رعشة الخوف


من اجل حضارة اسلامية معاصرة


الخوف قناة عقلانية تصفها سطورنا كأنها حارة من حارات العقل حيرت الانسان في ماضيه وحاضره ورغم ان الانسان يعرف الخوف في التطبيق الا ان لبنات هيكلية الخوف غير معروفة فهذا يخاف من الظلام وذاك يخاف من حشرة او فأر وتلك تخاف من زوجها واخر يخاف من زوجته ولا يوجد قاسم مشترك بين النفوس يحدد ويجسد الخوف كحقيقة علمية في العقل لان العقل غير معروف في النظم المعرفية بقديمها وحديثها .

عندما يكون القرءان مصدر العلم والمعرفة ولم يفرط فيه ربك من شيء فلا يحلو العلم الا منه وفيه

(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62)

مع متابعة النصوص الشريفة سيجد الباحث ان القرءان قد وصف مسار فاعلية الخوف بصفة (عليهم) وقد تكررت في الذكر الحكيم (ولا خوف عليهم) وتكرارها في القرءان يدفعنا الى استحلاب ماسكة معرفية اولية تضع لفاعلية صفة الخوف علوية التأثير أي انها من خارج وعاء العقل فهي تقع على وعاء العقل من علو .. نجد ذلك في عميق نظرتنا للخوف فهو يؤتى من خارج العقل في ظلمة او حيوان او خطر داهم او فعل مفاجيء يرعب من يراه ...

الخوف هو (فاعلية سارية مربوطة مع العقل ربطا تبادليا) وذلك من علوم القرءان فعندما يكون الظلام (ساريا) يقوم الربط التبادلي مع العقل فيحصل الخوف وبمجرد انقطاع سريان الظلمة عند اشعال المصباح ينقطع الخوف بتوقف سريان فاعلية الظلام ... مثله لو كان بين الناس ملكا ظالما والناس يخافون من ظلمه لان ظلمه ساري بين الناس فان سقط الملك الظالم او مات ذهب الخوف عن الناس ... التيار الكهربائي مخيف ما دام التيار ساري في الاسلاك ويخافه كل من يمسه ولكن عند قطع التيارالكهربائي ينتهي الخوف منه ..

من ذلك نحاول ان نرسخ ان سريان الفاعلية المخيفة يرتبط ربطا بالعقل بشكل تبادلي والتبادل هنا ينشأ في العقل فالخائف من السلك الكهربائي فهو انما يجعل من سريان الفاعلية الكهربائية مؤذية له او قاتلة فيخاف ويرتعب نرى ذلك واضحا عندما نستبدل تيار الكهرباء بتيار ماء فهو غير مؤذي ولا يقيم تبادلية عقلانية فلا يخاف احدهم عندما يلمس انبوب الماء رغم سريان فاعلية الماء فيه ولكن التيار الكهربائي يقيم فاعلية تبادلية تنتج في العقل نتاجا يتسبب منه الخوف والتبادلية تنشأ في العقل وليس كينونة فالخائف من الظلام خائف عقلا اما ماديا فالظلام لن يضر الانسان شيئا ..

الخوف يمتلك صفة سلبية في خاطر الانسان على مختلف ثقافات الناس وعبارة (لا خوف عليهم) كوعد الهي في القرءان بنفي الخوف يؤكد سلبية الخوف في العقل ويؤكد ذلك نص شريف اخر

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155)

وعندما يبحر الباحث في العلم القرءاني سيجد ان الوعد الالهي ببيان القرءان يتحقق عندما تتلى الايات لغرض الفهم (آية تتلو آية) فنرى علاج الخوف باستبدال مصدر الفاعلية حيث تنقلب الصفة من السلبية الى الايجابية

(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175)

هنا يظهر بشكل واضح استبدال الفاعلية المربوطة بالعقل من فاعلية الشيطان الى فاعلية الله واذا كان مستقرا عندنا من بحث قرءاني سابق ان الشيطان يعني الخروج على سنن الخلق فيكون الفعل الشيطاني مصدرا للخوف ونراه واضحا في زماننا في السرطانات والفايروسات الفتاكة والانباء التي تتحدث عن كارثة كونية عارمة ... استبدال الفاعلية السارية بالخوف من ثلمة قوانين الله وسننه في الخلق عندها يتحول الخوف في مصدريته ويتحول الى ايجابي في نتائجه (فلا تخافوهم وخافون) ..

هذا الانقلاب يقيم نتاج ايجابي تكويني بحيث يقلب قناة الخوف من رعشة الخوف الى طمأنينة ايمانية تؤتي ثمارا في يوميات الانسان ويبدأ بخطوات رصينة مطمئنة (غير خائفة) رغم ان بناء الطمأنينة قد تم بلبنات من حارة الخوف نفسها وذلك باستبدال سريان الفاعلية وكان مثلنا يقيم في العقل مبدأ (بدلا من الخروج من سنن الخلق ينقلب الى التمسك بها) فتحصل المعجزة العقلية التي غفل عنها الناس .

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (الرعد:21)

في هذا النص الشريف يؤكد القصد الالهي الشريف ان سريان فاعلية الحساب الالهي عندما ترتبط بالعقل يقوم الخوف كينونة وينقلب من سوء الصفة الى محاسنها فيكون الخائف موصوف بصفة المتقين كما يتقي صاحب المال من السراق ويخاف السرقة فهو متقي في تصرفاته لحفظ ماله من السراق فيكون المتقين هم الخائفين من حساب ربهم والذين (يصلون ما امر الله به ان يوصل) وهي حصرا تطبيقات سنن الخلق وعدم الخروج منها ...

الخوف السلبي (رعشة الخوف) يضر بالانسان ويفقده الرصانة في عقله ونطلق عليه اسم (الجبان) من شدة مضطربات عقله وقد اضاف العلم الحديث للخوف سوءا جديدا حين ثبت ان الخوف واحد من اسباب مرض السكري وسبب من اسباب الذبحة الصدرية وقيل في بعض التقارير يكون الخوف سبب في ارتفاع ضغط الدم وهي ثلاث امراض كارثية اطلق عليها امراض العصر ..

اذن من حق الانسان ان يتعامل مع قناة الخوف العقلية تعاملا وقائيا تقيه من كثير من المساويء والقرءان دليل حامليه في منهجية قلب مساويء الخوف الى محاسن في رحمة الهية مودعة في قرءان مهجور في وجهه العلمي ...

(يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:50)

فاذا عرفنا من القرءان ان قناة الخوف تبدأ في فاعلية سارية (شغالة) ومن القرءان نعرف ان الفاعلية الالهية السارية هي سنن الخلق ونظمه فان ربطها بالعقل سيتم في (ويفعلون ما يؤمرون) وبالتالي تتحول المنظومة الاسلامية في اوامرها ونواهيها الى مجموعة من مفاتيح النجاة من خلال قناة الخوف (يخافون ربهم من فوقهم) فيعود ويرتبط النص الشريف بحكمته البالغة في صفة الخوف (عليهم) وهو في نص دستوري (لا خوف عليهم) لان تطبيقات (ما يؤمرون) تمر عبر قناة الخوف التكوينية في العقل فتتم استبدالية الخوف نفسه من صفته السلبية في (رعشة الخوف) الى الطمأنينة من خلال الخوف عند عدم تطبيق سنن الخلق والخروج عليها (شيطنة) فيكون احتضانها خوفا من الخروج منها ..!!

(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الاسراء:57)

هم الخائفون من عذاب ربهم ... انهم المتقون ... انهم المؤمنون ...

وقد جاء في قناة الخوف في خارطة الخالق (القرءان) نوعا من (الخوف المرتد) والذي يؤدي الى تدهور ايجابية الخوف واصابته بالسلبية وهي عندما تنمو في قناة الخوف مخافة ان الله سوف لن يثيب الخائف منه ولن ينصره .. ذلك خوف مرتد يتسبب في تدهور ايجابيته وخسران أكيد بنص أكيد

(أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (النور:50)

فما كان للمؤمن ان يخاف حيفا من ربه بل طمأنينة مرجوة في وعاء عقله (المؤمن عليه) من قبل صاحب التأمين الاكبر وهو ولي المؤمنين

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)

وفي هذا النص الشريف تأكيد دستوري الهي باطفاء رعشة الخوف عند الانسان بوسيلة علمية تقنية مادية وعقلية متناغمة متوافقة مع منظومة الكون الاجمالي وتمتلك بنود تطبيقية في ميدان يوميات الانسان وحياته العامة وعلاقة الانسان بالانسان وعلاقة الانسان بالطبيعة ولكن كثير من الناس عن ايات الله غافلون

ما كانت هذه عبقرة عقل او فلسفة كلام بل هي ذكرى تذكر حملة القرءان بمضامين قرءانية في زمن شديد الحاجة اليها بسبب الخروج الخطير عن سنن الخلق (خوف) فيه (رعشة) يرتعش بها الانسان في حارات عقله فيصاب بالحيرة ..!!


بقلم الحاج عبود الخالدي
...................