كثيراً ما شاهدتُ افلاماً سينمائية وقرأتُ قصصاً تتناول أو يأتي فيها ذِكرٌ لذلك الشخص الشرير الحاقد الذي
سرعان ما يتحول إلى آخر طيب، ولكن ما يلبث في طيبته حتى يعود إلى شَرّه، وهكذا دواليك حتى يتضح لنا ان
هذا الشخص له شخصيتان منفصلتان احداهما خيّرة والأخرى شريرة.. او احداهما فَرِحة والأخرى حزينة..
مما يُضفي على الفيلم روح المغامرة والتشويق والإثارة..

وهذا أمر غريب ولكننا لا ندرك مدى غرابته من خلال مشاهدتنا له عبر الشاشة أو من خلال تصويره بكلمات،
إلّا اذا ما تعايشنا مع حالة حقيقية بالفعل ..

وهذا ما قد رأيته بعيناي وعِشته..
فقد كانت لنا صديقة - لن اقول عنها غريبة الأطوار كما قال آخرون - ولكنّها كانت ملفتة للانتباه بتقلّب مزاجها الواضح جداً..
فقد كانت تأتي وهي في قمة الفرح والسعادة والنشوة التي ليس من الممكن ان يجاريها أحدٌ بها وما هي إلّا
دقائق واذا بها تعلن استياءها وحزنها وغضبها ونقمتها على الدنيا،
حاولتُ سؤالها عن سبب حزنها المفاجئ بعد ما كانت فَرِحة وسعيدة؟؟
فإذا بها تستغرب من سؤالي وتقول لي.. متى كنت انا سعيدة أصلاً؟؟
اجبتها: قبل قليل..!
ردت عليّ باستغراب: لا بل بالعكس ..
فمنذ ايام وانا على ذات الحالة .. حزينة ومكتئبة ولا اجد للفرح اي مدخل الى قلبي او حياتي ..

حاولتُ مواساتها ظنّاً مني بأنني كنتُ أتوَهم .. وأمضيتُ معها وقتاً طويلاً وانا أحاول إخراجها من دائرة حزنها
في حين كانت هي تشكي وتبكي وتندب حظها في هذه الدنيا الكئيبة،،

فإذا بها بعد ساعات، تباغتني وتقول لي:
ما بكِ تتحدثين إليّ وكأنني حزينة وكارهة للدنيا، إنني دوماً أشعر بسعادة لا حدود لها، فكل شيءٍ حولي جميل ..

توقفتُ .. ونظرتُ إلى عيناها بعمق لأحاول اكتشاف حقيقة حالتها .. ولكنني لم أفلح ..
فاكتفيت بالصمت الطويل .. في حين هي كانت تتحدث طويلاً .. تارة بحزن وتارة بفرح وتارةً بـ.... لست أدري!

حتى نصحنني صديقاتي بترك الحديث معها .. حِفاظاً على أعصابي ومشاعري ..!

فقد أصبحتُ أفكر بها كثيراً .. وتفكيري بها دعاني للإستمرار في الحديث معها أو بالأحرى للإستمرار في سماعها ..

ففي كلّ يوم أراني أكتشف لها شخصية جديدة مختلفة عن شخصيتها السابقة، مما خَلَق عندي نوعاً من الغموض والتوتر
وأحياناً الحزن وأحياناً الفرح .. فكل مشاعرها كانت تنعكس عليّ

حتى قالت لي ذات يوم أن اسمها الحقيقي (هـ ....) .. على الرغم من أننا نعرفها جميعاً باسم (تـ ....)
في حين أنني فوجئت بأن البعض يناديها باسم (خـ ....)
- المعذرة .. مضطرة للتحفّظ على الاسماء -

وبعد وقتٍ لم أراه بالطويل .. بناءً على حديثها وملاحظتي اكتشفتُ ان لكل شخصية من شخصياتها اسم معيّن خاص بها

لستُ أدري كيف ذلك؟! ولا متى؟! ولا لماذا؟!

واكتفيت بكبح فضولي نحوها والابتعاد عنها، فظروف الحياة اليومية لم تعد تسمح لي بلقاءها كثيراً

ولكنني لا زلت أتذكر قصتها كلما رأيتها .. وهذا ما دعاني للحديث عن حالتها
فقد رأيتها اليوم وألقيت التحية عليها فإذا بها تدّعي أنها لا تعرفني ..!!
ورَسمَت بعد ذلك على شفتيها ابتسامة توحي بالنصر وإصابة الهدف .. مما جَعلني أشكّ في شخصيتها المصطنعة ..
ولم تكن هذه المرة الأولى التي ألمحها وهي تحاول اخفاء ابتسامتها المُعلِنة عن النصر واستهبال الآخرين ..!!

لن أصف حالتها بأنها حالة مَرَضية ، كما تصف أغلب الأفلام والقصص هذه الحالة ..
حيث يأتي الطبيب أو المعالج النفساني ليكتشف فجأة الخبرات والأسباب الكامنة وراء هذه الحالة والتي غالباً
ما يعزوها إلى تجارب صعبة كانت في مرحلة الطفولة، فإذا به يحلّ المعضلة، ويعود البطل أو البطلة إنساناً طبيعاً..!

لأن هذا الشخص ما إن يدّعي ذلك موهماً نفسه ومصدّقاً لكذبته، فإننا نستطيع اعتبار حالته حالة مَرَضية نفسية ولكن من نوع آخر ..
يندرج تحت حب الكذب والظهور وإثارة الآخرين ...

لستُ أسيء الظن بمثل هؤلاء الأشخاص، بل إنهم وإن كانوا فعلاً مصابين بهكذا مرض فإنني أدعو الله من كل قلبي أن يشفيهم
ولكن لهذا المرض اعراض حددّها علماء النفس، من خلال دراساتهم السريرية للحالات الحقيقية
وذلك عن طريق إجراء تخطيط للدماغ وتنويم مغناطيسي من شأنه إثبات الحقائق والأسباب ..
كان من أهم هذه الأعراض التي وصفوها وتحدثوا عنها: طول المدة الزمنية التي تفصل بين كل شخصية وأخرى
فالتحول من شخصية لأخرى ليس بتلك السهولة التي يتقبّلها الدماغ البشري وتدّعيها هي
بل إن لها تبعات ومؤشرات قد يصاحبها في بعض الأحيان صداع وألام عضوية
كما انهم عندما يسمعون بأن لهم شخصية أخرى يحاولون الإستفسار ممن حولهم
عن ماهية هذه الشخصية التي لايشعرون بها، ويتساءلون عن كل كلمة وحركة كانت تصدر منهم ..!!

فالأطباء النفسيين في الواقع يشككون في صدق هذه الحالات، لكونها حالات نادرة جداً تصيب 1% من سكان العالم،
وهي مع ذلك نسبة صعبة الوجود، فغالباً ما يتصنعها أناس إرتكبوا جرائم، وادّعوا هذه الحالة للإفلات من العقاب،
مما جَعَل منها مادة درامية مُتَناولة الطرح بين يديّ الكتاب والمؤلفين الدراميين ..

من هنا أجدني أتساءل ..
هل من المعقول أن مثل هذه الحالات المتواجدة بيننا هي مجرّد ادعاءات كاذبة..!!
تنشد لفت الانتباه ربما ؟؟
أو تمضية الوقت وملأ الفراغ ؟؟
أو ربما هو تأثّر شديد بما يُبَث عبر الشاشات والروايات مما يدفع هؤلاء الأشخاص لتقليد ما يرون؟؟
أو أحياناً تشويش أفكارهم وبالتالي .. الوسواس بأنهم قد يعيشون ذلك ..!!
أو ربما هي ذريعة منهم للخروج من أي مأزق ؟؟
أو مجرد استمتاع بقدرتهم على إثارة ذهول الآخرين واندهاشهم ؟؟
أو ربما هناك أسباب أخرى ؟!
صدّقوني .. لست أدري ؟؟!!

اعجبني اسلوب الحوار فنقلتة