة يرجع إلى أهله، فكذلك هذا الميت إذا مات
ووضع في قبره فهو زائر؛ لأن له مثوًى أخيرا، وهو الجنة، أو النار.